الدعاء لغزة تخاذل و عجز، قراءة في الانبطاح
الدعاء لغزة تخاذل وعجز
قراءة في الإنبطاح
أ. نسيم قبها
يطالب أغلب “العلماء” بنصرة فلسطين بالدعاء عندما يقرع لهم الجرس، وكأنهم يُلبون حاجة الحكام لامتصاص غضب الناس، وتفريغ احتقانهم بأعمال هامشية لا تصنع فارقًا على أرض الواقع، والحقيقة أن دعاء المجاهدين قد حصل عندما كان القتال كفائي يُجزئ إذا أقامه بعض أكفأ وأنجز ، وليس حينما يكون واجبا على كل حر .
فحالما يكون ضعاف الناس في سبات ، فإن اختزال النصرة بالدعاء تخاذل وعجز.
وإن الترويج لنصرة أهل فلسطين بعضهم بالدعاء ، بدل نصرتهم بالدعوة إلى إسقاط الأنظمة واستنفار الشعوب كلها ، هي مهزلة وتبرير لنكوص الأنظمة العميلة المتآمرة عن واجبها. قال العز بن عبد السلام: “من نزل بأرض تفشى فيها الزنى فحدث الناس عن حرمة الربا فقد خان”.
إن الوقت الآن هو وقت استعادة وحدة الأمة وإعلان القوة ، والحديث عن التلاحم وحث الناس على التغيير، وانتزاع الخوف من قلوبهم، وتشجيعهم على السير بالحق، وتشويقهم إلى النصر ، وأي حديث آخر غير وحدة الأمة خيانة لها .
أنا لا أبخس الدعاء قيمته ، ولكن لا بد مع الدعاء من الأخذ بالأسباب؛ فلا يجوز أن يعتقد أن الدعاء طريقة لقضاء الحوائج حتى لو استجاب الله وقضيت بالفعل؛ لأن الله جعل للكون والإنسان والحياة نظامًا تسير عليه وربط الأسباب بالمسببات. لذلك يجب أن ندرك أن حال الناس لا يتغير نحو النهوض والانعتاق من الطغاة والمستعمرين إلا بالتوحد على الأفكار التي توصل إلى التحرر والنهوض، وهي عقيدة التوحد والوحدة للأمة ، ومقاومة الإؤتعمار والإحتلال والتبعية . والعمل على جعل هذه المفاهيم عرفًا عامًّا لا تملك الأنظمة العميلة الوقوف في وجهه، أو تُرسِّخ ما يُخالفه .
لقد وجد كثيرًا من شباب الأمة يظنون أنهم إذا أعادوا إرسال تغريدة، أو وضعوا إعجابًا على منشور، أو أظهروا تألمهم لألم مصاب ، فقد نصروا دينهم وإخوانهم ووطنهم ، وقاموا بما عليهم وأقاموا الصلاح في الأرض، وهذا غير صحيح ولا منتج، ولا يؤدي إلى تحقيق الهدف والغاية.
لذلك كان على حر غيور العمل على تغيير البيئة السلبية حيال قضايا الشعوب من حوله وأن يحاسب الحكام والسياسيين على تقصيرهم أينما وجدهم، وأن يكثر من سواد أمثاله الذين لا يقبلون بغير ما يوحد الأمة ويحررها، وعليه أن يلبيَ نداء من يدعوه للعمل لخلاص الأمة وانعتاقها، وأن يدافع عمن يقف في وجه السلطات الظالمة انتصارًا لمبادئه، وأن يجفف منابع الأنظمة من إسنادها في محيطه وجيرانه وأقاربه وزملائه، وأن يلتف حول من يعبر عن إرادته، حتى تصبح الأنظمة ورجالها الذين يُفاخرون بمناصبهم وقُربهم من السلطان الخائن، معزولين كالشاة الجرباء.
