العراق مختبر الفوضى الخلاقة المفضية إلى الشرق الأوسط الجديد
العراق مختبر الفوضى الخلاقة المفضية
إلى الشرق الأوسط الجديد
د. أحمد قايد الصايدي
إذا ما أزحنا تأثير الإعلام الموجَّه، لاسيما إعلام الدول الكبرى والإعلام الآخر المرتبط بها، إذا ما أزحنا تأثيره على وعينا وقناعاتنا وتصوراتنا للأحداث القريبة والبعيدة، وإذا ما أدركنا زيف الدعاوى، التي تروج لها هذه الدول وأجهزتها المختلفة، كحقوق الإنسان وتصدير الديمقراطية، إلى بلدان بعينها، دون سواها، لتخفي تحت غطائها الجذاب مصالحها ومخططاتها وأهدافها الحقيقية، مستغلة توق الشعوب المقموعة إلى الانعتاق من قيود الظلم والاستبداد والاستغلال، الذي يمارسه حكامها عليها، فكيف سنرى الصورة الحقيقية والوقائع الفعلية على الأرض؟ لنتخيل نهراً جميلاً تنساب مياهه الرقراقة، راسمة لوحة مريحة للنفس، ملهمة للمبدعين، من الشعراء والفنانين.
فإذا ما جفت مياه النهر تلك، فماذا سيبقى في النهر غير جيف بعض الحيوانات النافقة وبقايا خرق بالية وأحذية قديمة وعلب فارغة صدئة مغطاة بالطحالب الجافة والأوساخ. إنها لوحة مفزعة صادمة، كانت تختفي تحت غطاء من المياه المنسابة. هكذا ستبدو الصورة الحقيقية لما يدور في عالمنا المعاصر، إذا ما نُزع عنها غطاؤها الخادع، الذي يموه به الكبار ما يضعونه من مخططات وما يمارسونه من سياسات، وما يرتكبونه من جرائم إنسانية، وما يرسمونه من خرائط جديدة، لتفكيك الكيانات السياسية في البلدان الضعيفة، إلى كيانات أكثر ضعفاً وأكثر تبعية.
ولم تكن القوى الاستعمارية وقادتها وأجهزتها الأمنية وبعض مراكزها البحثية مهووسة برسم خريطة جديدة للوطن العربي وحده (خريطة الشرق الأوسط الجديد)، بل وبرسم خرائط للعالم كله، تحقق من خلالها هيمنتها على الكرة الأرضية. إلا أن الوطن العربي، قد حظي من هذا الإبداع الاستعماري بالنصيب الأوفر، بحكم موقعه وثرواته ووجود الكيان الصهيوني المزروع في فلسطين، الذي يؤدي وظيفة مهمة في خدمة المصالح الاستعمارية، والذي يتطلب استمرار وجوده مزيداً من تفتيت وإضعاف الدول العربية المحيطة به.
ويكفي للتدليل على نظرة الدول الكبرى إلى العالم، الإشارة إلى نظرة الدولة الأعظم في التاريخ المعاصر، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وتوجهها إلى إعادة تقسيم العالم وإضعافه والهيمنة عليه. ولنقتبس هنا الفقرة التالية، من ص 116 في الترجمة العربية لكتاب (إرث من الرماد، تاريخ السي. آي. إيه)، لمؤلفه تيم واينر (مراسل النيويورك تايمز)، لنقف على فحوى هذه النظرة: “اعتقد فوستر بقوة أنه على الولايات المتحدة القيام بكل ما في وسعها لتغيير أي نظام لا يتحالف جهاراً مع الولايات المتحدة، أو إلغائه. ووافقه ألن من صميم قلبه. وشرعا، بمباركة من آيزنهاور، في التخطيط لإعادة رسم خريطة العالم”. والمقصود هنا بفوستر، جون فوستر دالاس، وزير الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس آيزنهاور (1953م _ 1961م). وأما ألن، فهو ألن دالس، شقيق وزير الخارجية ومدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي. آي. أيه). وقد صدرت الطبعة الأولى من الترجمة العربية لهذا الكتاب في بيروت، عام 2010م، عن شركة المطبوعات والتوزيع والنشر، في ما يقارب 840 صفحة.
