أخبار كل العربالرئيسية
نشأة اللغة العربية -غادة حلايقة
نشأةُ اللُّغة العربيّة وتطوّرها
أ.غادة حلايقة
اللّغةُ هي عبارةٌ عن فكرٍ ناطقٍ، والفكرُ هو لغةٌ صامتةٌ بين الفرد وذاته، وتأتي اللُّغة كمعجزةٍ كُبرى تُجسّد الفكر عبرَ مجموعةٍ من الأصوات، ولهذا فإنَّ اللُّغة هي جامعةُ أفكار الأمّة، تعمل على نقل الأفكار والآراء عن طريق قوالبَ لغويّةٍ تُصاغُ بها العواطفُ والمشاعرُ المترابطةُ بمضمونها الفكريّ والعاطفيّ.
اللُّغةُ العربيّة تُعتبر من أقدم اللُّغات الّتي ما زالت تحتفظ بخصائصها من التراكيب والألفاظ والنحو والصّرف والأدب، إضافة للخيال، وهي من أوسع اللُّغات الساميّة انتشاراً حول العالم، وأكبرها من ناحية الناطقين بها والّذي يَزيد عددهم عن الأربعمئة مليون شخص، يرتكز معظم الناطقين بهذه اللُّغة في العالم العربي والعديد من المناطق المجاورة له.
تتميّز اللُّغة العربيّة بقداستها بالنسبة للمُسلمين، كونها لغة مصادر التشريع الأساسيّة (القرآن والسنّة)، ولا تتمّ مُمارسة العبادات المختلفة في الدين، كالصلاة والحج، إلاَّ من خلال إتقان بعض كلمات هذه اللغة. إضافة لهذا فإن للُّغة العربيّة طقوساً أساسيّةً لدى الكنائس المنتشرة على إمتداد العالم العربي. كما ودوِّنت بها العديد من الأعمال الفكريّة والدينيّة اليهوديّة في فترة العصور الوسطى.
ارتفعت مكانة اللّغة العربيّة إبّان إنتشار الدين الإسلاميّ، وتأسيس الدول الإسلاميّة المُترامية الأطراف، حيث أصبحت هي اللغة الأساسيّة في تلك الدول، وكان لها تأثير مباشر وغير مباشر على العديد من اللّغات الأُخرى السائدة في تلك المناطق، كالفارسيّة والتركيّة والأرديّة، وهي واحدةٌ من اللّغات الرسميّة في منظمة الأمم المتحدة، وقد أُطلق عليها اسم (لغة الضاد)، لأنها اللّغة الوحيدة من بين لغات العالم أجمع التي تحتوي على حرف الضاد.
نشأة اللّغة العربيّة
تُعتبر بدايات اللّغة العربيّة مجهولة الملامح حتى وقتنا الرّاهن، وذلك بسبب الجهل بملامح ومعالم التّاريخ العربيّ والعرب القُدامى، والنقوش التي وصلت من تلك الحقبة قليلةٌ لا تفصّل التّاريخ بشكلٍ واضحٍ، وأقدم تلك النقوش يعود للقرن الخامس أو حتّى السّادس للميلاد، أما النصّ القرآنيّ فقد جاء في القرن السّابع للميلاد.
تتباين الرّوايات والآراء وتتعدّد حول أصل اللّغة العربيّة ونشأتها لدى قُدماء اللغويّين العرب، حيث يذهب البعض منهم إلى القول بأنّ (يعرب) هو أوّل من تكلّم بهذا اللّسان العربيّ وأَعْرَبَ به، فسُمّيت بالعربيّة نسبةً له.
وقد ورد في الحديث النبويّ الشريف بأنَّ النبيّ إسماعيل كان أوّل من فُتِقَ لِسانُهُ باللّغة العربيّة المُبيّنة ونَسِيَ لِسانَ أبيه وهو في الرّابعة عشر من عمره.