إن هذه الحرب في فلسطين هي حرب عنصرية يهودية ، وليست حربًا على غزة وأهل فلسطين وحدهم، إذ إن غزة هي خط المواجهة فقط ، فقد رفع المستشار الاتحادي النمساوي سيباستيان كورتس العلم الإسرائيلي على سطح مكتبه؛ للإعراب عن تأييده لقتل أطفال فلسطين، وقال: إن النمسا “تقف إلى جانب إسرائيل”. كما أمر الرئيس التشيكي برفع العلم الإسرائيلي في بلاده لإظهار التأييد لهمجية الكيان الصهيوني ضد أهالي فلسطين. أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فقد أبلغت نتنياهو إدانتها للاحتجاجات في ألمانيا التي شهدت انتشار “الكراهية ومعاداة السامية” وأكدت تضامنها مع إسرائيل، وأما الرئيس الفرنسي اللقيط ماكرون فقد اتصل بنتنياهو ليعزيه بالضحايا الإسرائيليين، ويؤكد له إن الإدانة ستكون للنيران القادمة من غزة فقط. كما ومنعت الدول الأوروبية التظاهر ضد العدوان الصهيوني الهمجي بحجة “معاداة السامية”، رغم أن “معاداة السامية” ظاهرة أوروبية وليست منا في الأصل، تم إسقاطها علينا لتبرير حماية الكيان الصهيوني ومنعنا من مقاومته. فيما أقرت إدارة بايدن صفقة سلاح لـ”إسرائيل” بقيمة 735 مليون دولار تتعلق بصواريخ عالية الدقة لقتل الفلسطينيين. ولذلك لن يؤيد الغرب حقوقنا فعليا حتى لو رموا “إسرائيل” بالورود.
إن الأنظمة العربية بشكل عام هي الأخرى جزء لا يتجزأ من المعركة ضد الأمة؛ لأنهم يحمون ظهر “إسرائيل”، ويوفرون لها الغطاء السياسي للانفراد بأهل فلسطين وارتكاب أبشع المجازر بهم، من خلال البيانات السياسية الكاذبة وإحالة قضايا الأمة إلى جلادها، ومن خلال التطبيع والتحالف الذي صرح به يوسف العتيبة سفير الإمارات في واشنطن بوضوح، ومن خلال منع الشعوب من الإنفلات وإلهائهم بالتظاهر والاحتجاج وتنفيس غضبهم.
فحري بالشعوب أن يتوحدوا على وينبذوا كل فكر وافد من العدو المستعمر وأعوانه، وأن يجعلوا غايتهم وحدة الأمة ونهضتها.
إن دعم أميركا وتمكينها الأنظمة العربية للوقوف صوريًّا مع أهل فلسطين، إنما يهدف إلى دعم القوى العميلة وتقويتهم وتلميعهم في وجه المد الشعبوي التواق للتحرر، إثر ارتفاع صوت السلاح في يد الأبطال في غزة وفلسطين وتفاعل الشعوب معهم. ومن المتوقع أن تأخذ الأنظمة العربية والقوى المستأجرة زمام المبادرة بعد انتهاء المعركة لطمس إنجازات المقاومة والأعمال البطولية لصالح النهج الاستسلامي الخياني.
إن القيمة السياسية من هذه المعركة التي أدارتها الولايات المتحدة، والتي أنعشت وظيفة حراسة الكيان الغاصب، هي ثني نتنياهو عن استثمار التهويد وفرض الأمر الواقع الذي يعرقل الأجندة الأميركية للقدس والمقدسات وتصفية القضية بحلول “مستدامة”، وإعادة “حل الدولتين” الذي تلاشى بخطة ترمب، إلى عناوين الإعلام فقط. وتبرز قيمتها أيضًا في تمهيد الطريق لمفاوضات تحت هذه العناوين الخادعة التي تُمني الفلسطينيين بحل عادل. وإن هذا اللحن الجديد على لسان قادة حماس وتملقهم لمحمدالضيف وأبو عبيدة والقادة العسكريين في القسام، إنما يهدف إلى ضبط موقفهم مع التوجه السياسي المرتقب للحركة، والذي عبر عنه خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج، في لقاء له على قناة العربي في 15مايو/أيار بقوله: “بعد المعركة نرتب بيتنا الفلسطيني، ونجري انتخابات، ونفتح أبواب المنظمة ونكون شركاء في القرار السياسي، وفي المؤسسات السياسية القيادية”. فإذا ما تحقق هذا الهدف فإنه من المتوقع أن تسارع السلطة باستئناف المفاوضات اللانهائية وإبرام المفاوضات والصلح المبهم باسمهم جميعا.