إنتهاء الحرب وبشريات نهضة سودان الغد
إنتهاء الحرب وبشريات نهضة سودان الغد.
د.علي عبدالقادر
بالرغم من هذا الوضع الكارثي الذي أمسى فيه السودان بحيث أصبح شبح الحرب يتمدد قليلا قليلا ليجرف فيه مجموعات إثنية وافخاذ قبائل وقرى وريف، وحيث فاق فيه عدد الاموات آلألآف وزاد عدد الضحايا عن مئات الالاف وتجاوز عدد النازحين واللاجئين الثلاث ملايين!
لكنني رغم كل ذلك أؤمن أيمانا قاطعاً بقدرات هذا الشعب الطيب المتآمر عليه من كل قوى الظلام من كل قوى الشر العالمية والظلام الداخلية، فإنني أؤمن بقدرته على أن ينتصر على كل ذلك التآمر ويصنع مستقبله المشرق بوحدته.
لقد رزق هذا الشعب الطيب من كل الخيرات الطبيعية الشيء الوفير، فهناك ملايين الافدنة من الاراضي الشاسعة الصالحة للزراعة ومليارات من الامتار المكعبة من المياه العذبة من النيل والانهار والامطار والمياه الجوفية، ومن هذه المياه يمكن استخراج الطاقة، كما يمكن توفير الطاقة من مصادر الرياح والشمس، وتتوفر كذلك ثروة حيوانية متجددة بها مئات الملايين من رؤوس الماشية.
أي ان السودان مؤهل من قبل الطبيعة ليصبح سلة غذاء العالم من حيث توفير الحبوب واللحوم، وأما من حيث المعادن فتوجد بالسودان كميات ضخمة من الذهب واليورانيوم ومعادن اخرى نفيسة، بل حتى رمال السودان وترابه اتضح انها تحوي ثروة نفيسة بداخلها.
إن مساحة السودان تقارب الاثنين مليون كيلومتر مربع وتحديدا (1٫865٫813 ) كيلو متر مربع، مع عدد سكان لا يتجاوز ال 45 مليون مواطن، مما يعني كثافة سكانية لا تتجاوز ال24 شخصا في الكيلو متر المربع، وهو يعني كذلك وجود مساحات ضخمة جداً غير مستغلة يمكن ايجارها ولسنوات قليلة بمليارات الدولارات. كما أن هناك فوق 42 في المائة من السكان دون سن الخامس عشر. وقرابة ال50 في المائة دون سن الخمسين اي العنصر البشري شاب وفتي.
ومع توفر الوسائل التكنولوجية الحديثة للتعليم من فإن هؤلاء الشباب يمكن تأهيلهم اليوم علميا وفنيا بسهولة أكثر من قبل مهما كان تباعدهم في أنحاء السودان. فالتعليم عن بعد وعبر الانترنت هو ثورة كبرى يجب استثمارها للتغلب على بعد المسافات وتباعدها داخل البلد الواحد.
كذلك اجتمعت في الشعب السوداني صفات طيبة ندر وجودها في الشعوب الاخرى مثل العفوية والبساطة والطيبة وحب الخير. ورغم دخول عادات وتقاليد غريبة وغربية على الشعب السوداني في السنوات الاخيرة مثل الانانية وحب التملك وحتى صفات الحسد. ولكن الطبع يغلب التطبع. وهذه الصفات الدخيلة جاءت بسبب الوضع الاقتصادي والاداري الذي هو في حالة تردي مستمر منذ عشرات السنين، وهو الامر الذي دفع ببعض الفئات من الشعب للتعامل بالفساد الاداري والمالي كمحاولة للتعايش مع الظرف
102 / 104
الحياتي الصعب. ولكن ليس هناك ما يمنع الانسان السوداني ان يعود لطبيعته الاولى السمحة بمجرد زوال هذه الاتربة والاوساخ من الصفات غير الحميدة التي طغت وغطت على معدنه الاصيل.
فيكفي ان ينتشر الوعي بين الشعب بثراء الارض السودانية وضخامة الخير الذي تحتويه وانه يوجد تحت أرجلهم من الخير ما يكفي لجعل الشعب السوداني من أكثر شعوب الارض ثراء ورفاهية، وان تلك الثروات تكفي لمئات من الاجيال القادمة، وهذه الثروات لا تحتاج منهم سوى التعاون لاستثمارها. خاصة وان عدد السكان جد قليل مقارنة بإستثمار كل تلك الثروات وتنميتها، فشعوب مثل الصين والهند رغم قلة مواردهم ولكن الكثافة السكانية التي قاربت الاثنين مليار مواطن لكل منهما حققت من خلال العمل وكثافة الانتاجية نهضة اقتصادية قد تؤهلهما لسيادة العالم في القريب العاجل اقتصاديا.
فما بالك ببلد فتية كالسودان بها كل الموارد الطبيعية والمواد الاولية ويمكنها بمحاربة الجهل والتخلف ونشر الوعي بين سكانها وايجاد وحدة وطنية حقيقية تتجه نحو العمل والانتاج.
إن أول درس يجب استيعابه من هذه الحرب اللعينة، إن الحرب هي بداية الخراب والدمار، وأنه مهما كبر الاختلاف والتنوع بين مكونات الشعب فلا يجب ان يؤدي الى الحرب، فالصين والهند بكل منهما قرابة الاثنين مليار من المواطنيين وبكل منهما آلالاف الديانات والمعتقدات والاثنيات واللغات وكل ذلك لم يؤد للاحتراب بين مكوناتهم. وأن بناء الاوطان لا يتم بالحرب بل بالتوافق والوحدة بين مكونات الشعب ونشر السلام، وأن التنمية لا تتم إلا في ظل الامن وإنتشار الحريات وسيادة القانون.
إنني على ثقة بأن الدمار الذي احدثته هذه الحرب في البنيات التحتية العينية، يمكن اصلاحه واعادة تعميره، طالما أن النفوس قد كرهت الحرب وعمرت بحب الوطن واقتنعت بضرورة التوافق والعمل والانتاج وهي في حد ذاتها بشارة بمستقبل مشرق للسودان.