أما بعض اللّغويّين فيُردّدون بأنّ اللّغة العربيّة كانت لغة آدم عليه السّلام في الجنّة، لكن لا توجد أيّة أدلّة أو براهينَ علميّة، أو حتّى أحاديثَ نبويّة تؤكّد صحّة تلك الادعاءات. وبالإستناد إلى المنهج العلميّ، وآخرُ ما توصّلت إليه علوم الآثار والتّاريخ واللّسانيّات، وكلّ ما عُرف بهذا الصدد، هو أنّ هناك لُغتَين تفرّعت عنهما سائِر اللّهجات العربيّة المُختلفة، وهما (اللّغة العربيّة الشماليّة، واللّغة العربيّة الجنوبيّة). وتختلف اللّغة العربيّة الشماليّة عن الجنوبيّة، وقد أورد (أبو عمرو بنُ العلاء) قائِلاً: “ما لِسانُ حِميَر بِلساننا، ولا عربيّتهم بِعربيّتنا”.
فقد كانت اللُّغة الجنوبيّة أكثرَ اتصالاً باللّغات الأكّاديّة والحبشيّة، أما لُغة الشّمال فقد كان اتّصالها باللّغات النبطيّة والعبريّة، ويرى العديد من العلماء والمؤرّخين، مُعتمدين على عددٍ من النقوش الّتي عُثر عليها في اليمن، بأنّ لُغة الجنوب هي واحدةٌ من الأصول المشتقّة عن لغة الشمال، وأنّ بعض العبارات الواردة في تلك النقوش تتطابق لفظاً وتركيباً.
تعود أقدم النقوش الّتي تمّ العثور عليها للّغة العربيّة الجنوبيّة إلى السبئيّة والحميريّة والمعينيّة والقتبانيّة، أمّا فيما يخصّ اللّغة العربيّة الشّماليّة، فتُعتبر الأقرب للآراميّة.
ومن المعروف بأنّ بُنية أيّ لغةٍ يستحيل أنْ تبقى ثابتةً، فهي تتغيّر بقواعدها ومفرداتها، إضافةً لأنماطها الصّوتيّة مع مرور السّنين وتتابُع الأجيال، ويكون هذا التغيّير عادةً بطيئاً للغاية وبشكلٍ غير ملحوظ، وهذا سبب موت بعض اللُّغات على الرَغم من كونها أصولاً للعديد من اللُّغات الحيّة، وذلك بسبب عدم وجود من يتحدّث بها أو حتّى يفهمها، كالبابليّة والسّومريّة والأكّاديّة والحثيّة والعربيّة الجنوبيّة والمصريّة القديمة، إضافةً لِلُغاتٍ عربيّةٍ لم يعُدْ بإمكاننا فهمها أو قراءتها كاللُّغات المُسنديّة، ومنها السبأيّة والحميريّة والقتبانيّة والمعينيّة، والتي يتمّ كتابتها برسومٍ وحروفٍ أُخرى، وإن تمكّن أيّ شخصٍ من تعلّم قراءة وكتابة تلك الحروف والمصطلحات، فإنّه لن يفهم منها سوى جزءٍ بسيطٍ، وهذا الجزء هو ما تَبقَّى من مفرداتٍ ما زالت تحتفظ بصورتها ومعناها إلى يومنا هذا. وحتّى اللُّغة العربيّة في عصور الجاهليّة يَصعُبُ فهم العديد من مُفرداتها على كثيرٍ من النّاس، لأنَّها أصبحت غريبةً عنهم مقارنةً باللُّغة العربيّة الحديثة، لأن الزمان قد تجاوز العديد من تلك المُفردات، ولم تَعُدْ تُستخدم لأنّها تتأثّر بنظريّة تطوّر المُفردات أو اللُّغات، وما يؤكّد على نظريّة التطوّر اللُّغوي مُعلَّقة طَرْفة بنُ العبد، وهي واحدةٌ من المعلّقات المعلّقة على ستار الكعبة المُشرّفة، وهي:
أمون كألواح الإران نصأتها على لاحب كأنّه ظهر برجد
جماليّة وجناء تردي كأنها سفنجةٌ تبري لأزعر أربد
تباري عتاقاً ناجيات وأتبعت وظيفاً وظيفا فوق مور معبد
تربّعت القفين في الشول ترتعي حدائِق مولى الأسرّة أغيد
كأنَّ علوبَ النّسعِ في دأيها موارد من خلقاء في ظهر قردد
وهذه المُعلّقة هي خيرُ دليلٍ على تطوّر وتبدّل حال اللُّغة العربيّة.
