علاء مشذوب يعيش 100 عام اخرى !
علاء مشذوب يعيش 100 عام اخرى !
أفراح شوقي
هاتفني صديق قديم يعزيني بأستشهاد اديب كبير جرى اغتياله يوم امس امام باب داره في مدينته المقدسة بثلاثة عشر اطلاقة نارية اخترقت جسده وهوت به ارضاً مضرجا بدمائه مع كتبه واقلامه ودراجته الهوائية القديمة، قلت له وانا ابتسم: لست حزينة ايها الصديق ، فالجناة الملثمون ارادوا قتله واخماد افكاره وقلمه، لكنهم اخطئوا ومنحوه 100 عاماً اخرى من المجد والشهرة.
اما نصوصه وكتبه وخصوصا كتابه الاخير، فسيكون حفل توقيعه بمثابة العرس الاكبر وبما لا يشابه ايا من احتفالات تواقيع الكتب المعروفة كما اعلن و راهن اصدقائه ومحبيه.
المفارقة يا صديقي ان وابل الرصاص الذي اخترق جسد الاديب حرر معه ملايين الاصوات المخنوقة التي تعالت لتضيء ظلمة يسعون لتمديد رقعتها.
وتساءل الجميع، ألم تكن رصاصة واحدة تكفي ام انها تجربة القاتل الاولى فلم يحكم سيطرته على خوفه الذي استحال سيلا من رصاص؟ ام انهم اصحاب الخطوط الحمر وقد اجزلوا العطاء للقتلة فراحوا يعلنون الوفاء دماً مسفوكا لاحرمة له، كما في كل حلقة من مسلسل الاغتيالات في عالمنا العربي لكل من بقي ولائه للوطن وحده..
لم تكن وحدك ايها الشهيد الاديب علاء مشذوب، ولن تكون الاخير من ضحايا كلمة الحق والرأي في وطن يباع ويسرق كل يوم.
قاتلوك اليوم يا علاء يهنئون بعضهم ويشربون نخب دمك، في ذات المدينة المقدسة التي زمر سدنتها بصون ارضها ومقدساتها، وتناسوا ان قدسية الانسان اكبر من اي شيء، وان حياة الاديب لا تموت ما دامت كلماته تقدسه خمس مرات في اليوم!.
في كل سفر التأريخ هناك قصص تتحدث عن ابطال خسروا حياتهم امام حبهم لأوطانهم، والشهيد علاء مشذوب انسان عرف بحبه المفرط لمدينته كربلاء وراح يخلد كل تفاصيلها فكانت كتبه ( حمام اليهودي) و (جمهورية باب الخان)، و (شيخوخة بغداد) التي تناول بها الجانب المظلم الذي يعيشه الإنسان العراقي اليوم بعد تسيد الاحزاب الاسلامية الشيعية والمليشيات بأنيابها الحادة ونهشها لخيرات البلاد، ونشرها الفساد في كل مفاصل الدولة والحكومة. فكان الكتاب شاهد على العصر “كما يقول” في آخر حواراته: “عندما أعلنت الطائفية بكل وقاحة عن وجهها الدميم ليتقاتل الشعب فيما بينه، و خرجت الأصوات النشاز التي تدعو إلى تفتيت البلاد والعباد”. وقال ايضا عن معنى الوطن: “الوطن الذي يجعل من المواطن بقرة حلوباً وقرباناً لنظامه السياسي ليس بوطن.. والوطن الذي تحكمه طغمة من الفاسدين وظيفتهم النهب والسلب ليس بوطن، بل ضيعة بدون راع.. لم يكن أمام شباب العراق غير الهجرة، وتفاجأ أغلبهم بالحياة الكريمة والأمان والضمان النفسي والاجتماعي والصحي، ولأنهم لم يستطيعوا أن يفارقوا واقعهم، أطلقوا عبارتهم البائسة، (وجدنا الإسلام ولم نجد المسلمين)”.
والشهيد علاء مشذوب يعد من خيرة الكتاب العراقييين، نال شهادة الدكتوراه في الفنون الجميلة عام 2014، وكتب بحوثاً ودراسات عديدة في مجال اختصاصه. توالت مجاميعه القصصية (ربما أعود إليك) عام 2010، و (الحنين إلى الغربة) عام 2011، و (زقاق الأرامل) عام 2012، و (خليط متجانس) عام 2013، و (لوحات متصوفة) عام 2017. وفي الرواية، بدأ مع روايته (مدن الهلاك ـ الشاهدان) عام 2014، و (فوضى الوطن) عام 2014، و (جريمة في الفيس بوك) عام 2015، و (أدم سامي ـ مور) عام 2015، و (إنتهازيون … ولكن) عام 2016، و (حمام اليهودي) عام 2017، و (شيخوخة بغداد) عام 2017.
وسيسجل التأريخ ان إغتيال الاديب علاء مشذوب أثار سخطا وطنيا عارما ً لن يتوقف حد الرثاء، وسيفتح معه كل الملفات المحرمة حول استهداف الناشطين والادباء والصحفيين. سيرته التي اريد لها الانطفاء لن تنطفئ، وربما ستشعل معها جذوة الرفض عند كل الصامتين، والمؤجلين صرخاتهم، والخانسين والراكعين والخائفين والمنتظرين ادوارهم، علهم يوقفون نهر الدم ويعلنون الولاء للوطن وكشف كل الاقنعة التي تحاول ان تسير بالبلاد الى الوراء ، وان الغد لناظره قريب.