عند شواطئ الطوفان
عند شواطىء الطوفان
د.عبدالناصر سكرية
سيزولون قريبا ولهذا فإنهم يدمرون كل شيء “هكذا وصف الممثل الأسترالي” ميل غبسون ما تقوم به دولة الكيان الغاصب من حرب إبادة للشعب الفلسطيني في غزة وتدمير كل مقومات الحياة فيها..سيزولون قريبا أي دولة ” إسرائيل “.. ولعل هذا هو أهم درس أو نتيجة لما يحدث في فلسطين ولما تقوم به عصابات الصهيونية في غزة وفلسطين..فهل هذا بجديد ؟؟
١ – منذ إنشائها بالقوة والخديعة ودولة الكيان تحمل بذور إنهيارها الذاتي لكونها مجتمعا مصطنعا يفترض أن يجمع كل يهود العالم في دولة دينية واحدة تعتبر الدين اليهودي هوية قومية لها ..ومذ ذاك وهي تمارس حروب خنق وإقتلاع وإبادة بحق شعب فلسطين العربي لتبقى أرض النيل إلى الفرات صافية لليهود الصهاينة ..وهي حروب لم تتوقف يوما واحدا لأنها منبثقة من عقيدة تلمودية صهيونية عنصرية حاقدة لا تعترف بالآخر إلا بكونه خادما لها وعبدا ذليلا إن أبقته على قيد الحياة لحاجتها إليه..
فماذا حصل في هذا على ضوء عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الشعبية الفلسطينية ؟؟
٢ – للبحث في تداعيات ونتائج عملية طوفان الأقصى لا بد من معرفة واقع حال المنطقة قبل العملية :
كانت كل الأمور تسير في إتجاه تكريس الإعتراف الكامل والنهائي بدولة العدو الصهيوني كيانا طبيعيا قائما ومقبولا من النظام الرسمي العربي..المطبعين سرا وعلانية والسائرين في نحوهم بسرعة ..وصار من مسلمات السياسة الرسمية لنظم الإقليمية العربية ألإعتراف والتطبيع وتبادل المصالح والتنسيق الأمني والمشاريع الإقتصادية برعاية دولية تامة من قوى النظام العالمي ..وقد بلغ بعض تلك المشاريع آفاقا مستقبلية بعيدة المدى من شأنها أن تجعل إمكانية الإستغناء عن التعاون مع دولة الإحتلال غير ممكنة عمليا حتى لمن يريد ذلك ؛ بحكم الترابط العميق في المصالح ومقومات الحياة الأساسية كالطاقة والنور والكهرباء والممرات وطرق المواصلات وهكذا..
وبالتفويض الأمريكي التام لدولة ” إسرائيل ” بالسيادة على المنطقة وقيادة مجريات الأمور فيها وتنسيق السياسة لجميع أطرافها ؛ في ذات الوقت الذي يشهد وصاية أمريكية على جميع الفرقاء ؛ فقد بلغت السيادة الصهيونية حدا جعل من كل من يطمع إلى منصب رسمي رفيع , أن يطلب عونها لتوصيله أو لتثبيت دعائم حكمه..فكان عصرا صهيونيا إمتد في العقدين المنصرمين..وكل ألأصوات المنددة أو المعترضة لم تغير شيئا يذكر..
٣ – اما الواقع الفلسطيني فقد تميز بظواهر سلبية ساهمت في إبعاد قضية فلسطين عن دائرة الإهتمام السياسي العربي والعالمي ؛ طبعا إلى جانب التخلي الرسمي والتفويض الغربي الأمريكي للعدو :
أ- تحول السلطة الفلسطينية إلى أداة تنسق المطالب الإسرائيلية فيما يتعلق بقمع أية مقاومة وألتعاون الأمني مع الأجهزة الصهيونية في مواجهة أية مظاهر للمقاومة الشعبية..فضلا عن تحويل عشرات آلاف الفلسطينيين إلى موظفين بيروقراطيين ينتظرون رواتبهم في كل شهر دونما فعالية أو دور سوى ذلك..
