عقدين من الزمان لمعركة مخيم جنين: الذاكرة حاضرة بالدم
عقدين من الزمان لمعركة مخيم جنين
الذاكرة حاضرة بالدم
تقرير : نسيم قبها
شنّ الجيش الإسرائيلي هجوما واسعا غير مسبوق على مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين، شمالي الضفة الغربية قبل عشرين عاما لم تنتهي حتى اليوم.
كانت أيام متتالية وصعبة عاشها المخيم العام 2002 ، وأسفر عن عشرات الضحايا، وخلف دمارا هائلا في البيوت والبنية التحتية ، ما زالت آثارها ماثلة للعيان حتى اليوم.
لقد جاء الهجوم الصهيوني على المخيم، خلال اجتياح إسرائيل للأراضي التي كانت خاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، وفق اتفاق أوسلو، في عملية أطلقت عليها إسرائيل ( شارون) “السور الواقي” عام 2000، إبان انتفاضة الأقصى.
وانطلقت شرارة الانتفاضة بعد اقتحام أرئيل شارون، زعيم حزب الليكود الإسرائيلي، المعارض في حينه المسجد الأقصى يوم 28 سبتمبر/ أيلول 2000.
وصنفت اتفاقية “أوسلو 2” (1995) أراضي الضفة إلى 3 مناطق: “أ” تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و”ب” تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، و”ج” تخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية وتشكل الأخيرة نحو 60 بالمئة من مساحة الضفة.
واستمر اجتياح الجيش الإسرائيلي للمخيم من 3 حتى 18 أبريل/ نيسان 2002، بمشاركة مروحيات وعشرات الدبابات والجرافات، وفق تقرير أممي.
52 شهيدا و 23 قتيلا صهيونيا
وبحسب تقرير للأمم المتحدة، قتل الجيش الصهيوني في الهجوم ما لا يقل عن 52 فلسطينيا، نصفهم تقريبا من المدنيين، في حين قُتل 23 جنديا صهيونيا .
وبناء على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 7 مايو/ أيار 2002، أعد الأمين العام للأمم المتحدة في حينه كوفي عنان، مطلع أغسطس/ آب من نفس العام تقريرا عن تلك الأحداث.
يقول التقرير إن القتال تميـّز بمرحلتين مستقلتين: الأولى كانت بين 3 و9 أبريل، في حين استغرقت المرحلة الثانية يومي 10 و11 من الشهر نفسه.
وأضاف أن معظم الوفيات حدثت على كلا الجانبين في المرحلة الأولى، في حين أن معظم الأضرار المادية حدثت في المرحلة الثانية.
مسح المباني بالأرض
وعن الخسائر المادية أفاد التقرير، بتدمير مباني الأمن والهياكل الأساسية للسلطة الفلسطينية في مدينة جنين.
ووفق التقرير جرى تدمير 10 في المئة من المخيم تدميراً كاملاً، ودُكّت مباني وسط مخيم اللاجئين وسويت بالأرض.
وبلغ قُطر المنطقة المستهدفة حوالي 200 متر، ومساحتها السطحية 30 ألف متر مربع، كانت تضم حوالي 100 مبنى دمرت تدميراً كاملاً.
وأضاف أن نحو 100 مبنى تضرر جزئيا، وأن 800 أسرة يقدر عدد أفرادها بأكثر من 4 آلاف شخص، فقدت المأوى.
ونقل التقرير عن السلطة الفلسطينية أن القوات الإسرائيلية “قامت أثناء إدارة عملياتها في مخيم اللاجئين بارتكاب أعمال قتل غير مشروعة، واستخدام دروع بشرية، واستعمال القوة بصورة غير متناسبة، وبعمليات اعتقال وتعذيب تعسفية، ومنع العلاج والمساعدة الطبية”.
وفي سرده لرواية الجيش الإسرائيلي، قال التقرير إن “القوات الإسرائيلية قامت أولا بتطويق مدينة جنين، وفرضت سيطرتها على مداخل المدينة، ومخارجها”.
دبابات وطائرات وجرافات
ووفق التقرير شاركت 60 دبابة في الأيام الأولى، إضافة إلى المروحيات، في حين استُخدمت الجرافات المدرعة لتدمير المنازل والهياكل الأخرى لكي توسع الممرات داخل المخيم.
وبشأن عدد المدنيين الذين بقوا في المخيم طوال الفترة، قدرهم بنحو 4 آلاف شخص.
