استشراف المستقبل والتحكم به من خلال الحوسبة الاستباقية
استشراف المستقبل والتحكم به من خلال الحوسبة الاستباقية
Future Prediction and control it using Proactive Computing
د. إياد سليمان
الدول القمعية تستخدم العسس والعملاء والمخابرات والاعتقالات والتعذيب والتهديد من اجل السيطرة على مواطنيها او بتسمية اخرى رعاياها، لا قيمة للفرد ولا رادع يمنع الدولة من قمع السكان ومتابعة اخبارهم واستخدام كل الطرق الشرعية وغير الشرعية للسيطرة الكاملة على مفاصل الدولة.
اما الدول الغربية التي تطبق الديمقراطية وتعتمد مبدأ التداول السلمي للسلطة فهي تتابع المواطنين بطرق كثيرة وتحلل خطواتهم وتبني ملامح كل واحد وواحدة وتصنفهم حسب خطورتهم على امن الدولة، هذه الدول ليست بحاجة لآليات قمعية ولا لوضع الجواسيس وراء كل مواطن ومواطنة، ما تقوم به هذه الدول هو استعمال التقانة الحديثة من خلال تقنيات التنقيب عن المعلومات data mining techniques من خلال مئات الاف قواعد البيانات المتوفرة والتي يتم تحديثها يوميا، هذه التقنيات تستطيع ان تحلل كل ما يقوم به المواطن من استعمال لبطاقات الاعتماد والمكالمات الهاتفية والمشاركة في شبكات التواصل الاجتماعي والتنقل بالسيارة (Waze) ووسائل اخرى حيث يتم بناء ملامح شخصية هذا المواطن Profile وتصنيفه حسب خطورته وتتوقع خطواته القادمة او تتنبأ بما قد يفعل خلال فترة زمنية معينة، وكل من يدخل في هذا التعريف تلاحقه الدولة ويحاسب على ما فعله او ما قد يفعله مستقبلا.
كذلك تقوم الشركات الخاصة التي تعمل في مجال جمع البيانات وتحليلها، بمساعدة شركات التسويق على تسويق منتجاتها من خلال إستخدام طرق لدراسة الملامح النفسية للمتسوقين، وتقوم بإرسال رسائل ألكترونية تتناسب مع توجهات المتسوق وقد قامت شركة كامبريدج أناليتيكا على سبيل المثال بمساعدة السياسيين في الحملات الانتخابية عبر دراسة توجهات الناخبين والتنبؤ بسلوكهم، وتحليل البيانات المتعلقة بهم، ودراسة طرق التأثير عليهم، وإستخدمت الشركة طرقا غير أخلاقية في دعم المرشحين السياسيين، بما فيها الترويج للأخبار الكاذبة خلال الحملات الانتخابية.
أما الدول الكبرى فإنها تعمل على تغيير المسار المستقبلي للإحداث بواسطة الأفعال الإستباقية Proactive actions كمنع قيام الثورات وظهور الجفاف ومنع الإنهيار الإقتصادي وتغيير أسعار الأسهم ومنع عمليات إرهابية أو عملية تبييض للأموال وغيرها من خلال التحكم بمعطيات الحدث من خلال ما يعرف بالحوسبة الإستباقية أي التلاعب بالمعطيات بطريقة مدروسة بواسطة ما يسمى التعلم الآلي Machine Learning وتغيير المسارات أو المعطيات من المصادر التي حصلت عليها بواسطة التلاعب ببعض المميزات features أو الغاء معطى أو معطيات قد تسبب الضرر إذا تم إبقاؤها ضمن الحسابات الموجودة.
لدى بعض الدول ادوات لا تستطيع معظم دول العالم استعمالها أو حتى لا تعرف كيف تستعملها كعلوم نظريات الالعاب والتعلم الالي واستشراف المستقبل وادوات اخرى لم تصرح عنها حتى الان، نحن بصدد انهاء مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى والثانية والدخول في نظام عالمي جديد لم نفهم حتى الآن ماهيته ولكن كل شيء بدأ مع بدء الحصار على العراق والتحالف الغربي مع إيران لتغيير المبنى الديمغرافي للمنطقة العربية برمتها والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط الكبير وأفريقيا وامريكا الجنوبية لحصار الهند والصين وروسيا.
