السودان ومحاولات النجاة
أ.كمال أشواك
منذ أن نال السودان إستقلاله، لم تفلح الطليعة السياسية السودانية من ساسة ومفكرين في إنتاج مشروع وطني يستوعب كل الفسيفساء السودانية ذات التنوع الثر. كل الذين تعاقبوا على حكم السودان كان تفكيرهم مركزي وسلطوي محض. لذلك إختزلوا الدولة في الخرطوم وبعض الأقاليم المتاخمة للعاصمة. ظل الوضع على نفس الحال حتى جاءت ثورة ديسمبر الظافرة، مهرها شباب وشابات السودان بالدماء. هذه المرة كانت الثورة مختلفة ومدهشة كونها لم تنطلق من الخرطوم كما هو معتاد تاريخيا. هذه المرة كانت بدايتها من الأقاليم والتخوم البعيدة (الدمازين_ كسلا_الفاشر_عطبرة_بورتسودان….) وغيرها من المدن البعيدة عن المركز. هذه كانت بداية مغايرة ومفاجئة حتى لنظام الجبهة الإسلامية وأجهزته الأمنية. في المقابل لم تكن مشكلة الثورة في ذهاب البشير وحكومته، لكن كانت المشكلة في مدى جاهزية قوى المعارضة تجاه قضية التحول المدني مع تسارع الأحداث وضح جليا أن المعارضة كانت مستعدة لإسقاط النظام لكنها لم تكن تملك رؤية سياسية وأضحة ومتماسكة لما بعد السقوط وقضية التحول المدني، حتى الوثيقة الدستورية لم يكن منطقيا أن تعد من قبل شخصيات بعينها دون مراعاة للقوى المعارضة التي كانت في الخارج.
كان الأصوب إنعقاد ورشة جامعة بعد الثورة ومن ثم صياغة مشروع سياسي متعلق بالفترة الإنتقالية فقط، وهذا ما وضح جليا في الأزمة الاخيرة بعد الإنقلاب الأخير للجنرال (البرهان) الذي جعل السودان يعيش وضعا مأزقيا خطيرا غير مسبوق على كافة الصعد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا. للأسف ما تبقى من البلاد قابل للغرق والتقسيم والفوضى المفتوحة الله وحده يعلم أين يصل مداها، عليه يجب على القوى السياسية تحمل دورها الوطني بشكل شجاع والتوافق على ميثاق سياسي يصل بنا جميعا إلى مرحلة الإنتخابات بدلا من حالة التدهور المتسارع نحو الهاوية التي تعيشها البلاد الآن.
كل القوى الوطنية يجب ان تفهم إن الامر لم يعد متعلق بصراع سلطوي بائس. البلاد في مرحلة قابلة للتشظي وهو مأزق السودان الحقيقي اليوم، إنزلاق متوقع نحو سيناريو الفوضى وأطماع الخارج ودونكم مبادرة المبعوث الامريكي (فولكر) وكأنهم يريدون إعادة إنتاج سيناريو العراق عبر حاكم اجنبي ربما يفرض بالقوة في حال وصلنا إلي مرحلة الفوضى في محاولة منهم لفصل السودان عن محيطه العربي والأفريقي.
في تقديري إن كانت هناك مبادرات يجب أن تأتي من هذا المحيط، وعلى كل القوى المدنية المتشاكسة أن تفهم جيدا أن حجم الخلافات بينها قابل للحل. فقط يجب عليهم فصل العسكر عن صراعهم بشكل حصيف عبر الإنفتاح تجاه بعضهم البعض، ومن ثم عليهم فتح حوار جديد مع المؤسسة العسكرية عبر شخصيات عسكرية متوافق عليها ومقبولة لدى الجميع. بطبيعة الحال ليس من بينها (البرهان) ونائبه (حميدتي). هذا الحوار الجديد يستند على التقدير المتبادل وتحديد المهام بشكل دقيق. أيضا من المهم جدا تنفيذ إتفاقية جوبا والحرص على تنفيذها كما هو منصوص عليها مع السعي لإنتاج حلول سياسية سريعة لحالة الخلاف في شرق البلاد القابلة للإنغجار مجددا.
هذا السودان يجب أن يحكم عبر مشروع يراعي تنوعه وعاداته وتقاليده مع نطرة مهمة للمزاج العام في كل مناطقه..
مهندس وناشط عربي