وفي ما يتعلق بالوطن العربي، فإن فكرة رسم خريطة جديدة له ليست فكرة طارئة، بل هي فكرة عمرها أكثر من قرن من الزمان. ففي أثناء الحرب العالمية الأولى (1914م _ 1918م)، تم رسم خريطة لاقتسام العراق وبلاد الشام بين دولتي الانتداب (بريطانيا وفرنسا)، عُرفت باتفاقية سايكس _ بيكو، نسبة إلى الدبلوماسيين، الإنجليزي مارك سايكس والفرنسي فرانسوا جورج بيكو، اللذين رسما تلك الخريطة، في مطلع عام 1916م.
وأثناء الاحتلال الفرنسي لسوريا (تحت اسم الانتداب)، الذي استمر من عام 1920م وحتى 1946م، أي قبل قيام الكيان الصهيوني في فلسطين، في عام 1948م، توجهت الحركة الصهيونية إلى الحكومة الفرنسية بمشروع لتقسيم سوريا الحالية، إلى أربع دويلات، عواصمها: دمشق وحلب واللاذقية والسويداء. وكان الهدف من هذا التقسيم، هو ضمان عدم قيام دولة قوية مجاورة لفلسطين، التي كان قد تقرر تسليمها للحركة الصهيونية، لتقيم عليها دولة إسرائيل. ولكن تلاحم الشعب العربي في سوريا، بكل أديانه وطوائفه وأعراقه، ومقاومته المسلحة للوجود الفرنسي وانتزاع استقلاله، حال دون تنفيذ المشروع، في ذلك الحين.
ولم يمت مشروع التقسيم بفشل تقسيم سوريا في ظل الانتداب الفرنسي، بل جرى تأجيله، حتى تتوفر الشروط اللازمة لنجاحه، مع توسيع دائرته، ليشمل الوطن العربي كله. وقد مثلت حرب الخليج الثانية، في عام 1991م، إشارة استئناف العمل لتحقيقه. وكانت البداية تشغيل المختبر العراقي، الذي سيتم فيه تحويل الأفكار والمخططات إلى عمل منظم، يوصل إلى الهدف المنشود، وهو تقسيم العراق، ثم تعميم تجربة التقسيم، بعد نجاحها في العراق، على الأقطار العربية الأخرى.
ولإنجاح هذا المشروع كاملاً، لا بد أولاً من إنجاز المرحلة الأولى منه، وهي مرحلة (الفوضى الخلاقة)، التي تحدث عنها وعن غاياتها بعض كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية. والتي ستضمن نجاح المرحلة الثانية من المشروع (قيام عدة دويلات هزيلة في كل قطر عربي، في إطار الشرق الأوسط الجديد). لأن الفوضى الخلاقة ستمكّن، عبر الحرب الأهلية، من إحداث اصطفافات جهوية وعرقية وطائفية وعشائرية، يتم تحفيزها أثناء الحرب، ليتشكل، وفق هذه الاصطفافات، واقع اجتماعي جغرافي سياسي جديد على الأرض، يتطابق مع خريطة التقسيم الموضوعة سلفاً، مع بعض التعديلات غير الجوهرية، التي قد تفرضها تطورات الأحداث. وسيكون التقسيم الجديد موضع رضى من الشعب، الذي تكون الحرب الأهلية وكوارثها المتعددة الأوجه، قد أوصلت معاناته إلى الحد، الذي يقبل عنده بأي حلول وبأي تقسيم، يمكن أن يستبدل الخوف بالأمن والتشرد بالاستقرار والفقر المدقع بالكفاف من العيش.
