نحو فهما و وعيا لما يجري
نحو فهما ووعيا لما يجري
د . قيس النوري
تتعرض الحركات والاحزاب الثورية في العالم الثالث ، بالأخص منها تلك التي تتسلح بفكر مناهض لقوى الهيمنة والاستلاب الغربية ، وتسعى في نضالها للتخلص من تبعات وأثار التخلف والقهر جراء تلك الهيمنة وسياساتها التعسفية بالإبقاء على مجتمعات ودول الموارد أسيرة أوضاع هي ليست في صالح شعوب العالم الثالث ولما بقى هذا العالم ثالثا متأخرا إلا بسبب تلك السياسات الاستعمارية المتعالية وغمط حق الشعوب بالحرية والعيش الكريم ، لتشكل تلك السياسات كوابح مصممة لأعاقه التنمية ومن ثم أعاقة التحرر من ربقة الاسر السياسي والاقتصادي وبأشكال وأساليب مختلفة تبعا لتطور الظاهرة الاستعمارية المتوثبة والمتوحشة
من بين الاحزاب الثورية الجذرية في عالمنا العربي المعاصر يمثل حزب البعث العربي الاشتراكي نموذجها الابرز بطليعته الجماهيرية والذي أختط مذ انطلاقته فكرا وفق منطلقات نظرية مركزتيها وغايتها النضال الشعبي للتخلص من الهيمنة المفروضة قسرا على الوطن بامتداداته وعمقه القومي العربي .
لقد مثلت تجربة الحزب في العراق التنموية والتحررية التي قادها بجدارة على امتداد أكثر من ثلاثة عقود ، أحدى أهم محطات وصفحات النضال والعمل القومي في العصر الحديث ، وسرعان ما أدركت قوى الاستحواذ والاستلاب الدولية خطورة نجاح تجربة العراق وحتمية تأثر محيطها العربي والاقليمي باتجاهات تدفع نحو كسر حلقات الهيمنة السياسية والاقتصادية على أهم منطقة في العالم لناحية وفرة الموارد الاستراتيجية في المقدمة منها مكامن الطاقة.
أن نموذج وانتقال التصورات النظرية والعملية لحزب البعث العربي الاشتراكي نحو مفاعيلها التطبيقية من خلال تحرروأسقلالية القرار السياسي واسترداد السيطرة الوطنية على الموارد الطبيعية وسيلة وأداة لتشغيل تنمية مستدامه اقتصاديا ومجتمعيا أصاب القوى الاستعمارية بنموذجها الجديد ، أصابها الهلع من نجاح هذه التجربة الرائدة وغير المسبوقة في الحراك والنضال الشعبي العربي ، لذلك استدعت كل إمكاناتها العسكرية التي كانت أصلا معده لمواجهة عموم القوى الشرقية وبتحالف مضاف لها من قوى دولية وإقليمية أخرى شاركت في إجهاض تجربة البعث في العراق بعمل استباقي مثل في واقع الامر حربا عالمية ثالثة وباستهداف عسكري مباشرا يعقبه احتلال مركب بالتحاق قوى اقليمية طالما كانت تاريخيا على استعداد للمشاركة في أي جهد يضعف العرب وإبقائهم في حالة العجز وغياب الفاعلية.
ــ 2 ــ
وهي حالة تجلت بوضوح بالوضع السائد في عراق اليوم الذي يرزح باحتلال أميركي صهيوني إيراني وبتخادم واضح بين أطرافه ، أوصل العراق إلى ما هو فيه الان . لم يكتفي المحتل الاميركي بالاحتلال العسكري المباشر للعراق وانما طور أساليبه بزج قوى إقليمية تتوافق وتلتقي معه بالأهداف ، حيث زج بالنظام الايراني الكهنوتي المتخلف عن روح العصر لتولى صفحة أخرى من صفحات الاستهداف ، تمثلت بالسعي لإحلال هوية مغايرة للمجتمع العراقي ، هوية هجينة وبدليله لهويته الاصيلة عبر عملية إحلال قسرية وذلك لضمان شرذمة المجتمع ومن ثم أضعافه تداركا لنمو روح وفعل المقاومة عبر التجهيل المنظم وأشاعه الخرافة وحرف اتجاهات المجتمع نحو ذات الغاية الاستعمارية من حيث النتائج .
رغم كل هذا الجهد الدولي والاقليمي الاستعماري المعادي وغير المسبوق ، أثبت شعب العراق بخاصة شريحة الشباب الواعية منه التي تشكل النواة الحية في المجتمع أنها عصية على كل محاولات التغييب الممارسة ، حيث مثلت انتفاضة تشرين الشبابية تأكيدا للوعي الوطني المعمد بالدم بتحدي أسطوري نادر كان ثمنه المئات من الشهداء والاف الجرحى والمغيبين قسرا حتى الان .
أن فعل التصدي للمشروع الغربي الاستعماري ما زالت جذوتها فاعلة على امتداد الوطن العربي لتشكل أهم صفحات معركة المصير في مواجهة أعداء الامة وأن اختلفت تلاوينهم وأساليبهم دوليا وإقليميا ، ويزداد ويتعمق الوعي الجماهيري بعد افتضاح وتعري السلوك المعادي الممارس سواء من القوى الاجنبية أو المتحالفة معها مصلحيا.
يبدو المشهد الراهن مضللا وكأنه محسوم لصالح أعداء الامة ، لكن الحقيقة المغيبة عمدا بأساليب خادعة يلعب فيها الاعلام والحرب النفسية الدور الاساس في شيوعها لتدارك وتأجيل حتمية هزيمة المحتل ، أي محتل ،مهما أمتلك من قوة مادية ما دامت الشعوب المقهورة تخوض نضالها نحو هدفها المتمثل بالتحرر ، هذه أهم وأبرز قوانين الصراع كما أكدتها صفحات تاريخ نضالات الشعوب عبر تاريخها.
أن الحالة السائدة اليوم في العراق وفشل المحتل المزدوج الاميركي الاسرائيلي الايراني في نجاح مسعاه بالإمساك واسر العراق بشكل نهائي وحاسم بفضل موقف شعب العراق الرافض والمعبر عنه يوميا وحالة الانفصام الكامل بين الشعب وبين سلطات فرضها المحتل تمثل مقدمات نحو صفحات لاحقة من الصراع لن تكون بالقطع لصالح الاحتلال وذيوله ومن التحق به داخليا وإقليميا ودوليا خاصة في ظل تفاعل المتغيرات الدولية الحادة التي تعكس ظلالها الحتمية على مجمل حركة السياسة الدولية ..
ــ 3 ــ
أن أفشال وهزيمة مشروع الاحتلال في العراق سوف تشكل منعطفا وحدث مفصلي هام في السياسات الدولية والاقليمية وتفشل مشاريع يراد منها أسر الامة برمنها ، شعبا وموارد وهوية ، من هنا وفي معركة العراق تحديدا سوف يكتب عنوان هزيمة أعداء الامة لتستعيد الجماهير العربية حركتها الفاعلة وطليعتها الثورية في بناء عراق قوي حر ديمقراطي نموذجا لانتصار النضال العربي على اعداءه نحو تحقيق حلم وأمل الامة في بناء دولتها القومية الواعدة ، ذاك الهدف الذي جسده حزب البعث العربي الاشتراكي في مبادئه ونضاله اليومي الممتد على ساحات الامة من مشرقها وحتى مغربها ، أنه الفهم بحركة التاريخ والوعد بعهد البطولة .