العراق الطائفي.. ماذا.. والى اين ؟
بقلم خليل مراد :
منذ الاحتلال الامريكي الغاشم عام 2003 , والعراق يمر بمنعطفات وازمات وحروب مذهبية سياسية خطيرة , بسبب طبيعة القوى التي تدير شؤون العراق منذ 15عاما, اوصلت العراق الى دمار وخراب وتدخلات اقليمية ودولية والى طرح مشاريع تقسيمية مشبوهة , تخدم هذا الطرف الدولي او ذلك. والعراق لايزال صامدا لم يتهشم.
انتهت عصابات داعش الاجرامية الظلامية البربرية, التي صنعتها اطراف عراقية حاكمة مرتبطة بمصالح دولية و اقليمية. وتركت وراءها مجتمعا عراقيا ممزقا واقتصادا منهارا ورهنت نفط العراق مقابل السلاح الى امريكا, لتمكينها من خلق ازمات جديدة وثباتها على راس السلطة.
المشهد السياسي العراقي يسير بين قوى تسمى الاتحادية مدعومة بتحالفات مزدوجة امريكية وايرانية , فرضت هيمنتها على اغلب الاراضي العراقية (المتنازع عليها) بالهاتف , مثلما انسحبت قوات متجحفلة من الموصل وسنجار وسهل نينوى امام زحف داعشي باعداد من سيارات الدفع الرباعية المجهزة بأسلحة متوسطة وخفيفة وبالهاتف. وسمحت للغول الداعشي ان يفتك بالعراقيين, وفي المقابل انكفأ الدور الكردي مؤقتا, بانتظار فرصة قادمة يستعيد الاراض التي انسحب منها بالهاتف ايضا. مشاهد عراقية تقزز الانفس ولعب درامية عجيبة تضحك على الذقون, القوى المسيطرة على العراق مركزية اواقليمية ثبت فشلها, لانها مسيرة من اطراف خارجية, لا حول لها الا القبول بالأمر الواقع الذي ترسمه لها دوائر واشنطن وطهران و تل أبيب, الفشل يستمر بلا توقف, فشل الدستور في حل ازمات البلاد, ملفات الفساد والمحاصصة لا تزال سبب بلاء العراق .
ولعل القارى يريد ان يفهم اسباب هذا التدهور الخطير في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق؟ وهو سؤال مشروع يدفعنا الى تلخيص المسببات والدوافع التي اوصلت العراق الى هذا الدرك الخطير.
بعد قيام الغزو الامريكي واحتلاله العراق في 9 نيسان 2003, وضع الحاكم المدني الامريكي بول بريمر عام 2004, أسـس وركائز لقيام نظام برلماني وسلطة تقود العراق الى واحة للديمقراطية كما وصفها الرئيس الامريكي الاسبق بوش الصغير. تكون بديلة للحكم الوطني الذي حكم العراق خمسة وثلاثين عاما ونقل العراق من دولة فقيرة ومتخلفة الى حقبة جديدة من التقدم والنهضة الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية ومن ركائز السلطة الجديدة هي:
1. المحاصصة والتوافق بين جماعات مذهبية وعرقية تعاقدت في مؤتمرات لندن وواشنطن وصلاح الدين لما يسمى بالمعارضة وهي ادوات مرتبطة بالمخابرات الامريكية و الايرانية, و بالراعي الامريكي و بعد قيام البرلمان عام 2005 تشكلت كتل و احزاب اسلاموية مذهبية و اخرى ليبرالية اطلق عليها العملية السياسية, تمهد حسب ادعاء اقطاب السلطة بقيام نظام سياسي برلماني فدرالي، وبعد ثلاث جولات انتخابية, دخلت البلاد في أتون صراعات و ازمات وفوضى ادت الى انهيارات اجتماعية واقتصادية وبنيوية, كانت تشكل في العهد الوطني قاعدة متينة للتحولات الاجتماعية والحضارية التي تقوم عليها الدولة العراقية التي نشأت عام 1921 .
