القمة العربية و ذيول القضية.. فلسطين في المشهد
القمة العربية وذيول القضية
فلسطين في المشهد
أ. نسيم قبها
انطلقت بالجزائر مساء الثلاثاء الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، أعمال القمة العربية الـ31، بعد انقطاع دام ثلاث سنوات ، تحت شعار “لمِّ الشمل”، برئاسة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. وحضر القمة ثلثا القادة والزعماء العرب والأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، بمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والرئيس السنغالي، الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، ماكي سال، وإلهام علييف رئيس جمهورية أذربيجان، رئيس حركة عدم الانحياز، كضيوف في القمة.
ومن أجل الوقوف على أجندة القمة لا بد أن نعرف أولًا وقبل كل شيء أن هذه القمة مرتبطة بصورة أساسية بالظروف الإقليمية المحيطة، ولا سيما ما يجري على الساحة الفلسطينية، والصراع على السلطة في إسرائيل على وجه الخصوص؛ لما لنتائجه من تداعيات على الأفق السياسي المتعلق بالملفات الإقليمية.
ذلك أن ذيول “القضية” وتداعياتها تُعتبر محور استراتيجية الأمن القومي الأميركي المتمثل بأمن الطاقة والأمن الإسرائيلي وأيديولوجية سكان الشرق الأوسط، والتي تشكل تحديًا حضاريًا وقيميًّا للغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة.
لا شك أن ثمة قضايا محل اهتمام في القمة من ضمنها المسألة الليبية والمسألة السورية، إلا أنها ليست بقدر الاهتمام بالشأن الفلسطيني والحل الإقليمي، الذي يتطلب ضبطه على إيقاع الأوضاع الداخلية الإسرائيلية، وجنوح المجتمع الإسرائيلي إلى أقصى درجات التطرف المعيق للمسار السياسي بنسخته الهجينة، التي تحاول الجمع بين التحالف والتطبيع المتدرج، مع دفع الحكومة الإسرائيلية للتقدم بخطوات نحو كيان فلسطيني، ولو بصورة شكلية تحت اسم دولة. وهو الأمر الذي لا يزال معسكر نتنياهو يقف عائقًا أمامه تماهيًا مع الرأي العام الداخلي المتشدد، مع الاحتفاظ بمكتسبات التحالف والتطبيع دون التقدم خطوة جادة لصالح الحلول الأميركية الشكلية.
فمع ظهور أولى نتائج الانتخابات الإسرائيلية لصالح معسكر الليكود فجر الأربعاء 2 تشرين الثاني/نوفمبر سارع نتنياهو للتصريح أن “الشعب يريد الأمن … ويريد دولة يهودية”. وهو ما يعني استمرار تنكره لمسار “حل الدولتين” وتأكيده على الدولة القومية الدينية وسيادتها على أراضي الضفة الغربية ورفض عودة الفلسطينيين، وتهويد القدس، وتوسيع المستوطنات، والدفع نحو ما يسمى بـ”الخيار الأردني”. وهو الأمر الذي له انعكاس على استقرار الأردن والمنطقة ويهدد المشروع الاستعماري الغربي برمته.
فمن الملاحظ أن مجرى الأحداث منذ أكثر من شهر، وفي أعقاب فشل حكومة بينيت وليبيد أمنيًّا، يشير إلى مخاوف من عودة معسكر الليكود إلى الحكم؛ ولذلك وفد إلى إسرائيل عددٌ من السيناتورات وعلى رأسهم بوب مينينديز رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، خلال رحلة إلى إسرائيل قبل نحو شهر، وحذّر بنيامين نتنياهو، أنه إذا شكل حكومة بعد انتخابات الأول من تشرين ثاني/نوفمبر تضم متطرفين يمينيين فقد يضر العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، كما أخبر نتنياهو، أنه بحاجة إلى إدراك أن تشكيل مثل هذا التحالف يمكن أن يقوض بشكل خطير الدعم من كلا الحزبين في واشنطن، كما جاء نفس التحذير والضغط الأميركييْن على لسان عبدالله بن زايد أثناء زيارته لإسرائيل مؤخرًا، حيث أخبر نتنياهو أنه قلق من احتمال ضم متطرفين يمينيين إلى حكومة جديدة في حال فوزه بالانتخابات المقبلة.
