عبادان بشرى للنصر
عبادان بشرى للنصر
أ. محمد الأحوازي
في شهر اغسطس من العام ١٩٧٨ حدث حريق مفتعل في سينما ريكس في مدينة عبادان. والتهمت النيران حينها مئات الاجساد التي تفحمت نتيجة قفل ابواب السينما ومنع الناس من كسرها وتخليص المحتجزين قبل فوات الاوان! لكن تم ما اراد المجرمون حينها ومات المئات من الابرياء. و بعد تلك الحادثة انتفضت مدينة عبادان التي كانت تتهم بأنها مدينة غير مبالية بالثورة، و ادت لسقوط نظام الشاه بعدها بخمس شهور. و عبادان حينها كانت اهم مدينة في عموم ما يعرف بجغرافية إيران. فهي تحتوي على اكبر مصفاة للنفط في الشرق الاوسط ومنها تمتد انابيب التصدير لجزيرة خرج التي منها يتم تصدير نفط مدن الاحواز.
وجاء نظام الملالي الذي جعل كل الشعوب في جغرافية إيران تعاني اشد المعاناة من الفقر والعوز خلال فترة حكمهم القذر الذي امتد لاكثر من ٤٣ عاماً. ومع مرور السنين يتفنن الملالي و اذنابهم بايقاع اشد الاذى بالشعوب فهم يتبعون نصيحة ناصر الدين القاجاري التركي الاصل الذي حكم في القرن التاسع عشر لثمان واربعين سنة قبل ان يتم اغتياله، والذي نصح بمن يريد حكم إيران ان يُجوع الشعب!
والملالي اغلبهم ان لم يكن كلهم جاءوا من ادنى طبقات المجتمعات المسحوقه. فلقد كانوا معروفين بانهم شحاذين متسولين ذوي اصرار شديد على ذلة انفسهم لاجل الحصول على اي مال مهما كان زهيداً. ومشهورين برائحتهم النتنه لعدم اهتمامهم بالنظافة الشخصية و لارتدائهم اسمال الملابس لجذب عطف الناس! فهؤلاء هم الحكام حالياً!
وفي ٢٠ مايو ٢٠٢٢ تجدد حادث مشابه لما حدث قبل ٤٤ عاماً في عبادان ولكن هذه المره جاء نتيجة الغش في البناء لمقاول فارسي اصبح خلال سنوات قليلة ثري فاحش الثراء في مدينة اصبحت تئن نتيجة الاهمال وتردي البنية التحتية لها بعد ان كانت مدينة مزدهرة. فلقد انهارت اجزاء كبيرة من مبنى مكون من ١٠ ادوار ادارية وفقد تحت الانقاض العشرات من الجثث التي اهملت من اجراءات حكومية مفترض لها ان تكون سريعة وفعالة. فما كان من ابناء المدينة الا التطوع بامكانياتهم المتواضعة لاخراج الاحياء قبل ان يموتوا. لكن بعد ثلاث ايام طردت الحكومة المهملة الناس وحتى من جاء بكلابه التي ادت اعمال على درجة عالية من الكفاءة لانقاذ الارواح و حتى اخراج الجثث. وهنا انفجر الشارع في وجه الحكومة المجرمة التي بادرت منذ بداية الحادثة بارسال قوات منع الشغب لمنع الناس من حق التظاهر السلمي المندد بالحكومة ومسئوليها المرتشين الذين كانوا على دراية بالمشكلة قبل حدوثها. بل ان مهندساً نشر قبل عام محذراً من هذا المبنى واخطاء البناء القاتلة فيه من خلال شبكات التواصل الاجتماعي!