ووفق رواية الجيش الإسرائيلي للتقرير، فإن جنوده واجهوا “أكثر من ألف عبوة متفجرة (…) مئات من القنابل اليدوية، مئات من الرجال المسلحين”.
يقول التقرير أيضا إن الجيش الصهيوني “واجه مقاومة فلسطينية عنيفة” وأن أعنف القتال وقع بين 5 إلى 9 نيسان ، ما أسفر عن أكبر خسائر في الأرواح على كلا الجانبين.
يشير التقرير إلى أن “طابع العملية العسكرية في مخيم جنين للاجئين تغير فعلا بعد 9 نيسان 2002، ففي ذلك اليوم قُتل 13 جنديا صهيونيا وجُرح عدد آخر فيما تصفه السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية على السواء بأنه “كمين خطط له جيدا”.
و”قتل الجندي الصهيوني الرابع عشر في مكان آخر من المخيم في ذلك اليوم، ما أوصل خسائر القوات الإسرائيلية في الأرواح خلال العملية في جنين إلى 23 شخصا”، وفق التقرير.
نساء وأطفال موعى ، ومسنّون بين الركام
وينقل التقرير عن منظمة الأطباء المناصرين لحقوق الإنسان أن “الأطفال دون سن 15 سنة والنساء والرجال فوق 50 سنة كانوا يشكلون نحو 38 بالمئة من جميع حالات الوفاة المبلّغ عنها”.
ويقول التقرير إن الجيش الصهيوني منع سيارات الإسعاف وأفراد الأطقم الطبية من الوصول إلى الجرحى داخل المخيم.
ومن أوجه المعاناة الإنسانية في المخيم والتي ذكرها التقرير الأممي أن 28 مريضا بالكلى في جنين عجزوا عن الوصول إلى المستشفى لإجراء الغسيل الكلوي.
وفي حينه، انتقدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” التقرير ووصفته بالمعيب “بصورة خطيرة”.
وقالت إن التقرير أُعدَّ بموجب قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد أن اضطر أمينها العام لحل فريقٍ أممي لتقصي الحقائق، بسبب الاعتراضات الإسرائيلية.
وأشارت إلى أن التقرير “يقتصر إلى حد بعيد على عرض روايات متضاربة عن الأحداث التي وقعت إبان العمليات العسكرية الإسرائيلية”.
إعدامات ميدانية وجثث متفحمة
من جهته، أشار تقرير أصدره المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان (غير حكومي) في حينه ورصد أيام الاجتياح، إلى “جثث متفحمة، وأخرى متعفنة تحت الأنقاض” التقطتها عدسات صحافيين تمكنوا من دخول المخيم خلال حصاره.
وأضاف أن “قوات الاحتلال قامت باقتراف جرائم إعدام ميداني للعديد من المدنيين الذين رفضوا مغادرة منازلهم، وللمسلحين الفلسطينيين الذين أعلنوا استسلامهم بعد نفاد ذخيرتهم”.
ونقل المركز تصريحات لمنظمة الصليب الأحمر الدولي مفادها أن “الوضع داخل المخيم يشبه الزلزال”.
المخيم إلى الواجهة من جديد
بعد فرار 6 أسرى من سجن جلبوع الإسرائيلي، في سبتمبر 2021، عاد مخيم جنين إلى الواجهة من جديد، بانتشار عشرات المسلحين وإعلانهم الاستعداد للمواجهة حماية للأسرى الفارين.
وشكّلت الفصائل الفلسطينية ما سمته “غرفة العمليات المشتركة” في المخيم، وتضم للمرة الأولى منذ سنوات، الأجنحة العسكرية المحسوبة على حركات: التحرير الوطني “فتح”، والمقاومة الإسلامية “حماس”، و”الجهاد الإسلامي”.
لكن بعد أسابيع أعيد اعتقال الأسرى الفارين، ثم بدأت حملة تصفيات لمسلحين من المخيم، وقتلت 7 فلسطينيين من سكان المخيم منذ إعادة اعتقال الأسرى الفارين وحتى 5 أبريل 2022، وفق توثيق مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (حكومي).
ومخيم جنين، واحد من 19 مخيما للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية، تديره وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”.
وتأسس المخيم عام 1953 ضمن حدود بلدية جنين، وينحدر أغلب سكانه من منطقة الكرمل في حيفا وجبال الكرمل، داخل فلسطين المحتلة، والتي هجر سكانها خلال ما يسميها الفلسطينيون “النكبة” عام 1948.