وفي خضم النزاع على السلطة بين التيارات الصهيونية، اندلعت العمليات الاستشهادية والتوترات الأمنية في القدس والخليل ونابلس ومناطق الضفة الغربية، وهو ما يشكل شوكة في حلق اليمين المتطرف في المرحلة القادمة، رغم استغلال ليبيد لتلك الأحداث، وتغوّل المتطرفين اليهود في القدس والخليل على السكان والمقدسات واستغلاله للعمليات المتواصلة من المقاومين الفلسطينيين وقمعها؛ لتأكيد قبضته الأمنية واستثمارها في الانتخابات ولكن دون جدوى، بسبب تمكُّن نتنياهو، من تشكيل ائتلافٍ قادر على تجاوز الستين مقعدًا، وسط تراجع معدلات تصويت العرب الذين حاول الأردن تشجيعهم على تكثيف حضورهم الانتخابي؛ لرفع نسبة الاقتراع عبر الحركة الإسلامية الجنوبية “راعم” المتحالفة مع حكومتي بينت ولبيد، بهدف إيجاد التوازن مع معسكر نتنياهو داخل الكنيست.
وفي هذا السياق والتوقيت جاءت القمة العربية لما أسموه بـ”لَمِّ الشمل”، والذي يعني في حقيقته توحيد المواقف في مواجهة معسكر اليمين بزعامة نتنياهو، والضغط عليه وحمله على التجاوب مع الأجندة الأميركية وتوصيات وفد السيناتور مينينديز. ويبرز هذا الضغط في حضور الأمين العام للأمم المتحدة والرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، ورئيس حركة عدم الانحياز، كما يبرز من خلال تصريحات الرئيس الجزائري وتصريحات غوتيريش الداعية إلى مضاعفة الجهود ودعم الفلسطينيين والتمسك بمبادرة السلام العربية بكافة عناصرها، وتلويح تبون بالدعوة لعقد جمعية عامة استثنائية للأمم المتحدة لمنح دولة فلسطين العضوية الكاملة في المنظمة الدولية. فيما قال غوتيريش “يجب على السلام أن يتقدم ولا بد للاحتلال أن ينتهي”. وشدد على حل الدولتين وأن تكون القدس عاصمة لكلتا الدولتين. ولم يفوت غوتيريش فرصة الحث على بذل الجهود لاستمرار نجاح مبادرة البحر الأسود بشأن الحبوب، من أوكرانيا وروسيا، بهدف الضغط على روسيا التي عرقلت تصدير الحبوب مجددًا بعد الهجوم الأوكراني على سيفاستوبول. ومن جهته حذر أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط بما هو أسوأ في الأراضي الفلسطينية، وأكد “الإجماع العربي” على “حل الدولتين”. كما حرص على التمهيد لإعادة سوريا إلى الصف العربي وطي صفحة الماضي. وكل ذلك من أجل مواجهة نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي ستنعكس على الأجندة الأميركية في المنطقة. وهذا لا يعني توقف قطار التحالف والتطبيع، وإنما يعني إعادة ضبط وتيرته وتوقيته بشكل يُجرّد نتنياهو من عوامل نجاحه واستمراره في الحكم، ويقوّض الرأي العام الإسرائيلي المنابذ لمسار العملية “السلمية”. حيث أن التحالف والتطبيع جارٍ على قدم وساق عبر الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية مع الإمارات وغيرها ، ومع لبنان بموافقة المقاومة المزعومة (حزب الله وإيران وسوريا)، بل ويجري التطبيع أيضًا مع السعودية التي تتظاهر بالنأي عن التطبيع، وبالتمرد على الولايات المتحدة، حيث شارك رجال أعمال إسرائيليون في مؤتمر الاستثمار السعودي برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قبل أيام، ومن ضمن المشاركين شقيق رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت.
وعليه فإن القمة العربية لم تبارح مربع التبعية التي دأبت عليها، والخضوع للإملاءات الأميركية، بما في ذلك إعلان الجزائر لـ”لمّ الشمل الفلسطيني” الذي وقعته الفصائل الفلسطينية قبل القمة . ومن المتوقع أن يستمر التصعيد والتوتر الأمني في الأراضي الفلسطينية، ويستمر كذلك على الجبهات المرتبطة بإيران في المرحلة المقبلة، إذ سيستغل نتنياهو الوضع برمته للتأثير على الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة لصالح الجمهوريين.