2. المنهج الطائفي العرقي الذي صاغة المحتل ببراعة قام على نظام انتخابي عرف بالتلاعب والتزوير وشراء الذمم والتصفيات السياسية, بين اطراف العملية السياسية غير المتجانسة, هذا المنهج الطائفي والعرقي قضى على مؤسسات نظام قضائي مستقل وعلى مؤسسات لحقوق الانسان وعلى قاعدة متطورة زراعية وصناعية وسياحية وخدمية شكلت عامل للاستقرار والرفاهية في البلاد. وبعد سيطرت الائتلاف السياسي الموالي لايران عام 2011 طرح المشروع الطائفي بشعارات وطنية زائفة ادخلت البلاد في ازمات وفوضى وفساد مالي واداري دمر مؤسسات الدولة القائمة, فظهرت مافيات وسماسرة ولصوص وتجار السياسة, نهبت المال العام في عقود تجارية وعسكرية وهمية بلغت قرابة 900 مليار دولار, وعرضت الثروات النفطية الى نهب ممنهج بين اطراف السلطة الحاكمة, ادخلت البلاد في تحديات امنية خطيرة، وللحفاظ على امتيازاتها, اشتركت زعامات السلطة, بتنفيذ مخطط دولي ادخل عصابات القاعدة وداعش التي احتلت مدينة الموصل واراضي واسعة من البلاد وتشكيل عصابات ميلشياوية تابعة للحرس الثوري الايراني. هذا التطور قاد البلاد الى حربا داخلية ادت الى تخريب المدن واشاعة القتل والفوضى العارمة وكان من نتائج تلك الصراعات والازمات والحروب المزيد من تدخل القوى الاقليمية والدولية, وبات الوضع السياسي شاذا استنزف ثروات البلاد النفطية ومنظومة فساد مدعومة من جماعات السلطة زادت من ظاهرة الفقر والهجرة ومزقت الحياة الاجتماعية بصراعات مذهبية دمرت الوحدة الوطنية .
3. ان فساد العملية السياسية برمتها وحسب راي جورج اورويل ان الاطراف السياسية العراقية في السلطة وخارجها, تكرر خيباتها السياسية من دون ان تتعلم كيفية استشراف الصواب وتحديد معالم المستقبل القريب, حتى وصل الامر ببعض السياسيين الى فقدان حضورهم و وزنهم السياسي وهو يطفو فوق بقعة من الزيت في داخل قدر وغليان المطبخ السياسي, فضلا ان بعض المراقبين في داخل العراق وخارجة , يقولون بأن عراق اليوم غاب عنه الرجل والقائد السياسي البارع المحنك القادر على تحويل الهزيمة الى حراك وفعل ثوري و احداث التغيير المطلوب والقدرة على احداث ذلك التغيير, بشتى الوسائل الممكنة في السياسة وبغياب القائد والمفكر السياسي كثرت شعوذة السياسة ودجلها تروج شعاراتها ببضاعة زائفة وفاسدة لا يتقبلها الشارع العراقي منذ عدة سنوات, حتى من المتعاطفين وقواعدها الشعبية التي ساندتها بعد الاحتلال متأثرة بالبلاغات والشعارات الموهومة والخادعة.
اسئلة واستفهامات تطرح نفسها, كيف ومتى يخرج العراق من الشرنقة التي وضعه بها دهاقنة وعبيد واشنطن وطهران و تل ابيب، بسبب ذلك الزلزال الذي وقع في العراق, يوم وطأة دبابات طاغوت العصرالامبريالي ارض بغداد الحبيبة عام 2003 واسقطت امال العراقيين واحلامهم بالقوة المفرطة؟
وهل العراق مقبل على تغييرات سياسية تزيح القوى الطائفية الفاشلة والفاسدة وتأتي بقوى عراقية تؤمن بوحدة العراق وبالنظام المدني الديمقراطي وبسيادة القانون وفصل الدين عن السياسة؟
أغلب العراقيين غير متفائلين من القادم من الايام, لأن لا تغيير والقرار لايزال بيد قوى دولية واقليمية.
رأينا المتواضع، ان العراق لا يزال يسير بين الوحدة والتفكك, بين مشكلة الانفصال الكردي والتعايش الوطني بين القوميات المشاركة في حكم العراق, بين مشكلة الغزو الايراني المتمدد في طول البلاد وعرضها, وبين اقامة حكومة عراقية موالية لامريكا, و بين مشكلة التبعية الاقليمية لتركيا وايران والسعودية التي مزقت البلاد على أسـس مذهبية مقيته, وبين اقامة الدولة الوطنية بقيادة عراقية تعيد العراق الى محيطة العربي والى امجادة التاريخية .
السنوات القادمة تقول كلمتها وتحل الالغاز والعقد المتشابكة والصعبة. ويقينا ان الحلم العراقي قادم لا محال لعراق موحد غير قابل للتفتيت والتقسيم..