ومرحلة الفوضى الخلاقة هذه تتضمن، كما تنبئ الأحداث الدائرة على امتداد الوطن العربي، تتضمن تدمير البنى التحية في الأقطار العربية ومقومات الحياة الطبيعية للشعب العربي وتفتيت النسيج الاجتماعي. لتتهيأ بذلك الشروط اللازمة لإحداث تقسيم كل دولة من الدول القطرية الحالية، إلى عدة دويلات هزيلة، تحكم كل منها طائفة أو جماعة عرقية أو عصبية قبلية، ولا تمتلك أي منها مقومات الدولة، القادرة على حماية استقلالها وسيادتها وثرواتها والمحافظة على أمنها وسلامة أراضيها.
وقد بدأ تركيب الوصفة الجديدة في المختبر العراقي، تحت شعار (الدولة الاتحادية)، أي تقسيم العراق الموحد إلى ثلاثة أقاليم: إقليم الجنوب الشيعي وإقليم الوسط السني وإقليم الشمال الكردي، لكل منها حكومته وبرلمانه المستقلين، ليسهل بعد ذلك تحويلها إلى ثلاث دويلات ضعيفة. ولكن الأجهزة الاستعمارية المعنية فشلت _ حتى الآن على الأقل _ في تركيب هذه الوصفة. وكان عنوان هذا الفشل، هو تعثر محاولة حكومة وبرلمان إقليم الشمال إقامة دولة مستقلة في المنطقة الشمالية من العراق، عبر التصويت الشعبي، الذي جرى في عام 2017م.
وهذا يعني أن المشروع الاستعماري (مشروع التقسيم) ليس قضاءً مبرماً لا فكاك منه، وليس تحقيقه أمراً محتوماً. فرغم التخطيط المحكم، المدروس بعناية، ورغم ما تم توفيره في كل قطر عربي من شروط لنجاحه، من أموال وإعلام وقيادات سياسية وعسكرية ووجاهات اجتماعية وكتبة ومثقفين، ودعم خارجي مستمر ومتعدد الأوجه، فإن إفشاله ممكن. وذلك لأن المخططين أغفلوا، عند رسم مخططاتهم، عنصراً مهماً وحاسماً، في المعادلات الراهنة، وهو إراة الشعب العربي. وهذا الإهمال يشكل ثغرة عميقة في مخططاتهم، ستؤدي إلى فشلها، ولن تخلف إلا ذكريات القتل والتدمير والمآسي الانسانية، التي ارتكبها دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان، من عتاة المستعمرين. فليس كل ما يريده الكبار وينخدع به بعض الصغار، يمكن أن ينجح، إذا صممت الشعوب على الدفاع عن مصالحها وحماية أوطانها وثرواتها. والأمثلة على ذلك كثيرة، من فيتنام، في الطرف الشرقي للكرة الأرضية، إلى كوبا في الطرف الغربي، مروراً بالعديد من البلدان الآسيوية والأفريقية والأمريكية الجنوبية.
ومع ذلك، ورغم فشل مشروع التقسيم في المختبر العراقي حتى الآن، تواصلت جهود القوى الاستعمارية وأجهزتها، في إقناع بعض النخب العربية، من السياسيين ووجهاء المناطق وشيوخ العشائر، ومعهم بعض الكتاب والمثقفين، بإقامة عدة حكومات وبرلمانات في القطر العربي الواحد، تحت ذريعة إضعاف السلطة المركزية المستبدة الفاسدة، والانتقال من نار حكومة المركز، إلى جنة حكومات الأقاليم وبرلماناتها المستقلة، التي ستتيح لهذه النخب فرصة ممارسة الحكم في أقاليمها والتمتع بمغرياته. ولكن هل يُنتظر من هذه النخب ذاتها، التي مارس بعضها الفساد والاستبداد في المركز، كلما أتيحت له فرصة الوصول إلى بعض مفاصل السلطة المركزية، هل يُنتظر منها أن تمتنع عن ممارستهما في أقاليمها؟.
