المثقف العربي بين شقاء الوعي و مطالب الجماهير
المثقف العربي بين شقاء الوعي ومطالب الجماهير
مهندس كمال أشواك
من المهم جداً وكمدخل لهذا المقال تعريف مفهوم الثقافة:إنَّ كلمة الثَّقافة تحمل عددًا من المعاني من حيث الجذر اللغوي؛فتشمل معنى :
الحذق و الذَّكاء والفطنة،والضَّبط والسُّرعة في التَّعلم،و الظَّفر بالشَّيء والغلبة عليه،والإصلاح والتسوية.وتعني كلمة ثقافة،كل ما يضيء العقل،ويهذب الذوق، وينمي موهبة النقد، وباشتقاق كلمة ثقافة من الثقُّف يكون معناها الاطلاع الواسع في مختلف فروع المعرفة، والشخص ذو الاطلاع الواسع يُعرَف على أنّه (شخص مثقّف) وتعريف الثقافة اصطلاحا:بحسب تايلور:هي تلك الوحدة الكلية المعقدة التي تشمل المعرفة والإيمان والفن والأخلاق والقانون والعادات،بالإضافة الي أي قدرات وعادات أخرى يكتسبها الإنسان بصفته عضواً في مجتمع،ثم يقوم المصلحون والمثقفون؛ ويجعلونها في قوالب ونماذج ومسارات تخدم وتحقق تطلعات المجتمع بمختلف إتجاهاته والغاية هي تحريره من الجهل حتى يحظى بحياة أفضل تليق به وبحقوقه الإنسانية.وهنا يكون المثقف قد تحول من خانة المثقف الكسول إلى مثقف حركي لا يتعامل مع المجتمع كمثقف منتج للمعارف فقط بل كفرد فاعل ومشتبك مع قضايا المجتمع بمختلف مستوياته.بمعنى آخر يكون “المثقف العضوي” بتعبير غراميشي:و هو حسب قول دكتور علي المرهج (الشخص الذي يستطيع أن يُدرك بمهارة تنم عن وعي ثقافي مائز تُعبر عن جماعته التي ينتمي إليها،وفق تفسير واقعي أخاذ،نافذ،
ومقبول لحاجيات وتصورات طبقته التي ينتمي إليها وهذا هو المثقف الذي يعول عليه لا المثقف العاجي والحالم.لذلك على هذا المثقف عبئ ثقيل ومجاهدة ومدافعة مستمرة،في ثلاث جبهات او ثغرات :
1 / الهوية الجامعة
2 / التوعية الشاملة
3 / الحقوق والمصالح العامة..حتى ينتج للمجتمع معرفة حقة ووعيا بصيرأً بهويته وحقوقه ومصالحه.لينال حظا من لقبه ” المثقف” الذي يجمع معاني المعرفة والحذق والإصلاح والتمكن والتغلب.إن المجتمعات العربية على وجه التحديد تحتاج إلى خطاب ثقافي مباشر واضح المعالم وغير مستلب؛ ولا مهزوز وفي ذات الوقت مواكب لحركة العالم الثقافية والسياسية والإقتصادية والعلمية.لكن ما نلحظه ونتيجة لغياب هذا الخطاب تولدت فجوة كبيرة بين المثقف العربي والمجتمعات العربية وهي متعلقة بحالة الإرسال والتلقي بين المثقف والجماهير العربية.ولعل من بين مسببات هذه الفجوة سببان أساسيان:
الأول:
وهو متعلق بحالة المثقف من حيث تفاعله مع المجتمع فهو ظل يعيش حالة من العزلة وهو المتسبب فيها كونه يتعاطى مع المجتمع من منظوره ومخزونه المعرفي العالي.حيث يغلب على أحاديثه المصطلحات الثقافية المعقدة وهذه تجعل خطابه ضعيفاً من حيث التأثير وحجم التغيير.ونتيجة لهذا النمط من الخطاب يصبح خطابه أقل احتكاكاً وتأثيراً في هذا المجتمع أيضاً من المهم الإشارة إلى:أن كثيراً من الأنظمة العربية إستغلت هذه الوضعية غير السليمة للمثقف لصالحها وهي حالة فقدان المجتمع ثقته في هذا المثقف العاجي الذي لا يفهمون لغته ومصطلحاته..
السبب الاخر:
وهو متعلق بمجتمعاتنا العربية فإن غالبها ظل في حالة سيولة ثقافية متعلقة بمسألة الهوية حيث سيطر على كثير منها حالة قلق الخيار نتيجة للصراعات الداخلية في كثير من الدول العربية التي تعاني من صراعات نفسية،واجتماعية،وبالتالي هذه المجتمعات تحتاج إلى مثقفين يقينين لكن للأسف كثير من المثقفين العرب-وأعتذر عن قسوة التعبير.يعيشون حالة من الشكوك والضعف المعرفي والقلق الهوياتي،وهو ما أنتج لنا هذه المجتمعات بشكلها الحالي الذي لا يسر ولا يبشر بواقع جديد مستقبلاً.عليه يظل هذا المجتمع فاقدا للرؤية السياسية والثقافية لأن الفرد العربي أصبح يرى أن مصالحه المباشرة هي محور المجتمع ببنما مصالح هذا الفرد تتعارض مع فرد اخر من ذات المجتمع لتأتي المحصلة صفراً كبيراً.وكل هذا لأن الحالة النفسية للمواطن العربي فاقدة لحالة اليقين والإستقرار المعرفي وهنا تتدخل السلطة لتمد هذا المجتمع بمثقفين مزيفين،وكل هذا في سبيل الحفاظ على السلطة ومصالح الأحزاب السياسية والشخصيات البارزة.كل ذلك دون أن يفكروا أن هذه المؤسسات تم انشاؤها لحماية هذا المواطن العربي وحماية مصالحة السياسية والإقنصادية والحفاظ على هويته الأصيلة والراسخة من الإنمحاق، والذوبان في هويات وافدة.ولتدارك هذا الموقف الذي ظل ثابتاً وعالقاً بين المثقف العربي والممتلقي العربي علينا،إيجاد حالة من التقارب المعرفي يكون فبها المثقف حراً وصادقاً بعيداً عن يد السلطة.ثم مخاطبة هذه المجتمعات بلغة تناسب المنسوب المعرفي في بلداننا العربية.وعلي المجتمعات أن تدفع في هذا الإنجاه برتق المسافة بين المرسل وهو المثقف.والمتلقي وهي الجماهير بمزيد من الثقة وفتح نوافذ جديدة في المستقبل..