وجدان الربيعي: الرحلة كانت طويلة ومتعبة لكن يذهب تعبها عند حصد ما ناضلنا من أجله
وجدان الربيعي: الرحلة كانت طويلة ومتعبة لكن يذهب تعبها عند حصد ما ناضلنا من أجله
أ. ليلى قيري
لكل مجتمع أصالته وثقافته وأخلاقياته، كما لكل مهنة أخلاقياتها وسلوكياتها، وتأتي الصحافة في مقدمة المهن التي تعكس صورة المجتمع بتجاربه ومشكلاته وظواهره، لذلك ينبغي ألا تتجاوز الصحافة المبادئ والقيم المتعارف عليها حتى تؤدي وظيفتها بشكل يستجيب لحاجات الناس وتطلعاتهم، فأخلاقيات العمل الصحفي تصبح بلا فائدة ما لم تعكسها سلوكيات عملية على أرض الواقع.
للحديث عن مصاعب وأهداف ودور مهنة المتاعب، حاورنا الصحفية المحترفة ذات التجربة الطويلة وجدان الربيعي.
قبل التحدث عن وجدان الصحفية عرفينا عن نفسك؟
ـ أنا وجدان الربيعي، ولدت في طرابلس بلبنان طفولتي كانت قاسية، لأنني في كل مرة أتذكر الاجتياح الإسرائيلي على بيروت، لا أستطيع نسيان الحرب والشهداء والضحايا خاصة الأطفال منهم، تربيت على صوت مرسيل خليفة واغانيه التي تذكرنا بالعودة وحلم التحرر، كبرنا ونحن نحمل هذا الحلم حتى في غربتنا.
انتقلت مع عائلتي للعيش في الجزائر ومن ثم لتونس، بعد قرار سياسي بنقل الفدائيين الفلسطينيين من لبنان في باخرة كبيرة كخطوة لإنهاء الوجود الفلسطيني في لبنان.
كنت أحلم بالقيام بعمل أستطيع من خلاله خدمة الناس، من خلال طرح قضاياهم بأي طريقة.
إلى أن حالفني الحظ بالعمل في الإعلام لاحقا وتحقيق حلمي، لكن الرحلة كانت طويلة ومتعبة ومهمة يذهب تعبها عند حصد ما ناضلنا من أجله.
ـ كيف كانت بدايتك الصحفية ولماذا اخترت هذا المجال بالضبط وما هي القنوات التي عملت بها؟
ـ كانت البدايات في لندن قبل 25 عاما، حيث بدأت العمل في شبكة الأخبار العربية (أ-أن-أن)، والتي كانت أول فضائية عربية تنطلق من بلاد المهجر، أذكر وقتها أنها بدأت بث برامجها ثلاثة أشهر قبل قناة الجزيرة. لم تكن لي تجربة إعلامية وقتها، لكن تم اختياري لأكون مذيعة منذ أول يوم لكنني رفضت وقتها، وطلبت منهم العمل بالإعداد، ومن ثم تدريجيا انتقلت الى تقديم البرامج، وافقوا وقالوا لي عندما تكوني مستعدة لتقديم البرامج أخبرينا.
اخترت هذا المجال لأنني اعتبرته فرصة لتسليط الضوء على القضايا المسكوت عنها، وحسب وجهة نطري، أعتقد أن العمل الإعلامي هو بمثابة فضاء حر للحديث عن استرداد الحق لأصحابه، والعدالة الاجتماعية، ونشر التوعية لمعالجة الآفات الاجتماعية، والاهم من ذلك كانت عندي مساحة مهمة لأكون مع المشاهدين على المباشر في برنامج صرخة القدس أيام الانتفاضة، وكان هذا جزء من اهتماماتي وقناعاتي، لذلك كنت أقدم أعمالي بكل حب وإتقان. عملت تسع سنوات في شبكة الأخبار العربية (أ-أن –أن) في لندن، وبعدها انتقلت للعمل في الشارقة لمدة سنة في قناة الفيحاء العراقية، قبل الرجوع مجددا إلى لندن بعدما سمعت من أصدقاء أن هناك مشروع اعلامي جديد، افتتاح قناة الحوار التي عملت معها لمدة خمس سنوات قبل الانتقال للعمل في قناة المغاربية والتي أعمل معها لحد اليوم.
ـ حدثينا عن النقاط الإيجابية والسلبية في العمل الصحفي؟
ـ أبدأ بالنقاط الإيجابية، وقتها لم يكن هناك مواقع تواصل اجتماعي، وكان الجمهور يتابع الفضائيات فقط، ويعتمد عليها في متابعة الأخبار والبرامج الحوارية السياسية والفنية والصحية والاقتصادية وحتى الرياضية، في تلك الفترة الاعلام كانت له هيبته وحرفتيه في دعم الإبداع ونشر الوعي والثقافة، كذلك كان له دور مهم قبل وأثناء و بعد الأزمات و الصراعات المسلحة، أما اليوم فالصورة اختلفت، واصبحت مواقع التواصل الاجتماعي أكثر جذبا واستقطابا للمشاهدين، حيث أصبح فيها الوصول للمعلومة سهلا وسريعا أكثر من سرعة البرق، وبالتالي لم يعد المشاهد يحتاج للبقاء أمام التلفزة لساعات كما كان في السابق، أضف إلى ذلك أن الصحافة هي مهنة المتاعب و المصاعب، لأنها تأخذ من الإنسان جهد ووقت كبيرين، وهنا أتحدث عن نفسي فهذه المهنة ليست كأي وظيفة أخرى لأنها ترافقنا حتى ونحن خارج العمل، وهذا ما يجعل الصحفي أسيرا لعمله في كل وقت حتى عند عودته إلى بيته، و بالتالي هو عمل متواصل ليلا ونهارا.
