النفاق الدولي حول اعدام علي رضا اكبري
النفاق الدولي حول اعدام علي رضا اكبري
د. فرات خورشيد
تتناقل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة بكل اشكالها نبأ اعدام ايران لنائب وزير الدفاع الإيراني (علي رضا اكبري) والذي يحمل الجنسية البريطانية التي هي السبب في تسليط الأضواء عليه واعتبار اعدامه أمرا قد يتسبب بردود افعال دولية قاسية ضد ايران
بداية لنتعرف على هذا الشخص قبل أن نحكم على ما فعله هو وما فعلته به إيران وما فعلته بريطانيا والمجتمع الدولي في هذا الموقف
شغل (علي اكبري) مناصب قيادية عليا في المؤسسة العسكرية الايرانية منها (معاون وزير الدفاع للعلاقات الخارجية) و (مستشار قائد القوات البحرية) كما عمل في الأمانة العامة للمجلس الاعلى للامن القومي الايراني
ومن الواضح أن كل هذه مناصب لا يمكن الوصول إليها دون تزكية ودون أن يكون الشخص قريبا جدا من رأس هرم السلطة ومقبولا لديها
فكيف تم اثبات التهمة ضده , وما هي الادلة , ومن هم شركاؤه
كل هذه الأسئلة لم يتم تداولها
فقد تم الحكم عليه دون تقديم الأدلة
ولم يحاكم معه أحد بتهمة المشاركة
ولم يتقدم شهود ادعاء ضده
ورغم ذلك تم إصدار حكم الإعدام وتنفيذه
وانا هنا لست بصدد الخوض في كيفية محاكمته او ادلة الادانة والبراءة
انا هنا اسلط الضوء على الحالة السياسية وانعكاساتها بالمقارنة مع حالة مثيلة لها سبق أن حصلت وردود الفعل الدولية ضد كلا البلدين الجاسوس (فرزاي بازوفت) الصحفي البريطاني الإيراني الجنسية الذي تم إلقاء القبض عليه في مطار بغداد وبصحبته أدلة إدانته وصور لمناطق عسكرية ممنوع التصوير فيها وتمت محاكمته وإدانته وحكم عليه بالإعدام وفق نصوص القانون التي تدين جريمة التجسس بالإعدام ضد كل من يرتكبها بغض النظر عن جنسه وجنسيته و لكن بريطانيا حينها أقامت الدنيا ولم تقعدها ضد العراق , بعكس ما نراه اليوم ضد إيران
وبالعودة الى ايران اتساءل ولكن هل اعدمت ايران (علي اكبري) المتهم بالتجسس فقط ام هناك اخرين تم إعدامهم ولأسباب أقل بكثير من تهمة التجسس.
لقد اعدم النظام الإيراني عدد من الشباب في مقتبل اعمارهم فقط لأنهم تظاهروا للمطالبة بحقوقهم , أولئك الذين كانت أحكام إعدامهم قاسية مقابل ما اقترفوه , مقارنة بتهمة التجسس التي وجهت ضد علي اكبري
ولكن لم ينل أي من أولئك الشباب سواء الذين أعدموا بأحكام قضائية جائرة أو من تم قتلهم في الشوارع نفس الاهتمام الذي نالته قضية الجاسوس الإيراني البريطاني الجنسية.
وبالعودة الى موضوعنا الاساسي هل سيكون هناك فعلا رد فعل قوي ورادع ضد إيران مثل الذي حصل ضد العراق حينما اعدام الجاسوس (فرزاي بازوفت)
اعتقد ان الاوان قد فات كثيرا على المجتمع الدولي ليثبت أنه يتعامل بمصداقية ومكيال واحد مع القضايا المتماثلة , لأن إيران قد اقترفت جرائم اكبر بكثير من اعدام الجاسوس المفترض من خلال تواجدها عسكريا وميليشياويا وتدخلها سياسيا ونهبها اقتصاديا لأربعة من أهم الدول التي حولها في المنطقة وهي (العراق, سوريا, لبنان واليمن) وهذا شيئ لايمكن انكاره او اخفاؤه بل تكشفه الزيارات التي قام ويقوم بها جنرالات الحرس الثوري الإيراني إلى تلك الدول ولقاءاتهم بالفصائل المسلحة التي تحمل السلاح خارج نطاق الدولة في كل تلك البلدان وتم توثيق ارتكابها لأبشع الجرائم ضد المدنيين من قتل وحرق للجثث ومقابر جماعية
فهل كان هناك رادع ناهيك عن الاف الادلة الدامغة على وصول الاسلحة الايرانية الى تلك المناطق واستخدامها في اعتداءات سافرة حتى خارج مناطق النزاعات بما يشكل تهديدا دوليا لا ينحصر ضرره بالمنطقة الإقليمية لايران مثلما حصل عندما هاجم الحوثيون مصافي النفط السعودية بصواريخ ايرانية الصنع وكذلك عمليات القصف للمعسكرات والسفارات التي قامت بها فصائل موالية لإيران في العراق وليس اخرها العثور على طائرات مسيرة ايرانية تم استخدامها من قبل الروس في قصف مدن أوكرانية.
ان هكذا دولة مارقة كان يجب ردعها منذ سنين طويلة وليس الآن , ولا يمكن اعتبار إعدام جاسوس بريطاني كان يعمل بمناصب عليا في الدولة الإيرانية (نائب وزير الدفاع) سببا أهم مما سبقه من جرائم
وهنا اتساءل ايضا لماذا تدافع بريطانيا عن مواطن يحمل جنسيتها وهو يعمل نائبا لوزير دفاع دولة تم اعتبار أنشطتها زعزعة للاستقرار بالمنطقة؟
الم يكن الاجدر لبريطانيا المطالبة بسحب جنسية (علي اكبري) مثلما فعلت مع بريطانيين آخرين من أصول أجنبية بعد أن ثبت إدانتهم بالعمل مع منظمات ارهابية مثل (داعش) وغيرها
هل كانت بريطانيا فعلا منتفعة من وجود (علي اكبري) بهذا المنصب
هل كانت إيران لا تعلم حمله للجنسية البريطانية
ان هكذا قضية لا تفسير منطقي لها سوى انها لعبة اعلامية لا أكثر يجب خلالها حق ورقة من اوراق اللعب حتى تستمر اللعبة ولكي تبدو منطقية بعض الشيء
بمقارنة ما حصل مع العراق عندما أعدم الجاسوس (فرزاي بازوفت) وكيف صدرت القرارات المتتالية من مجلس الأمن ضد العراق مع ما يحصل اليوم على يد ايران مما سبق وذكرته عن انتهاكات وجرائم تفوق قرار اعدام (علي اكبري) والتي طالت شباب يافعين لا جريمة لهم سوى المطالبة بحياة أفضل , وكذلك جرائم سلب حياة مئات الالاف ان لم نقل الملايين في أربعة دول , نجد أن ما يحصل ضد إيران ليس سوى دعاية اعلامية للحادث دون وجود ملامح حقيقية لأي قرار حقيقي أو موقف يشكل على الاقل زجرا أو ردع لها