وتقوم مَجْمَعاتِ اللُّغة العربيّة في وقتنا الحالي ببذل جهودٍ حثيثةٍ في سبيل تعريب العديد من مُصطلحات الحضارة الحديثة، كما عرّبت سابقاً عدّة كلمات، كالسيّارة والطائرة والإذاعة وغيرها.
اللُّغة العربيّة هي واحدةٌ من اللغات الساميّة التي شَهِدَت تطوّراً عميقاً على مرّ التّاريخ، وقد كان للقرآن فضلٌ كبيرٌ وعظيمٌ على توهّج اللُّغة العربيّة وإنتشارها، حيث أنّها تُعتبر اللُّغة الأمّ لما يزيد عن 422 مليون شخص في الوطن العربيٍ، إضافةً للمُتحدّثين بها في البُلدان الإسلاميّة الأُخرى كلُغةٍ ثانيةٍ، أمّا باقي اللُّغات السّاميّة الأُخرى فبَقيت مُحاصرةً ضمن نطاقٍ ضيّقٍ؛ كاللُّغتين الحبشيّة والعبريّة.
لم يُعرَفْ حتّى الآن معرفةَ متى ظَهرت كلمة عرب على وجه الدقّة؛ إضافةً لجميع المفردات التي تمّ اشتقاقها من الأصل (ع ر ب)؛ كالإعراب والعربيّة والمعرّب وغيرها، أمّا أقدم النصوص الأثريّة الّتي ظهر بها إسم (عرب) هي لوحٌ مسماريٌّ يعود للقرن التّاسع قبل الميلاد، ويُنسب للملك الآشوري (شلما نصّر الثّالث)، حيثُ ذُكر فيه الانتصار الّذي حقّقه على اتّحاد ملوك آرام وزعيمهم ملك دمشق الّذي قام ضدّه، إضافةً للغنائم التي تمكّن من الحصول عليها جرّاء هذا الإنتصار، وهي (ألف جمل من جنديبو من بلاد العرب).
وقد ذَكر عددٌ من عُلماء اللُّغة أنّ كلمة عرب وردت في بعض الأوصاف والقصص الفارسيّة واليونانيّة القديمة، وكان يُراد بها أعراب الجزيرةِ العربيّة، ولم يكُنْ في ذلك الحين لغةً عربيّةً محدّدةً، وإنّما كان يُطلقُ على كافّة اللُّغات التي كانت تتحدّث بها القبائل والأقوام القاطنين في الجزيرة العربيّة باللُّغات العربيّة، وهي عبارةٌ عن لُغاتٍ مُتطوّرةٍ ومتقاربةٍ، كلُغات ثَمود وعاد غيرهم، وأَخذت هذه اللُّغات بالتطوّر والتغيّر التدريجيّ، ونتجَ عنها اللُّغة المهريّة الّتي ما تزال تُستخدم حتى عصرنا الحالي في سوقطرة وثَمود، لكنّ تلك اللُّغات لم تكُنْ تُكتب بالحروف العربيّة المعروفة في يومنا هذا، ولكنّها مرّت بالعديد من التحوّلات التي سأذكرها لاحقاً.
اللُّغة العربيّة الفُصحى
وُلِدَت اللُّغة العربيّة قبل حوالي ألفَيّ عامٍ، حيثُ كان يُطلق عليها قبل الإسلام اسم (لُغة مضر)، وكانت في ذلك الوقت تُستخدم في شمالي الجزيرة العربيّة بعد قضائها على اللُّغة العربيّة الشماليّة القديمة، لتحلّ محلّها، فيما كان يُطلق على لُغة الجنوب القديمة اسم (حمير)، نسبةً إلى أحدِ أعظم الممالك في اليمن.
