الأمن المائي في الدول العربية: اية استراتيجية
الامن المائي في الدول العربية: اية استراتيجية!!
أ. رضوان كمروني
مما لا شك فيه أن المياه من أكثر الموارد تأثيرا على الامن البشري، ذلك بأنها تعتبر عاملا حاسما في استمرار أسباب المعيشة على كوكب الأرض.
وبالرغم من أن المياه من الطاقات التي لا يخشى نضوبها، إلا أن المتاح منها دون مستوى الطلب العام عليها. وهنا موطن المشكلة التي لا يمكن حلها الا بترشيد تدبير الماء، خاصة في العالم العربي.
إن الأرقام المتعلقة بالمياه العذبة على المستوى العالمي تبعث على القلق، حيث يصل مجمل المياه الموجودة في كوكب الأرض (٪ 97) في المئة منها موجودة في البحار والمحيطات، والجزء الاكبر من النسبة المتبقية محتجزة في الأغطية الجليدية، او على عمق كبير بباطن الارض…. فيما نحو 0.6 في المئة فقط هي النسبة المسؤولة عن تلبية احتياجات أكثر من ثمانية (8) ملايير نسمة في كل ما يتعلق بالنشاط الزراعي، والصناعي، وسائر الاحتياجات اليومية…
وعلى خلفية “الندرة المائية” القائمة في المنطقة العربية التي نريد تسليط الضوء على نذرة المياه فيها ، فضلاً عن التوترات الحالية بشأن بعض من مصادرها، والتنبوءات المستقبلية التي ترسم نظرة سوداء عن قلة هذه المادة الحيوية مستقبلا، وما يكشف حقيقة الوضع المائي العربي في ظل توقعات أن تتحول الصراعات، والحروب في المستقبل على ذلك المورد الأهم للإنسان.
وباعتبار المنطقة العربية أحد أكثر مناطق العالم فقراً مائياً ، فإن الارقام المسجلة تدعو الى القلق والخوف، وذلك حسب ما وصفه المراقبون، إذ لا تحتوي المنطقة العربية التى تضم نحو عشر مساحة اليابسة على الأرض، إلا على أقل من ٪ 1 في المئة فقط من كل المياه العذبة السطحية على وجه الأرض، وحوالي٪ 2 في المئة من إجمالي أمطار العالم ، الأمر الذي انعكس على الاحتياج المائي للفرد الذي يقدر وفق المعدل العالمي بـ”ألف متر مكعب سنويا”.
وكثيرة هي المشكلات التي يعانيها العالم العربي في موضوع الماء، وذلك لأسباب كثيرة، نذكر منها: سوء سياسة التدبير المائي وغياب الإستراتيجيات الجادة والنافذة، للتعامل مع تلك المشكلات، ولكن حينما يتعلق الأمر بالمياه، التي هي سر الحياة، مصداقا لقوله تعالى : “وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ” يكون لزاما على جميع الدول العربية وبدون استثناء أن تتحد وتنخرط عبر الإجابة عن مجموعة من الأسئلة المطروحة… ، ولكي ننبه المواطن العربي لخطورة القضية، ونحيطه علما بأن ثمة واجبا عليه القيام به، من أجل الحفاظ على هذا المورد الهام، والذي سيزيد الطلب عليه عام 2040 بنسبة 50%، في حين سيزيد الطلب على الطاقة في العام نفسه بنحو 25% فقط، وهو ما يعكس أهمية المياه في المرحلة القادمة.
وتذهب استراتيجية الأمن المائي العربي إلى نتيجة مخيفة، وهي أنه في حالة استمرار الوضع المائي والزراعي في المنطقة العربية على ما هو عليه، ودون الأخذ بعين الاعتبار التأثيرات المحتملة لظاهرة تغير المناخ العالمي، فيتوقع ألا تستطيع المنطقة العربية تأمين سوى 24% من احتياجاتها من الغذاء، ومن المعلوم أن المنطقة العربية تستورد نحو 65% من احتياجاتها من القمح سنويا.