يوماً بعد يوماً تزداد ضراوة المظاهرات لاسيما انها جاءت متزامنه مع موجة غلاء غير مسبوقة وندرة المعروض من مواد غذائية اساسية كالزيوت صاحبها بعض المظاهرات في عموم البلاد. وما زاد الطين بلة ظهور المسئولين الكبار بالدولة كالمعتاد والذين يهاجمون المدنيين البسطاء ويتهمونهم بانهم خونة وعملاء وغيرها من اتهامات واهية اعتاد عليها ملالي النظام المجرم على ترديدها لتسقيط المظاهرات الشعبية وتسفيهها رغم جدية المطالب وسوء الاحوال المعيشية المنكوبة من تراكم ازمات غير مسبوقة مثل البطالة الواسعة جداً في ارجاء البلاد و انهيار قيمة العملة الايرانية بنزول مستمر فاقم الاوضاع المعيشية و اجج المشاعر السلبية نتيجة انهيار اجتماعي غير مسبوق بظهور ازمات اجتماعية لم تعتدها الشعوب من ذي قبل من قبيل ارتفاع قياسي باعداد العنوسة للجنسين وانتشار الشذوذ والعلاقات المحرمة تحت غطاء زواج المتعة اولاً ثم ظهور الزواج الابيض وهو علاقة غير شرعية وبلا حقوق وبلا توثيق!
في المقابل ازدادت فضائح النظام واذنابه منذ اعوام طويلة مع خبو نار الاثارة الدينية والمذهبية ابان الحرب العراقية الإيرانية ( ١٩٨٠ – ١٩٨٨) والتي استفاق الناس منها ليجدوا انفسهم بانهم دفعوا اثمان باهظة من دماء ابنائهم واهلهم بسبب تعنت الخميني المقبور الذي رفض كل دعوات انهاء الحرب بعنادة البغال لكنه اذعن وشرب السم الزعاف بعد ان نكل به الجيش العراقي بانتصارات كادت ان تفتك بكامل جيشه و حرسه الثوري وقطعان البسيج! لكن انكشف للشعوب ظهور طبقة من ملالي السحت الذين احتكروا كل الثروات مع عصاباتهم في ما يسمى إيران الا فتات الموائد الذي تركوه لعموم الشعوب لبرهةً من الزمن. لكن ومع ازدياد شراهة الملالي واذنابهم، اصبحوا يذيقون الشعوب سوء العذاب باحتكار كل شيء بالبلاد و التلاعب بالاسعار و زيادتها كل فترة واخفاء البضائع وتكديسها في مخازنهم بلا اسباب مقنعة عدا شماعة العقوبات الدولية التي لا يذوقها الا الشعوب المقهورة الذين خارج دائرة ازلام النظام.
وما زاد الاوضاع سوءاً اطلاع الشعوب المقهورة من فرس وعرب و اتراك واكراد وبلوش وغيرهم على مكائد النظام وحيله وحتى تصفياته للحسابات بين اطراف العصابة الحاكمة انفسهم. فكم من اقطاب النظام وكبار مسئوليه قتلوا بداية من طالقاني و مطهري ثم بهشتي ومعه اكثر من ٧٠ مسئولاً إلى رفسنجاني وكم مسئول عسكري كبير فجرت بيهم الطائرات مثل حادثة مطار كهريزك سنة ١٩٨١ و الذي ذهب ضحيتها رئيس الاركان فلاحي و قائد الطيران فكوري و وزير الدفاع ومؤسس الحرس الثوري وغيرهم ضمن ١٠٠ شخص على متن الطائرة إلى سنة ٢٠٠٦ وتحطم طائرة الجنرال احمد كاظمي بعد ان بدأ يفتح لها ملفات فسادهم.
ومن هنا فمدينة عبادان اليوم نكئت كل الجروح وقد تكون القشة التي قصمت ظهر البعير. فهذا النظام الدموي المجرم ضحى بدماء الملايين و مستقبل الشباب وشردهم لمختلف بقاع المعمورة و وأد اي مستقبل زاهر لغالبية الشعوب شبة المنهارة. جاءت لحظة الحساب التي قد تؤدي لاقتلاع النظام من جذورة بثورة اليأس العارمة لجياع ومساكين ليس لديهم ما يفقدوه. ولن تنفع النظام وملاليه و جلاديه اي كذب او فتن او زبانيه مدججين بالسلاح فلقد بلغ السيل الزبى. فلله درك يا عبادان كنتِ ولا زلتي برميل البارود الذي يقضي على الطغاة. ومن مفارقات الصدف ان خامنئي المجرم رأس نظام الاجرام في إيران حالياً هو نفسه من كان وراء عملية حرق سينما ريكس بعبادان قبل ٤٤ عاماً!
كاتب من الأحواز