ظهرت لُغة قريش بعد منتصف الألفيّة الأولى للميلاد، إضافةً لظهور لُغاتٍ أُخرى، كلُغة القُضاعيّة والربيعيّة، وهي عبارةٌ عن لهجاتٍ أُطلق عليها لُغات، حيث كان بإستطاعة كلّ قومٍ فهم لُغات الأقوام الأُخرى في المنطقة بكلّ سهولةٍ ويُسرٍ، إضافةً لفهم بعض ما كان يُقال في لُغة حِمْيَر، وقد جاء نزول القُرآن الكريم في تلك الفترة من أعظم الأمور الّتي خلّدت واحدة من تلك اللُّغات في ذلك الوقت، لأن القرآن قد نزل بها، وكانت تُعتبر لُغة القرآن في تلك الفترة من أرقى لُغات العرب، ألاَ وهيَ اللُّغة القُرشيّة، الّتي أُطلق عليها فيما بعد إسم (اللُّغة العربيّة الفُصحى).
الحروف والكتابة العربيّة
كانت اللُّغة العربيّة تُكتب قديماً بالخطّين الثموديّ والمسنديّ، وأُدخلت عليها حديثاً الخطّ النبطيّ الّذي أُخِذ من الفينيقيّين، وحلّ هذا الخطّ محلّ الخطّ الثموديّ الّذي كان يُستخدم شمالي الجزيرة العربيّة، وتمّ إعتماده في لُغة مُضر الحديثة، أما لُغة الجنوب (حِمْيَر)، فقد بقيت محافظةً على الخطّ المُسنديّ، وأُطلق على الخطّ النبطيّ اسم (أبو الخطّ العربيّ الحديث)، وقد كُتب أقدم نصّ عربيّ مُكتشف بالخطّ النبطيّ، حيث تمّ اكتشافه في سوريا وهو نقش (النمارة) الّذي يعود للقرن الثالث للميلاد.
إضافةً للخطّ النبطيّ كان هناك خطوط حديثة أُخرى لمضر، كالخطّ الأنباريّ والخطّ الحيريّ، أمّا الخطّ الّذي إستُخدم بعد ظهور الإسلام فهو الخطّ النبطيّ المطوّر، ومن أقدم النقوش المُستخدمة فيه، نقش أمّ الجمال، ونقش زبد.
قام الحجازيّون لاحقاً بتحرير اللُّغة العربيّة من الخطّ النبطيّ، وبدأ بالتغيّر التدريجيّ المُتقارب حتّى عهد الأمويّين، وتحديداً عندما استخدم (أبو الأسود الدؤلّي) بوضع النِقاط على الحروف، أمر بعدها عبد الملك بن مروان يحيى بن يعمر وعاصم الليثي بتشكيل الحروف، فقاموا بوضع نقطة أعلى الحرف لتدلّ على الفتحة، ونقطة أسفل الحرف لتدلّ على الكسرة، ونقطة شمال الحرف لتدلّ على الضمّة، تطوّرت تلك النقاط بعدها وتحوّلت إلى وضع ألف مائلة صغيرة فوق الحرف للإشارة إلى الفتحة، وياء صغيرة للإشارة إلى الكسرة، وواو صغيرة للإشارة إلى الضمّة، وبقيت تلك الحركات تتطوّر حتى وصلت إلى الشكل الحاليّ من فتحٍ وضمٍ وكسرٍ.
تتميّز اللُّغة العربيّة بأنّها اللُّغة الوحيدة حول العالم الّتي تستخدم حرف الضاد، وقد استَخدمت اللُّغة الألبانيّة هذا الحرف بعد وصول الإسلام إليها في عهد العثمانيّين، وتتعدّد علوم اللُّغة العربيّة، فهي تضمّ علم النحو والبلاغة، وتتعدّد اللّهجات العربيّة على إمتداد العالم العربي، لكنّها جميعاً تصبّ في بحرِ اللُّغة العربيّة العظيم.
عضو إتحاد كتاب الأردن
المراجع:
1- أثر اللسانيات في النقد العربي – توفيق الزيدي – الدار العربية – 1984 تونس.
2- نصوص من الأدب العربي المعاصر – أ. د. خليل الموسى، د. سحر شبيب – جامعة دمشق – التعليم المفتوح – 2013.
3- د. خليل الموسى – اللغة العربيّة: مواجهات وحلول – جامعة دمشق 2012.
4- فقه اللغة وسرّ العربيّة – الثعالبي – بيروت 1903.
5- لسان العرب – ابن منظور – دار صادر بيروت 1955.
6- اصوات اللغوية – إبراهيم أنيس – طبع دار وهدان – الطبعة الخامسة 1975.