كما أن جل الدول العربية تواجه مأزقًا حقيقيًّا في تأمين مواردها المائية، التي بدأت تشحُّ وتنضب تدريجيًّا لعوامل طبيعية عديدة، أهمها ندرة الموارد المائية الطبيعية، وقلة هطول الأمطار، وارتفاع معدلات التبخر…. هذه الخصائص التي انعكست بوضوح في قلَّة الموارد المائية المتجدِّدة، وفي محدودية الأراضي الصالحة للزراعة ، الشيء الذي أدَّى إلى ارهاق الميزانية العامة لهذه الدول، وإلى حدوث مضاعفات سلبية على النظم البيئية، بسبب الاعتماد المستمر على محطات تحلية مياه البحر، ومعالجة مياه الصرف الصحي، واستعماله في المجال الصناعي والزراعي…
وفي سياق متصل بالموضوع عرفت الأمم المتحدة الأمن المائي على أنه “قدرة السكان على ضمان الوصول المستدام إلى كميات كافية من المياه ذات الجودة المقبولة من أجل الحفاظ على سبل العيش ورفاهية الإنسان والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وضمان الحماية ضد التلوث، الذي ينتقل عن طريق المياه والكوارث ذات الصلة بالمياه، والحفاظ على النظم الإيكولوجية في مناخِ السلم والاستقرارٍ السياسي”
كما يعد ضعف التساقطات وعدم انتظامها زمنيا ومكانيا أهمّ إكراه يواجه سياسة تدبير الماء في الدول العربية ، الشيء الذي أصبح يفرض و بإلحاح حكامة مائية تستجيب، بشكل مستدام، للحاجيات المتزايدة لسكان العالم العربي من جهة ولمتطلبات القطاعات الإنتاجية من جهة أخرى. كما أن التنافس والتضارب بين هذه الحاجيات، يجعل تخطيط وتفعيل تدبير المياه، أمرا معقدا تزيد من تعقيده جوانب القصور المتعددة في السياسات المتبعة بين الدول العربية. لذا فإن الحاجةَ ملحةٌ للتدخل بشكل عاجل وفعّال ومعقلن من أجل ضمان الأمن المائي، خاصة أن ندرة الموارد المائية في جل الدول العربية خاصة دول الخليج، وشمال افريقيا… أصبحت أمرا واقعا لا يمكن تفاديه، بل إنها ستتفاقم إذا لم تُتّخذ التدابير اللازمة أو إذا كانت الإصلاحات المعلنة بطيئة التنفيذ. وفي ضوء ذلك، يوصي الباحثون بسرعة التوصُّل إلى فهم أفضل للتهديدات المحدقة بإمدادات المياه؛ لما سيكون لها من عواقب خطيرة تهدِّد الاستقرار السياسي والاجتماعي…، ومن ثَمَّ لابد من تحديد درجات جاهزية تعلن بها المؤسسات الحكومية المعنية بإنذار مبكر لخطورة الوضع الحالي، وفي الوقت ذاته تدعو إلى اتخاذ التدابير الوقائية والإجراءات المخففة التي يمكن أن تضمن الأمن المائي للجميع،
وتطرح عدة سيناريوهات لمواجهة هذه المخاطر.
ولا يجب أن تقتصر الجهود الإقليمية في هذا الشأن على وجود مؤسسات إقليمية لا يشعر بها أحد، ولا تكون لها صفة الإلزام، كما أن ما يصدر منها من أعمال فنية يبقى حبرا على ورق، فهل يشعر المواطن العربي بأن هناك كيانا اسمه “المجلس العربي للمياه؟ وما هي سياسات الأمن المائي التي ينهجها المجلس تفاديا للمخاطر المستقبلية المحدقة بالأمن المائي في الدول العربية؟.