الشعر و علم النفس.. اية علاقة
الشعر و علم النفس.. اية علاقة
أ. تورية لغريب
يعتبر الشعر مجالا من مجالات الأدب، إنه كلام موزون مقفى له معنى ودلالة يتخذ صفة الجمالية، من حيث الاستعارات والتشبيهات والمجاز…إلى غير ذلك من المحسنات اللفظية التي تميزه عن السرد المتداول وتتعدد مواضيعه مابين مدح ورثاء …إلخ وقد اشتُقَّت كلمة شعر من كلمة مشاعر التي تعتبر المحرك الرئيسي للكتابة الشعرية، وهو ما يصل صداه للقارىء المتلقي فيكون له وقع على الذوق من خلال موسيقاه وكذا المعاني المضمرة داخل القصيدة وفي الشعر أنواع كثيرة من حيث الشكل : الشعر العمودي وهو البناء العربي التقليدي الذي هو أصل الشعر العربي ثم الشعر المنثور وهو أقرب لنثر فني يحمل مادته الشعرية…إلى غيره من الأنواع التي لا يتسع المجال هنا لإدراجها ضمن أصناف الشعر العربي كما أن أنواع الشعر تتعدد من حيث الموضوع مابين الشعر الغنائي ، الشعر الملحمي، الشعر المسرحي والقصصي… إلخ
هل يمكن القول أن الشعر علم من العلوم أم أنه مقابل لها ؟ على اعتبار أن العلمية تقتضي الخضوع للمناهج التجريبية الحديثة، ولها مرتكزاتها التي تعطيها هذه الصفةفي حين أن الشعر مقترن لدينا بعنصري الخيال والعاطفة وبعيد عن الواقع ؟
إن هذا التساؤل كبير، والخوض فيه يحتم علينا العودة للبدايات الفلسفية، باعتبارها النواة الأولى للعلوم التجريبية التي ستتفتق من عصر الفلسفة اليونانية كعلم النفس( الذي أصبح علما قائما بذاته مع بداية القرن 19 على يد العالم الألماني ويليام فونت حيث أنشأ أول مختبر عام 1879 ) وبالعودة لعلاقة الشعر بالفلسفة أولا فإن أفلاطون، ومن سبقوه من فلاسفة اليونان، قد تناولوا الشعر والفلسفة من زاويتين متناقضتين، فخطاب الفيلسوف وخطاب الشاعر يتعارضان تماما من حيث المنطلق، لأن الفلسفة فعل عقلاني محض، إنه ممارسة الدهشة عن طريق طرح السؤال حول كل شيء أما الشعر فقد ناهضه أفلاطون واصفا إياه بأنه ليس إلا ترياق يغذي ويروي العاطفة، ليأتي من بعده الفيلسوف أريسطو الذي خالف معلمه في هذا التصنيف وهو مؤلف لكتاب ” فن الشعر ” وكتاب ” علم النيازك ” وغيرها من المؤلفات…أريسطو الذي رأى في علاقة العلم بالشعر توافقا وانسجاما، باعتبار أن كليهما يحقق راحة الروح وسكينتها، وبالتالي فإن الشعر يسهم في الوصول إلى الحقيقة، معتبرا إياه شكلا من أشكال المعرفة..
نتفق مبدئيا على أن الشعر يخاطب اهتمامات الإنسان وقضاياه الشائكة وجدانيا، أما العلم فيخاطب عقله بحثا عن حلول تضمن استقراره، والحفاظ على سلامته من شتى النواحي : العقلية والنفسية والتي تسهل له التعايش في المجتمع بكل ما يحمله من تجاذبات وصراعات اقتصادية، سياسية….إلخ
من هنا تبرز أهمية وتداخل علم النفس مع الشعر، كما هو الحال مع باقي الأصناف الأدبية والإبداعية الأخرى
إنها علاقة متداخلة ومعقدة، ومع ذلك يمكن التصريح بأن الشعر كما علم النفس يجعلنا أكثر قدرة على فهم الذات والآخر فتوظيف نظريات علم النفس في الشعر كفيل بتحقيق التوازن النفسي عبر إدراك السلوك الإنساني مما يؤثر إيجابيا على الإبداع.
يجب أن نجزم أن الشاعر ينظم قصائده تبعا لحالته النفسية، مما يعني أنها المنبع الأساسي والمحرك له إلى جانب اللغة، كرمز وكوسيلة للتعبير عن الذات الشاعرة، فحسب الحالة النفسية التي يمر بها الشاعر، تكون لديه القدرة على نقل مكنوناته وصراعه إلى مشاهد توضح تصوره و مواقفه بطريقة مشخصنة في نص القصيدة وكما يقول عالم التحليل النفسي كوستاف يونج في كتابه ” يونج المحمول ” مؤكدا أن تدفق الإبداع ينشأ من اللاوعي .
مع أنه ليس شرطا أن يكون عالم النفس شاعرا إلا أن الشاعر مطالب بأن يكون لديه اطلاع على الأقل بأبجديات علم النفس، لأنه يحتاج إلى الذكاء الإبداعي لينقل انفعالاته المكبوتة إلى شعر جميل يحقق اكتفاء الشاعر نفسيا في المقام الأول ويرقى بفكر القارىء وحسه، فمن يحمل روحه في عقله يكون أقرب للشعر والشاعرية كما يقول رومانش.
كاتبة من المغرب