وقد تحمس بعضنا لمشروع التقسيم هذا، بدلاً من التفكير في صيغ وطنية، تتحاشى إنشاء حكومات وبرلمانات مستقلة في الأقاليم، وتُمكّن في الوقت نفسه من محاصرة وإضعاف أدوات وآليات الفساد في المركز. صيغ وطنية تقوم على إعادة توزيع السلطات والصلاحيات الإدارية، ومنح الإدارة المحلية، المنتخبة شعبياً بجميع أعضائها، بمن فيهم رئيسها (المحافظ)، منحها سلطات وصلاحيات كاملة، في إدارة كل ما هو شأن محلي، تحت رقابة شعبية منظمة، ومنع سلطات المركز من التدخل في عمل وصلاحيات السلطة المحلية، وتثبيت كل ذلك في الدستور. فإعادة توزيع السلطات والصلاحيات، ستمكن من تحجيم فساد واستبداد المركز، دون الدخول في مغامرة إنشاء عدة حكومات وبرلمانات في البلد الواحد. وهي مغامرة تبدو نهاياتها واضحة في أفق السياسات المرسومة، الهادفة إلى التفتيت، من خلال تحويل الأقاليم إلى دويلات، استناداً إلى مبدأ (حق تقرير المصير)، الذي سوف يُفعَّل حتماً في كل إقليم، مادامت على رأسه حكومته وبرلمانه المستقلين (كما كاد أن يحدث في شمال العراق)، ولاسيما إذا كان الإقليم نفطياً، أو يتمتع بموقع جغرافي مهم، بالنسبة لمصالح القوى الخارجية. لقد كررنا القول دائماً: إننا بحاجة إلى صيغة وطنية للحكم، تصل إلى تخوم الفيدرالية (الدولة الاتحادية) ولا تلجها، لما في ولوجها من أخطار مستقبلية على وحدة الأرض والشعب.
ومع أن مشروع التفتيت هذا ما يزال مستمراً، من خلال السعي لإحداث التقسيم على الأرض أولاً، عبر الحروب والاضطرابات الداخلية (الفوضى الخلاقة)، وهو ما يحدث اليوم في الصومال والعراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان (وقد نجح جزئياً في السودان، بفصل الجنوب عن الشمال)، فإنه مشروع يمكن إسقاطه، رغم قدرته التدميرية الهائلة. وسوف يكون مصيره الفشل، بفعل عوامل عديدة، منها الرفض الشعبي له، داخل كل قطر عربي، وتراجع هيمنة القطب الأوحد على العالم اقتصادياً وسياسياً، وهو القطب الذي يتصدر قيادة هذا المشروع، وظهور قوى جديدة على المسرح العالمي، تتجه إلى فرض واقع تعدد الأقطاب وتوازن المصالح والسياسات في العالم. وهي قوى تبدو غير منخرطة، حتى الآن على الأقل، في مشاريع الفوضى الخلاقة وإعادة رسم خريطة جديدة للعالم.
ومن نافلة القول، أنه لولا انخراط بعض المكونات السياسية العربية، ربما دون وعي، في السياق العام لمشروع التقسيم الاستعماري، لاستطاع الشعب العربي أن يدفن هذا المشروع في وقت أقصر مما يتوقعه المستعمرون. فالدعاوى التي تصب، بالنتيجة، في مجرى هذا المشروع، ومنها الدعاوى الطائفية والسلالية، التي تواصل استحضار التاريخ وصراعات الماضي البعيد، استحضاراً يضر بحاضر الأمة ومستقبلها، ويخدم المشروع الاستعماري، بصورة غير مباشرة، من خلال تعميق الانقسام الاجتماعي وتنشيط الاصطفافات الطائفية والعرقية والجهوية، من شأنها أن تسرع في إنجاح مشروع التقسيم الاستعماري. ولا يجدي هنا استمرار التأكيد من قبل من يروجون لهذه الدعاوى، على عدائهم للاستعمار ولأطماعه ومقاومتهم له. لأن العبرة بالنتائج. ونتيجة ترويج أي دعاوى تؤدي إلى تعميق الانقسام الاجتماعي وشرذمة الشعب العربي إلى طوائف وسلالات وأعراق، يعادي بعضها بعضاً، لن تكون إلا إضعاف قدرة الشعب على المقاومة. وهي النتيجة ذاتها، التي تسعى القوى الاستعمارية إلى تحقيقها، كمقدمة ضرورية لإنجاح مشروع الشرق الأوسط الجديد. إن الخطاب السياسي _ الديني الجامع، الذي يتجاوز الطائفة والسلالة والمنطقة والعشيرة، ويترك التاريخ وأحداثه للدارسين والباحثين فيه، هو وحده المعبر عن إرادة المقاومة لدى الشعب العربي لمشروع التفتيت والتقسيم. وما عدا ذلك لن يخدم، بالنتيجة، إلا هذا المشروع الاستعماري.