ـ ماهي اهم البرامج او المحتويات التي عملت بها؟
ـ قدمت عديد البرامج مثلا “صرخة القدس” و”الصحة” و”الحياة” في شبكة الأخبار العربية (أ-أن-أن).
في الحوار قدمت: “لكل العرب” و”حقوق الناس” و”كيف الصحة”.
في المغاربية قدمت وأقدم حاليا: “عين على فلسطين” و”حقوق وحريات” و”لقاء خاص” و”صحتك لاباس” و”المرأة”، بالإضافة إلى مشاركتي في مختلف التغطيات التليفزيونية.
شخصيا، لا أعتبر أن هناك أعمال مهمة وأخرى لا، بل أعتقد ان كل شيء قدمته مهم وترك بصمة واهتمام وتفاعل كبير مع قضايا الناس، وهمومهم على جميع الأصعدة.
ـ أنت من المدافعات عن القضية الفلسطينية، ولك برامج متعددة حدثينا عن هذه النقطة؟
ـ طبعا أشعر بالرضا عندما أعد وأقدم البرامج التي تهتم بالقضية الفلسطينية، كونها قضية عادلة وبوصلة العرب والمسلمين.
تناولت قضايا الاستيطان والتدمير والمجازر والأسرى والتطبيع، وسلطت الضوء على معاناة الفلسطينيين كونهم يعانون من احتلال مرير ويطالبون بحق العودة وتقرير المصير.
كم اشعر بالرضا عندما اسمع ردود أفعال الفلسطينيين على ما نقدمه خاصة عندما يثنون على عملنا بكل حب، في وقت يعتبرون فيه أن العالم قد خذلهم ونسي قضيتهم.
اهتمامي بالقضية الفلسطينية لا يعني عدم اهتمامي بقضايا الشعوب الأخرى، كالذين تنتهك حقوقهم الآدمية بسبب حرية التعبير، والذين يغادرون أوطانهم بقوارب الموت بحثا عن مستقبل أفضل، أو اللواتي يدفعن ثمن الصراعات والحروب ويتعرضن للاغتصاب والبيع والعنف الجنسي.
كثيرة هي القضايا التي أرى أنه من واجبنا كصحفيين المساهمة في معالجتها، لتنعم شعوبنا بالأمن والاستقرار والعدالة الاجتماعية والسلام والكرامة، لأنها شعوب تستحق الحياة والفرح.
ـ كيف تقييمين العمل الصحفي الحالي في ضل طغيان مواقع التواصل الاجتماعي وتطفل الكثيرين على المهنة؟
ـ العمل الصحفي الحالي يجب أن يتغير ويواكب التطور التكنولوجي الحديث، أعتقد أنه حان الأوان للخروج من العمل النمطي وابتكار اساليب جديدة أكثر ابداعا.
اليوم وجدنا عدد كبير من الاعلاميين والصحفيين أصبحوا يتوجهون للسوشيال ميديا، كونها أكثر انتشارا وتستقطب أعداد كبيرة من المتابعين، ما جعل الفضائيات كذلك تلجأ إلى مواقع التواصل الاجتماعي لنفس السبب، لأن اليوم البحث عن المعلومة أصبح أسهل وأسرع من خلال هذه المواقع، غير أن هذا لا يمنع من أن هناك الكثير من المتطفلين على المهنة، وللأسف لديهم جمهورهم. يجب التنويه إلى أنه رغم انتشار السوشيال ميديا، الا أن هناك شخصيات صحفية بارزة لها بصمتها التي لا يمكن أن تتكرر.
أشير فقط، أن اليوم هناك توجه من قبل إعلاميين بإنشاء محطات شخصية دون تكلفة تذكر من خلال وسائل التواصل، حتى أن البعض جنى ارباحا مادية منها.
ـ هل السوشيال ميديا والجي بي تي هم المستقبل؟
ـ نعم، لكن هذا الشيء سيجعلنا نفتقد للعمل الصحفي الإعلامي الحقيقي، وقد يتم الاستغناء عن عمل الصحفيين، لأن هذه التقنيات الحديثة ستعمل بديلا عن الإنسان، وهذا ما سيعني خلق عدد كبير من الصحافيين البطالين، لو تم فعلا العمل بهذه البدائل الجديدة.
ـ كلمة أخيرة
ـ مهنة الاعلام يجب أن تكون وسيلة لبناء المجتمعات وخدمة الإنسان ونشر قيم العدالة والمساواة، واحترام الاختلاف وقبول الآخر وإعادة الحق لأصحابه، وليس للتشويه والتمييز ورفض الأخر وتكميم الأفواه ونشر الفساد والمحتوى الهابط.
نحن الإعلاميون من يجب عليهم تحمل مسؤولية تغيير الواقع المرير، إلى واقع أفضل يعيش فيه الإنسان بكرامة دون خوف او ارهاب او ظلم.