مآلات الوضع في السودان و صراع الخونة حميدتي و البرهان
مآلات الوضع في السودان وصراع الخونة حميدتي والبرهان
د.علي عبدالقادر
لعل الحيرة قد اصابت الكثيرين من جراء تداخل وتشابك الاحداث الداخلية والخارجية المتعلقة بالسودان، دون وجود إمكانية لتبين الرؤية ومعرفة من هو الفاعل الحقيقي او الفاعليين الحقيقين لتلك الأحداث، وتؤدي الحيرة لطرح عدة أسئلة وتساؤلات، اذا كان اللاعبين الخارجيين معروفين كدول هي الولايات المتحدة والصين وروسيا وبعض دول اوربا، بسبب اطماعهم في الموارد الذاتية للسودان من أراضي شاسعة ومياه وفيرة يمكن ان تكون البديل لاوكرانيا في انتاج القمح وغيره من الحبوب ويكفي ان منظمة الأغذية العالمية صرحت بأن هناك 210 مليون فدان صالحة للزراعة بالسودان و3 ارباعها غير مزروعة، ناهيك عن كميات ضخمة من الذهب والنحاس واليورانيوم، وغيرها من المعادن، فأن اللاعبين الداخليين المؤثرين فعلا كأجهزة أو جماعات أو أحزاب أو حتى افراد يظلون موضع شك في قدرتهم التأثيرية الحقيقية على الأوضاع السودانية!
إن المتأمل الحصيف للواقع السوداني يستطيع ان يرى عدة واجهات تأثير بنسبية مختلفة على الوضع السوداني سياسي واقتصادي بل وحتى ثقافي، ومن تلك الواجهات نجد القوات المسلحة السودانية، صحيح ان القوات المسلحة وتحديدا جهاز الاستخبارات العسكرية في “الجيش” الذي يبدو في الظاهر وكأنه الجهة التي تصدر الأوامر المسيطرة على الوضع العام بما فيه خنق ثورة الشباب وقتل الثوار وجر بعضهم الى سجون بلا محاكمات او تقديمهم لمحاكمات بتهم باطلة في انتظار كسر شوكتهم وعزيمتهم!
وقد بدأ واضح ان القوات المسلحة تعرضت في خلال الثلاثين العام الماضية وتحديداً منذ انقلاب البشير والحركة الإسلاموية في 1989م لعمليات تجريف كامل وإحلال وابدال في صفوفها، بحيث تمت احالات للمعاش بالجملة لكل الضباط الذين لم يقبلوا الانتماء للحركة الإسلامية ناهيك عن أولئك الذين رفضوا تسيس القوات المسلحة وتحويل عقيدتها لعقيدة حزبية قادت لتحويل الحرب مع فصائل التمرد في جنوب السودان لحرب دينية أدت لموت مئات الالاف وتشريد الملايين من المواطنين وانتهت بانفصال جنوب السودان الذي يمثل ربع ان لم نقل ثلث مساحة السودان!
هذه القوات المسلحة انشغلت بالتجارة وامتلاك المال وخاصة لمنسوبيها من كبار الضباط حتى انها زاحمت الرأسمالية الوطنية واخرجتها من “السوق” . كما انها سيطرت على العمل السياسي بأبوية استبدادية فقامت بحل الحكومة المدنية، ثم استمرأت في تسلطها وهاهي تقود التطبيع مع إسرائيل فبعد لقاء البرهان ونتنياهو في عنتبي بيوغندا في شهر فبراير 2021م ، إستمرت الزيارات وليس انتهاء بزيارة وزير الخارجية الاسرائبلي للسودان في مهمة رسمية في وضح النهار، دون الاهتمام برأي الشعب السوداني صاحب اللاءات الثلاث في 1967م أي لا للاعتراف لا للتطبيع لا السلام مع إسرائيل!!!
نعم، هذه القوات المسلحة السودانية لم يحدث ان شاركت في حرب ضد السودان بل كل إمكانياتها وأسلحتها وذخيرتها استخدمتها ضد الشعب السوداني، في حين انها لم تطلق رصاصة واحدة في محاولة لاستعادة الحدود السودانية المغتصبة في مثلث ليمي او حلايب وشلاتين!!!