وفي كتاب (إرث من الرماد)، المشار إليه آنفاً، استعرض مؤلفه تيم واينر تاريخ وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (السي. آي. أيه ) وآليات عملها ونشاطاتها وعملائها، الذين جندتهم على امتداد العالم، ومن مختلف الجنسيات والمراتب الوظيفية (رؤساء دول وملوك ورؤساء وزارات ووزراء وبرلمانيين وقادة عسكريين وأمنيين وزعماء سياسيين وقبليين ودينيين وكتاب وإعلاميين ونشطاء في منظمات المجتمع المدني ورجال أعمال وسماسرة ومهربين…إلخ)، كما استعرض إخفاقات الوكالة في مناطق مختلفة من العالم (في فيتنام وكوريا الشمالية وأمريكا اللاتينية والصومال والعراق والاتحاد السوفييتي …إلخ)، استعرض كل ذلك من واقع ملفات رسمية، رُفعت السرية عنها، وعلى رأسها ملفات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
وبعد قراءة هذا الكتاب، الغني بالمعلومات الموثقة، قد يمكن النظر إلى طريقة العمل المعتمدة في تنفيذ السياسات الأمريكية وطريقة تعامل الولايات المتحدة مع العالم الخارجي، قد يمكن النظر إليها من خلال عبارات ثلاث، وردت في خطابٍ لمدير وكالة المخابرات الأمريكية (بورتر جوس)، ألقاه في جامعة تيفين الأمريكية، في السادس من مايو 2006م، أمام دفعة جديدة من ضباط (السي. آي. أيه) المتخرجين. فقد تضمنت تلك العبارات نصيحة لأولئك الضباط الشباب “موجزة وتامة”، كما وصفها صاحبها: “لا تعترفوا بشيء، إنكروا كل شيء، ووجهوا اتهامات مضادة” (ص 671 _ 672).
وقد تطرق المؤلف، في سياق استعراضه الشامل للنشاطات الاستخبارية والعسكرية والسياسية الأمريكية على مستوى العالم، تطرق إلى بعض المعلومات المتعلقة بالعدوان على العراق. وقد يكون من المفيد أن نقرأ هذه المعلومات، الواردة في الصفحات التالية، التي انتزعناها من الكتاب المذكور، أن نقرأها بتمعن، لنقف على طرف من تلك النشاطات، المندرجة في سياق المؤامرة الكبرى على الوطن العربي، التي ينكر بعضنا وجودها، رغم تجلياتها الواضحة، ورغم أن الإقرار بوجودها، لا يعفينا نحن من مسؤوليتنا في ما وصلت إليه أوضاعنا من سوء وتمزق وتخلف وانهيارات متعاقبة. فمؤامرات الأعداء، وهي حقيقة واقعه لا شك فيها، لن تستطيع أن تدمرنا، إذا لم ندمر نحن أنفسنا، أو نساعدهم على تدميرنا. والمؤلم هنا، أنهم يتآمرون علينا خدمة لمصالحهم، ونحن ندمر أنفسنا، أو نساعدهم على تدميرنا، خدمة لمصالحهم أيضاً، وتفريطاً بمصالحنا.
