صيف أمريكي ساخن شرق سوريا
صيف أمريكي ساخن شرق سوريا
أ.محمد علي صابوني
المناورات والتدريبات العسكرية التي أعلنتها” قوة المهام المشتركة الأمريكية” شمال شرق سوريا بعد يوم واحد من انتهاء مناورات مماثلة في”قاعدة التنف الأمريكية” على الحدود العراقية- الأردنية- السورية والتي جرت بداية شهر تموز/ يوليو الماضي بالأسلحة الحية عبر منظوماتٍ صاروخية، كمنظومة” هيمارس” الأمريكية والتي تصنف عسكريَّاً بأنها وحدة سلاح متنقلة يمكنها إطلاق صواريخ عدة “دقيقة التوجيه “في وقت متزامن – والتي امتدت تلك المناورات لعدَّة أيام، بالشراكة بين “التحالف” وفصيل” جيش سوريا الحرة”، وشملت التدريب على أنظمة رصد واستطلاع، إضافةً إلى استخدام أسلحة مضادة للطيران، ورشاشات متوسطة وثقيلة، حيث أوحت بأن الهدف الحقيقي غير المعلن لتلك المناورات الحية هو أكبر بكثير من “محاربة الإرهاب الداعشي” كما رُوِّج إعلامياً، بل كثير من الخبراء العسكريين قرأوها على أنَّها مؤشرات حرب حقيقية وليس بداعي الضغط السياسي فقط، خاصة أنَّها تزامنت مع تسريبات عن خطط أميركية صهيونية لضرورة تقليص الوجود الإيراني في سورية، وإبعاد الميليشيات الإيرانية عن حدود الجولان السوري المحتل، وعن الحدود الأردنية؛ وذلك بغية ضبط تهريب المخدرات عبر تلك المنافذ، وربط قاعدة التنف بمناطق سيطرة “قسد “في شمال شرقي سوريا، بالاعتماد على قوات من أبناء العشائر التي تواصل الولايات المتحدة العمل على ضبطها وتشكيلها.
التحقيق الذي أجرته شبكة” بي بي سي” البريطانية في عمق الأراضي السورية أكد على وجود أدلة تشير إلى تورط مسؤولين سوريين كبار آخرين، إضافة إلى أولئك المدرجين بالفعل على القائمة المشتركة الأمريكة البريطانية الأوروبية، والتي شملت أسماء اثنين من أقارب رئيس النظام السوري بشار الأسد، ويبدو أن ذلك قد قوض فرضية نجاح المفاوضات التي جرت مع النظام السوري لضبط تهريب الكبتاغون عبر مناطق سيطرته المشتركة مع حزب الله وباقي الميليشيات الإيرانية مقابل تخفيف قيود العقوبات وتوجيه الأنظمة العربية؛ لإعادة التطبيع معه، والتي لم تثمر عن إجراءات ملموسة على الأرض ترضي الأطراف المعنية، ما حدا بالتحالف الدولي إلى أن يبدل خطته الفاشلة تلك على ما يبدو بخطة أكثر حزماً، وأشد وضوحاً، خاصةً إذا ما ربطنا كل ذلك بما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” في شهر نيسان /إبريل الماضي من تصريحات لمسؤولين أمريكيين في تقرير لها بأن الجيش الأمريكي وضع للمرة الأولى قنابل “خارقة للتحصينات” تزن 250 رطلاً على طائرات هجومية أُرسلت مؤخراً في أحدث خطوة لردع إيران
أما مركز كاندل للدراسات فقد نشر تقريراً عن الحزام العشائري العربي السني المزمع إنشاؤه في شرق الفرات، حيث ذكر التقرير بأنَّ ملامح المشروع الأمريكي “الجديد القديم”، والذي طُرح عام 2020 أول مرّة،) وأعيد إحياؤه اليوم هو تشكيل قوّة عشائرية عربيّة سنيّة من التشكيلات العربيّة المكوّنة مع قسد، وإضافة تشكيلات عشائرية جديدة، والقيام بربطٍ وتنسيق عالٍ مع قاعدة التنف، ثمّ البدء بعملية عسكريّة تضبط الحدود (العراقية – السورية) تنطلق من بادية البوكمال الحدودية حتى قاعدة التنف.
كما نوه التقرير إلى دوافع وأسباب المشروع: حيث ذكر بعض تلك الأسباب، ومنها:
ـ استنفاذ مشروع “قسد”، وعدم قابليته للاستمرار، خاصّةً في محافظتي دير الزور والرقّة، وتزايد النقمة العشائرية العربيّة على قسد؛ لاضطهادها المكوّن العربي، وهيمنتها، واشتداد المظاهرات العشائرية المتكرّرة ضدّ “قسد” خاصّة في محافظة دير الزور وريفها.
ـ تزايد هجمات الميليشيات الإيرانية بالطائرات المسيرة والصواريخ على القواعد الأمريكية، وأخطرها الهجوم على “قاعدة خراب الجير” في الحسكة في شهر نيسان /أبريل الماضي، والتي أدّت إلى مقتل متعاقد أمريكي في القاعدة هناك.
ـ اكتشاف مخطّط إيراني للهجوم على القواعد الأمريكية في سورية بالتنسيق مع حزب الله؛ لإجبار القوّات الأمريكية على الخروج من سورية، وهذا المخطط كشفته صحيفة الواشنطن بوست.
ـ الهجوم الأخير بطائرات مسيرة الإيرانية على قاعدة التنف انطلاقاً من الحدود العراقية السورية، وإحداث خسائر ماديّة، وإيقاع قتلى وجرحى في صفوف الفصائل السوريّة العاملة في التنف “جيش مغاوير الثورة”.
ـ زيادة التعاون العسكري بين إيران وروسيا في أوكرانيا، بالإضافة إلى تشجيع روسيا الميليشيات الإيرانية لزيادة هجماتها ضدّ القوّات الأمريكيّة في قاعدة التنف والقواعد الأخرى في محافظتي دير الزور والحسكة.
يبدو أن أحد أهداف ربط قاعدة التنف مع القوّات الحليفة لأمريكا، والتي ستتشكّل من العشائر العربية، هو الضغط على قيادة” قسد” التي ترفض التوسعة في العمل العسكري ضدّ الميليشيات الإيرانية والنظام؛ وذلك بسبب هيمنة الجناح الموالي لإيران داخل قيادة “قسد”، ويبدو أن الأمريكيين -حسب معلومات مسربة من شرق سورية،- ينوون توسعة المشروع ليشمل خط الطبقة – السخنة أيضاً، وقد لمحت القيادة الروسية بعد علمها بجديّة أمريكا بهذا المشروع إلى ضرورة عدم الاقتراب من المنطقة التي تمتد من مدينة تدمر مروراً إلى الداخل السوري؛ لأنّها منطقة نفوذ روسية بحتة على حد تعبيرها.
فهل هو تعزيز للتقسيمات القسرية التي فرضت على الجغرافيا السورية؟
أم أنها مرحلة جديدة من الصراع ستتمخض عنها خارطة هجينة جديدة بتقسيمات جديدة؟
هذا ما ستكشفه الأيام القليلة القادمة
صحافي وكاتب سوري