محرقة حوارة صورة مصغرة لمحرقة فلسطين
محرقة حوارة صورة مصغرة لمحرقة فلسطين
أ. ثائر محمد حنني الشولي
في أعقاب العملية الفدائية النوعية التي نفذها أبطال جبل النار مدينة نابلس الاحرار وأسفرت عن قتل إثنان من غلاة المستوطنين في قرية حوارة جنوب مدينة نابلس في السادس والعشرين من شباط المنصرم , والتي جاءت في سياق الرد المتوقع والسريع للمقاومة الفلسطينية على المجزرة البشعة التي إرتكبتها قوات الإحتلال الصهيوني في قلب مدينة نابلس بوضح النهار قبل إسبوع تقريباً من العملية البطولية هذه وبينما الناس كانت تجوب بالأسواق وفي أعمالها , وكذلك الطلاب في مدارسهم والموظفين في مكاتبهم والمصلين في باحات المساجد , مما أدى والحالة هذه الى وقوع هذا الحجم الكبيرمن الضحايا بين شهيد وجريح , حيث بلغت أعداد الشهداء الذين إرتقت أرواحهم الطاهرة الى بارئها جراء العدوان البربري (11) أحد عشر شهيداً وكذلك الجرحى الى ما يزيد على(100) المئة جريح بالرصاص الحي , إضافة الى اّلاف الإصابات بالإختناق جراء إستنشاق الغازات السامة والمسيلة للدموع التي إستخدمتها قوات الإحتلال لتفريق المتظاهرين غير اّبهين بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان والرباعية ووو الخ ؟؟
وقد جاء الرد الفلسطيني البطولي في حوارة بعد المجزرة في نابلس مباشرة بفارق إسبوع واحد فقط لتؤكد من جهة على تصميم شعبنا في الإستمرار بمقاومته المشروعة ومواصلة دروب الحرية والتحرير حتى كنس الإحتلال ومستوطنيه , ومن جهة أخرى أبرزت العملية حجم الفاشية والعنصرية الصهيونية التي تجلت صورها القبيحة والبشعة في محرقة حوارة حين أقدم مئات المستوطنين بمليشياتهم المنظمة وبدفع من أعلى الهرم في حكومة نتنياهو ووزراء كبار أمثال وزير المالية الإرهابي المأفون الذي دعا رسمياً وعبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة الى محو قرية حوارة عن الوجود.. وفعلها أتباعه من غلاة المستوطنين على أرض الواقع حين أقدموا على مهاجمة سكان القرية الاّمنين وقتلوا الشيخ سامح الأقطش وأصابوا المئات بالرصاص وأشعلوا الحرائق في مئات البيوت والمحال التجارية والمركبات حتى بدت حوارة تحترق من كل جانب , مما أدى الى تشريد السكان وترويعهم وبدعم كامل من جيش الإحتلال الذي أطبق الحصار على قرية حوارة ومنع سيارات الإسعاف من الوصول للجرحى ومحاولة إسعافهم , وكذلك للحؤول دون وصول النجدة لحوارة من القرى المجاورة ومساندتها في التصدي لعدوان المستوطنين الوحشي .
وفي الإطار لابد من الإشارة هنا الى أن هذه الجريمة والمحرقة التي أشعلت في حوارة ليست سوى صورة مجتزئة لمحرقة فلسطين المشتَعلُ أوارها منذ النكبة الكبرى وإعلان قيام الدولة اليهودية تنفيذاً لوعد بلفور المشؤوم وبدعم من الغرب الرأسمالي الإمبريالي لغرض السيطرة على الوطن العربي ومنع نهوض الأمة , تلك الدولة المارقة التي أتت على الأخضر واليابس وباشرت عصاباتها الإجرامية منذ اليوم الأول لقيام دولتهم بإشعال الحرائق في كامل الأرض العربية الفلسطينية المحتلة , وإرتكاب أبشع المجازر وجرائم الحرب والإبادة الجماعية بحق السكان الأصليين العزل , بل ومسحت تلك العصابات أكثر من خمسمائة قرية فلسطينية عن الوجود ودمرتها بالكامل , وقتلت عشرات الاّلاف من المدنيين وألقتهم في مقابر جماعية وأهمها مقبرة يافا التي ضمت أكثر من الفي جثة فلسطينية , إضافة للإصابات التي لا تعد ولا تحصى جراء القصف المدفعي والجوي ومختلف أنواع الأسلحة ومنها المحرمة دولياً , والتي اّلت لتشريد أكثر من نصف الشعب العربي الفلسطيني الى خارج وطنه ليعيش في الشتات وفي مخيمات اللجوء المنتشرة في كافة دول الجوار العربي , كما وزجت قوات الإحتلال بما يزيد على المليون فلسطين في غياهب سجونها التي تشبه تماماً أوشفتزات النازية .
ولا زالت فصول محرقة فلسطين مستمرة حيث أعمال القتل وسفك الدماء بدم بارد كل يوم , والحصار المطبق على مداخل المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية , ومجزرة الأراضي المصادرة لأغراض التهويد والإستيطان التي إبتلعت نصف أراضي السكان في الضفة الغربية تحديداً ولم تبقي من السهول والجبال والمراعي شيئاً , وكذلك حرق البيوت وأصحابها نيام كما حصل مع عائلة الدوابشة , وحرق الأطفال وهم أحياء أمثال الطفل محمد خضير , وتقطيع أطراف العجوز الفلاح الفوريكي محمد الزلموط بمنشاره الذي يستخدمه في بستانه لغرض تقطيع وتقليم أشجار الزيتون ومن ثم طحن رأسه بحجر كبير بعد نشر أطرافه حتى فارق الحياة.. والأدهى والأنكى من ذلك هو قيام المستوطن المجرم الذي إرتكب جريمته هذه بحق العجوز بتصوير فعلته وجريمته لغرض إشباع غرائزه الشيطانية التي هي بالأساس ديدن المستوطنين المستعمرين الذين قدموا الى فلسطين من شتى أصقاع المعمورة التي لفظتهم بحكم أنهم مصاصي دماء وألقت بهم الى أرض فلسطين يعيثون فيها كل هذا الخراب الذي يجري على مسمع ومرأى العالم الذي لا يحرك ساكناً أمام بشاعة هذا الإحتلال الإحلالي والذي يسعى لإبادة الشعب الفلسطيني وطرده من أرضه , مما يؤشر بشكل فاضح للخلل الكبير في المنظومة الدولية التي تسير وفق مفاهيم إزدواجية المعايير ولا تنظر لقضايا الإنسانية بذات المعايير وهذا يعود لحالة الهيمنة والتفرد على العالم من قبل رأس الأفعى ( أمريكا) .