الأمن القومي العربي المبدأ والتطبيق
إيمان فضل السيد :
الأمن القومي كمبدأ ومفهوم، ليس من المفاهيم الفكرية المعقدة، فهو يندرج تحت ظل الدراسات الجيوستراتيجية التي يترافق فيها البعد الجغرافي متمثلاً في الثروات الطبيعية والإمكانات الزراعية والبحرية بما فيها المعابر والممرات المائية، مع الأبعاد التاريخية والحضارية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، لذلك فإن الحديث عن الأمن القومي بقدر ما هو حديث متسع المجالات، فإنه كذلك غاية في الوضوح.
وحينما نتحدث عن الأمن القومي العربي على وجه التحديد فإننا نستند بدرجة أساس إلى مبادئ وحدة الأمة العربية ووحدة الانتماء وإلى مفهومي الأمة الواحدة والمصير المشترك، وهو ليس بحديث ينطلق من إسقاطات أيديولوجية زائفة، بل له حيثياته الموضوعية، وشواهده الكثيرة التي يمكن تبيانها باختزال أو بتفصيل مطول، وإجراء الدراسات والبحوث العلمية المنضبطة بشأنها.
وعلى الرغم من وضوح مفهوم الأمن القومي العربي، إلا أن ارتباطه الأساس بقضية المصلحة في وقت لم تتفق فيه الأمة العربية على معايير معينة تمثل بوصلة مصالحها، ولم تتحدد فيه رؤى واضحة للتعامل مع الاستراتيجيات الإقليمية والدولية، التي تعبث في الجغرافيا العربية، يجعل المفهوم أسيراً للطفولة الفكرية لدى العديد من الساسة العرب وصناع القرار، حيث تتعارض بصورة وهمية مصالح أقطار الأمة مع بعضها بعضاً دون وعي ناضج بمصالحها العليا المشتركة، وأسير كذلك لدى الحكام الذي يقدمون مصالحهم الشخصية الضيقة على مصالح شعوبهم، فيتحالفون مع الشيطان لأجل ذلك، ويعبثون بأمن أوطانهم وتاريخها واستقلالها؛ كي يستمروا على كراسي الحكم.
أما على مستوى التطبيق فإن الأمن القومي العربي حتى لو اتضحت رؤيته في لحظة تصالح بين صناع القرار في المنطقة العربية وضمائرهم، فإنه يقع في حالة الضياع، ولعل ذلك يرجع تحديداً إلى عدم إيجاد آلية قومية رسمية مسؤولة عن بلورة هذه المفاهيم كإجراءات واقعية والتخطيط والعمل لمواجهة التحديات والمخاطر والتهديدات التي تواجه الأمة، فضلاً عن ضعف الإرادة السياسية.
وإذا نظرنا لحالة الأمن في الأقطار العربية كلاً على حدة، سنجد أنها وبلا استثناء تواجه الكثير من التحديات الأمنية خاصة فيما يتعلق بالجانبين العسكري والاقتصادي، فضلاً عن الكثير من المخاطر والتهديدات التي لا تخفى على أحد، على المستويين الإقليمي والعالمي، ولعل ذلك يقودنا بشكل مباشر إلى فداحة التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي، التي ظلت تغذيها الدولة القطرية منذ بداية حقبة ما بعد الاستعمار وحتى وقتنا الحاضر، إلى جانب نزوع النخب العربية نحو الهويات الفرعية الطائفية والإثنية والمناطقية.
إن النقاش الثقافي بخصوص الأسئلة والقضايا الملحة كقضية الهوية وقضية العولمة وتجلاياتها، لابد أن يترافق معه حوارات بين الخبراء والأكاديميين العرب عن الممكنات الاقتصادية في المنطقة العربية والفرص الواعدة حين يتم استغلالها، وعن الطريقة المثلى لإيجاد آلية قومية محايدة تضع المصلحة العربية المشتركة فوق كل مصلحة أخرى لحل النزاعات بين الدول العربية، هذا ما يجب أن يمثل أولوية في أجندة مباحثات السياسيين العرب، وهكذا يتم الإستفادة من التنظير ووضعه في الإطار العملي.