ومن الجدير بالذكر، أن المؤلف قد اعتمد في كتابه هذا، اعتماداً كاملاً تقريباً، على المصادر الأولية (ملفات الوثائق الرسمية، التي رُفعت عنها السرية، بعد مرور الزمن المحدد لسريتها، وعلى رأسها وثائق وكالة المخابرات المركزية الأمريكية)، كما هو واضح في ثبت المصادر في نهاية الكتاب. ويميز الباحثون في مراكز البحوث وفي الجامعات، في العالم الآخر، يميزون في نظرتهم إلى مصادر بحوثهم، بين المصادر الأولية، وهي الوثائق والكتابات والبيانات والإحصاءات والتقارير…إلخ، المنبثقة من قلب الحدث، الذي يكتبون عنه، وبين المصادر الثانوية، وهي الكتابات والأبحاث المختلفة، التي كتبت فيما بعد، معتمدة على المصادر الأولية. ويمكن للباحث أن يستفيد من المصادر الثانوية، ويعتمد على ما أوردته من معلومات وآراء، ولكن هذه المصادر (الثانوية) لا تتمتع بالقيمة العلمية، التي تتمتع بها المصادر الأولية. وترتفع القيمة العلمية للبحث، بقدر اعتماده على المصادر الأولية. وتقل قيمته، بقدر اعتماده على المصادر الثانوية. وهذا التمييز بين المصادر (أولية وثانوية) يبدو أكثر دقة من التمييز الملتبس (المصادر والمراجع)، الذي يستخدمه الأساتذة والباحثون العرب.
وفي الصفحات التالية، المنتزعة من الكتاب المذكور، وضعنا في آخرها التعريف بالكاتب والكتاب. وقبله الصفحات المتعلقة بالعراق (ص 645 ـ 663 و 676 ـ 679)، واختتمنا ذلك بإيراد قائمة المصادر الأولية (ص 693 ـ 694)، التي اعتمد عليها المؤلف في كتابه.
أ. د. أحمد قايد الصايدي
- درس في مدينة عدن والقاهرة ودمشق.
- حاصل على بكلوريوس العلوم العسكرية. وليسانس الدراسات الفلسفية والاجتماعية. وماجستير ودكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر.
- عمل خبيراً في المعهد القومي للإدارة بصنعاء، ثم أستاذاً مساعداً للتاريخ الحديث والمعاصر بجامعة صنعاء، فأستاذاً مشاركاً، فأستاذاً.
- عمل نائباً للأمين العام لاتحاد المؤرخين العرب في بغداد، وعميداً علمياً لمعهد التاريخ العربي للدراسات العليا.
- عمل عضواً في مجلس أمناء مركز الدراسات والبحوث اليمني ورئيساً لبعض اللجان المتخصصة به.
- يرأس حالياً دائرة التاريخ في المجمع العلمي اللغوي اليمني.
- نشر خلال مسيرته العلمية كتباً وأبحاثاً ومقالات وترجمات، وشارك في العديد من الندوات والمؤتمرات العلمية، المحلية والعربية والدولية، وأشرف على رسائل علمية (ماجستير ودكتوراه).
- كتبه المنشورة:
- حركة المعارضة اليمنية في عهد الإمام يحي بن محمد حميد الدين.
- المادة التاريخية في كتابات نيبور عن اليمن.
- العلاقات اليمنية ـ الألمانية، من 1927م إلى 1940م، دراسة وثائقية.
- منهج البحث التاريخي.
- الاحتمالات والبدائل.
- اليمن في كتابات الرحالة الأجانب، إدوارد جلازر.
- رحلة الملك الصيني مو وانج إلى بلاد الملكة الأم، ملكة سبأ.
- من القرية إلى عدن، جسر بين عصرين.
- اليمن في عيون الرحالة الأجانب.
- الرهان الثالث.
- اليمن عشيَّة الثَّورة.
- من هموم التعليم والتنوير والبحث العلمي.