استشراف المستقبل
هو علم حديث وجهد علمي منظم يدرس الماضي والحاضر ليتوقع المستقبل بواسطة إستخدام التعلم الآلي لتصور ما يكون عليه العالم بعد عقد وعقدين.
كما أن الدراسات الاستشرافية لا تهدف إلى التنبؤ بالمستقبل بل إلى التبصير بجملة البدائل المتوقعة التي تساعد على الاختيار الواعي لمستقبل أفضل.. ان الاستشراف ليس تنبؤاً وتكهناً بالمستقبل أو اطلاعاً على الغيب، ولا نقول هنا إننا باستخدام أدوات هذا العلم سنكون قادرين على معرفة المستقبل، وإنما توقع احتمالات قد تحدث بنسب متفاوتة والاستعداد لكل احتمال وفق منهجية علمية ومحاولة تكوين صورة واضحة عما يمكن أن يحدث وذلك على أساس معلوماتنا عن الظروف الطبيعية والحيوية لعالمنا الذي نعيش فيه. وغاية الدراسات المستقبلية هو توفير إطار زمني طويل المدى لما قد نتخذه من قرارات اليوم.
ومن أجل الحيادية في قراءة المستقبل علينا تجنب الأفكار المسبقة أو الاندفاع لرؤية بعض الأمور التي تناسب أفكارنا وتجاهل أو نبذ الأخرى التي تزعجنا، فإذا أردنا لهذا المستقبل أن يكون أقرب ما يكون فلا بد لنا أن نضع ذلك المستقبل على شاكلة نرضاها لمستقبلنا من خلال اتخاذ القرارات التطويرية الآخذة بعين الاعتبار النتائج والتداعيات المحتملة لهذه القرارات على مدى زمن بعيد نسبياً.
كما أن عملية استشراف المستقبل لا تهدف إلى إصلاح الماضي ولا إلى تقليص أخطاء الحاضر وھو ما يعتقد به الكثيرون وإنما يركز بشكل أساسي على الصورة المناسية للمستقبل بحيث تنفذ على أرضية الواقع من خلال عملية التخطيط، والتخطيط للمستقبل بالتأكيد يتبع الحاضر، فالحاضر أساس مهم لاستشراف المستقبل فهو غير مقدر سلفاً بل نحن نصنعه بأعمالنا.
إن الاستشراف وإن كان داخلاً في مجال التخطيط الاستراتيجي إلا أنه يختلف عنه وفق ما يلي:
الاستشراف: يعنى بالتعرف على احتمالات ما سوف يكون في المستقبل، أي أن نتائجه متعددة الاحتمالات مع محاولة ترجيح إحداها دون أن تكون معنية بالوصول إلى نتيجة معينة.
التخطيط الاستراتيجي: يعنى بتحديد هدف معين مسبقاً ومحاولة الوصول إليه، وبالتالي فإن الاستشراف يساعد بشكل كبير في توجيه التخطيط الاستراتيجي.
فاستشراف المستقبل ليس تنجيمًا بل هو منهجية علمية تعتمد على توافر مقومات أساسية تتمثل في الفهم الشامل لاستشراف المستقبل وتحدياته والتدريب على أدواته ومناهج استشرافه لتكوين رؤى مستقبلية ثاقبة، ويحتاج استشراف المستقبل بصورة أو بأخرى إلى التنبؤ المعتمد على عدة قدرات عقلية أهمها: التفكير، التخيل، البصيرة، الحدس، الإدراك.
وشتان بين أن يأتي العمل الاستشرافي كمقدمة سريعة للعمل التخطيطي، وبين أن تتاح