رواية “الطريق الى شارع يافا” للأسير عمار الزين
بورتريه الحياة الفلسطينية في رواية الطريق إلى شارع يافا
رواية “الطريق إلى شارع يافا” للأسير عمار الزبن
(بورتريه الحياة الفلسطينية في رواية الطريق في شارع يافا)
أ. سليم النجار
توطئة
عمار عبد الرحمن الزبن “٤٥ عاما” من رأس العين قضاء مدينة نابلس، اعتقل الأسير الزبن وهو عائد من الأردن بتاريخ ١٩٩٨-١-١١ ، خضع لتحقيقٍ قاسٍ لأكثر من ثلاثة أشهر، ووجهت له تهمت مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، أصدرت محكمة الإحتلال بحقه حكماً بالسجن المؤبد ٢٧ مرة.
فقد الأسير عمار شقيقه بشارات شهيداً في العام ١٩٩٤ أثناء مواجهات مع الاحتلال في مدينة نابلس، وهو أسير محرر أمضى خمسة أعوام في السجون الإسرائيلية قبل استشهاده، فيما استشهدت والدته خلال مشاركتها في إضراباً عن الطعام تضامناً مع الأسرى المضربين حينه بشهر أغطسس العام ٢٠٠٤.
يحدث أن تقرأ إحدى الروايات، فتدفعك إلى أن تكتب رواية أخرى لو أنك روائي، وتُسائِل ذاتك: لماذا يَظَلُّ نَصٌّ بعينه عالقاً بذهنك ويدعوك لتجادله أو تبني فوقه؟ هل أضاء حقيقةً استشعرتها ذات مرة ولم يبلورها وَعيُك؟ أم أن هذا السرد بعينه فَسَّرَ موقفاً بطريقة أخرى لم تطرأ على خاطرك؟ هل بَعَثَ النصُّ من الذاكرة حدَثاً تَجَسَّدَ ذاتَ يومٍ أمامك فكان ضبابيَّاً؟ أم لأنَّ سياقه العام أعاد تجسيد بنية شخوص عاشوا حولك وأثَّروا فيك؟
في نَصِّ “الطريق إلى شارع يافا” للأسير عمار الزبن الصادر عن وزارة الثقافة عام ٢٠٢٠ استشعرتُ رغبةً في كتابة رواية استدعتها نَصٌّ لا يشبهها، لكنه يتماس معها بطريقة ما؛ أو ربما يخرج من ذات الروح.
تتكرر فكرة المقاومة في رواية “الطريق إلى شارع يافا” وتعيد إنتاج دلالاتٍ متعددةٍ ووجوديَّة، فالمقاومة محور البنية الدالَّة في الرواية: (-يضحك محمود : مازِلتُ مُصِرًَاً على تسميتها مستوطنة، لا بأس، فلنبدأ بالتجهيز لذلك من هذه اللحظة ص٩).
يرى جميع من في محيط شخصية الراوي أنَّها تمتلك صوتاً جميلاً في سردِ الأحداث، إنَّهم يفقدون ذلك الإحساس المُعتدِّ بالذات، لصالح حلمهم: (ستصبح في عنقي بعد قليل وسنمضي معاً حيث حكايتك التي ستكتبها مع أخويك بالدم ص٢٩٦).
لعلَّنا نتسائل: متى تنقطع الآمال ويموت المستقبل؛ هكذا يدخل الإنسان؟ متى تختنق رغباته في التحقُّق والنجاح؟ متى تُصاب بالقنوط ونشعر بلا جدوى كل المقولات؟ تتعددُّ الأسباب لكن الكراهية والحروب والدمار هي المُسبِّبات المحيطة في هذا النَّص: (المصارعة التي أتقن فنَّها في أندية القدس كانت حاضرة في إحدى معاركه التي لا ينضب معينها!! وساحات الأقصى التي ما زحزح أقدامه عنها وهو يصدُّهم، يحاربهم بحجارته، يقصِفَهم بغضبه ص٥٦).
رُبَّما بدأ الزمن المحكي عنه- في جُلَّ روايته هذه- على مستويين، زمن الماضي الذي انقضي بكل حنينه وذكرياته: (- نعم كخوفِ الصحابة في حصار المدينة: أشهد ألَّا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فأيُّ خطأٍ في الخطوةِ الأولى معناه الندم؛ أنّني لم أُصِرُّ على قبولِ عرضِ يوسف بأن ينقص لي “أم العبد” من الحقائب الثلاث!! ولكن ما هذا الهراء ؟! لماذا لم أقل أنَّني خفت وفقط، فنيَّةُ الشهادة حاضرة منذ أن وُلِدنا أحراراً، ومتى كان الخوف عيباً أو غير مشروع؟! ص٣١٦)، وزمن اختناق المستقبل وصدأه، اليأس هو ما يستشعره القاريء في بعض المقاطع السرديَّة للرواية: (- فقلت بعدَ تنهيدةٍ عميقةٍ- وكانت المرة الأولى التي نُجري فيها حواراً من هذا النوع-: أصطادني السحرُ الريفيُّ قبل النابلسي لذلك- قلت ضاحكاً وأنا أنظر إليه- لم أنم مرةً واحدةً في الصالة ص٢٥٦). فالزمن القادم سيُنتِجُ قيمة، لا قيمة أطلال، فأزمنة السارد ووطنه يتخلق فيها مواجهات تُنتِجُ أملاً في تحقيق حلمه بتحرير القدس من براثين العدو الإسرائيلي: (- لن اعتمد هذه المرة على الاحتمالات كالمهمات السابقة التي نجحت فيها بالتحايل ومغادرة الوظيفة باكراً، لذا ألقيت على مهند مهمةَ استلام الحقائب وإرسالها إلى المجاهدين، لم يقلقني إنجاز هذه المهمة الخطرة فمهند رجلها الأنسب ص٢٩٢).
في رواية “الطريق إلى شارع يافا” للأسير عمار الزبن جملٌ روائيَّةٌ شعريَّةٌ، واللغة توَّاقة لخصوصيَّة الإنسان وفرديته، ورغباته حول كيف يرتضي عيشه، ولذا يأتي عنوان القراءة “بورتريه الحياة الفلسطينية” عنواناً مرواغاً، فهي بالأحرى يوميَّات يتجادل فيها الإنسان مع محيطه بُغيةَ أن يجد ذاته ويتَّسق معها.