اذن أصبحت هذه القوات المسلحة من أصغر جندي وصولا لقائدها العام مسيسة وتابعة للحركة الاسلاموية، ولابد من إعادة هيكلة القوات المسلحة في المستقبل وتغيير عقيدتها لعقيدة وطنية سودانية صرفة،
الجهة الثانية التي تمثل اللاعب الثاني الرئيسي هي قوات الدعم السريع ويقدر عددها اليوم بحوالي ال(100.000) جندي وضابط ، وهي قوات كونها الرئيس المخلوع البشير كقوات شعبية مساندة للقوات المسلحة في دارفور، صحيح انه يغلب عليها ان تكون مليشيا قبلية عابرة للحدود، لأنها أصبحت تجمع لأفراد من بعض القبائل العربية الممتدة بين السودان وتشاد والنيجر ومالي، وهو امر يفقدها التأهيل العسكري الصارم وكذلك يفقدها عقيدة القوات المسلحة السودانية التي تقوم على الدفاع عن السودان بحدوده الجغرافية المعروفة. وهذه القوات انشغلت بالاستيلاء على موارد الشعب السوداني فتملكت جبل عامر او الجبل الذهبي بدارفور بوضع اليد ومساعدة عصابة فاغنر الروسية، وحاربت في اليمن وليبيا كقوات مرتزقة مقابل المال، وكذلك قامت بالتواصل مع الكيان الصهيوني فتم لقاء بين قائد الدعم السريع حميدتي ويوسي كوهين رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد” في دولة الامارات العربية المتحدة ، وقد اغراها ذلك الوضع المادي المريح من تجارة الذهب والدعم الروسي والاماراتي لان تجعل من قواتها دولة داخل دولة، واصبح قائدها هو نائب القائد العام للقوات المسلحة، وأصبحت جهة مؤثرة على الوضع العام في السودان فهي تنافس القوات المسلحة وقوات الشرطة في الصلاحيات، بل تقوم بإنشاء أجهزة خاصة بها موازية لأجهزة القوات المسلحة والشرطة ، واصبحت تستطيع عن طريق المال او التهديد اسكات كل من يعارضها او يطالب بدمجها في القوات المسلحة السوداني ناهيك عمن يطالب بحلها وتسريح افرادها!!! وبذلك فهي غير قابلة للإصلاح والهيكلة ولكن يمكن تقليل تأثيرها المباشرعن طريق جعلها قوات حدودية بمميزات مالية عالية ولا علاقة لها بالسياسة!!!
الجهة الثالثة والاقل تاثيرا من حيث المال والسلاح ولكنها الاكثر تأثيرا في إدارة الدولة من خلف الستار لأنها أصلاً قد تملكت مفاصل ومفاتيح الدولة خلال ثلاثين عاما، الا وهي الدولة العميقة او بقايا الحركة الاسلاموية ونظام المخلوع البشير، فظلت الدولة العميقة هي المسيطرة على القرارات الإدارية وتنفيذها او تعطيلها من قمة الدولة الى أصغر إدارة فيها، كما انها ترتهن أغلب كبار ضباط القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والعدلية وصولا الى رئاسة القضاء، هذا الوضع يجعلها تستطيع اجهاض أي سياسات جذرية لتغيير النظام القديم، كما انها تملك قدرة على التآمر على كل مكونات الدولة السودانية للعودة للحكم مرة أخرى، وهي قادرة على اللعب على جميع الحبال في الظلام بما فيها إشعال حرب تصفيات بين قادة القوات المسلحة وقادة قوات الدعم السريع!!! وأيضا تملك العودة عن طريق الانتخابات المزورة!!!
بعد ان عرضنا الاطراف الرئيسية في الوضع السوداني الحالي، يمكن ان نعرض ضلع “رابع” الا وهو الحركة الحزبية والتي لم تستطيع منذ استقلال السودان الاتفاق الا على الحد الأدنى الا وهو الثورة على النظام العسكري القائم في كل فترة واسقاطه ومن ثم تعاود الاختلاف فيما بينها، ولعل ذلك يرجع لوجود نوعين من الأحزاب هما الأحزاب الطائفية والأحزاب العقائدية وهو امر يجعل نصرة الطائفة والزعيم او التعصب لايدلوجية الحزب هي الكوة الوحيدة للنظر للهم الوطني!!!
استطاعت الأحزاب في العام 2018م التوحد تحت راية تجمع المهنيين والمساهمة في قيادة ثورة الشعب السوداني لأسقاط المخلوع البشير، ثم تكونت الحاضنة السياسية أي قوى الحرية والتغيير وضمت داخلها تجمعات مهنية ومنظمات مجتمع مدني بجانب الأحزاب السياسية، ولكن تتناوشها الاضلاع الثلاث السابقة وتعمل على اضعافها بل هدمها بسياسة الجزرة والعصى!!!
أخيراً نجد ان هناك ضلع خامس رغم قلة امكانياته المادية وخبرته السياسية ولكنه الاخطر بإعتبار انه يملك السلاح ولا يعيش الا في مناخ العنف والحرب في الاحراش والغابات ، هذا الضلع تمثله الحركات المسلحة والتي تكاثرت وتعددت واصبحت تبحث عن مصادر مالية لسد احتياجاتها من خلال التنقيب في الذهب وتهريبه وتجارة المخدرات، والان هناك تحركات لتكوين حركات مسلحة في شمال السودان واخرى في شرقه، بل وفي وسطه وهي عوامل قد تؤدي للاسراع في تفكيك السودان الى دويلات عديدة.
يبقى الامل في الشباب لأنهم الى حد كبير غير راضين عن كل تلك الاضلاع “الخمس” بل يعتبرون ان حميدتي والبرهان خونة لانهم فوق ولاءهم لدول اجنبية قد استمروا في قتل الشباب منذ 2013م حتى اليوم ، نعم هؤلاء الشباب لا يؤمنون سوى بالحكم المدني الذي يمكن ان يحقق لهم الحرية والسلام والعدالة والمساواة.
كاتب وأديب سوداني