ب – إنقسام حاد بين الضفة الغربية وغزة بين مؤسسات سائدة مختلفة في كليهما..كاد أن يحدث شرخا نفسيا بين أبناء شعب فلسطين في الداخل وليس فقط في الخارج..وكان هذا الشرخ هو ما تعمل عليه دولة الإحتلال لتعميقه وتحويله إلى حرب أهلية تدمر الجميع وتنهي القضية..وهو شرخ كان بدأ في التبلور في بعض المواقف ومناحي العمل الفعلي والتوجه الإجتماعي ؛ ولا سيما منذ إتفاق أوسلو المشؤوم..فكان مصدر خطر إضافي على مستقبل فلسطين وقضيتها المصيرية يضاف إلى قوة العدوان الإسرائيلي وفعالية التخلي الرسمي العربي والتواطؤ العالمي..
ج – تصاعد وتيرة الحرب الصهيونية للإلغاء والتهجير والإبادة بحق شعب فلسطين والتوسع في بناء المستعمرات ومصادرة الأراضي وهدم القرى والأحياء ..وفي غياب أي دعم من خارج فلسطين وإقتصار المقاومة الشعبية على إيمان الإنسان الفلسطيني بحقه وتمسكه بأرضه وبإمكانيات شبه معدومة ؛ كان من الممكن أن تؤدي تلك الحرب إلى إنهاك إمكانيات الرفض والمقاومة لعقود مقبلة..مع ما في هذا من خطر حقيقي بتصفية قضية فلسطين في ظل الوضع المتواطىء السائد المحيط..
٤ – في ظل هذا الواقع نفذت المقاومة الشعبية عملية طوفان الأقصى ضد الإحتلال الإسرائيلي ..فأحدثت تغييرات عميقة مهمة في مجالات كثيرة وبنسب متفاوتة..سنتحدث عن بعض تلك المتغيرات وربما أهمها على مستقبل الصراع العربي – الصهيوني..
1- على دولة الإحتلال وبنيتها :
أحدثت العملية تأثيرا سلبيا بالغا على جملة عناصر أساسية في قوة ” إسرائيل ” ورهبتها وبنيتها التي تتفاخر بها :
أ- سكان المستعمرات ( المستوطنات ) فهم عماد المجتمع الإسرائيلي ومادته البشرية..وبدونهم لا تكتمل مقومات الدولة كما تطرحها العقيدة الصهيونية ..وقد إستجلبتهم الأجهزة الإسرائيلية بصفتهم الدينية لإستكمال بناء دولة قومية لما يسمى ” الشعب الإسرائيلي ” ..وحينما يتعرض هؤلاء لإنتكاسة أمنية كبيرة ويدفعون ثمنا باهظا من حياتهم وأمنهم الموعود ورفاهيتهم المؤملة ؛ فإنهم يفقدون معظم الدوافع والإغراءات التي شجعتهم على القدوم إلى فلسطين والعيش فيها ؛ وبالتالي سوف يغادرون فلسطين إلى حيث أتوا وحيث يمتلكون جنسيات أخرى يستطيعون العيش في بلادهم الأصلية بذات المستوى الحياتي ولكن بأمن وإستقرار لا تعكره أية مقاومة أو رفض..فاليهودي الفرنسي مثلا لا يواجه رفضا من المجتمع الفرنسي لأنه يحمل جنسيته وهو مواطن فيه ومن أبنائه..أما في فلسطين فهو مرفوض من أهلها ويعيش هاجس الخوف الدائم..ومما لا شك فيه أن عددا كبيرا منهم لن يفكر بالعودة ثانية إلى فلسطين..وهكذا تفقد ” إسرائيل ” عمادها البشري الذي تدعي أنها تمتلكه وتحميه وتدافع عنه..وهذه مسألة جوهرية بالنسبة لمستقبل دولة الكيان على المستوى القريب وليس البعيد فقط..
ب – فقدان الثقة بالجيش الإسرائيلي وأجهزة الدولة الأمنية وفيها الموساد والشين بيت وغيرها..فحين لا تستطيع توقع وإجتناب وتفادي مثل هذه العملية العسكرية ؛ وحينما تعجز عن مواجهتها والرد عليها في حينها آنيا ؛ تكون قد فشلت وفقدت مصداقيتها أمام الإسرائيليين الذي أوهمتهم أنها لا تقهر ولا تخفى عليها خافية ولا يتطاول عليها أحد..وبالتالي يفقد الإسرائيليون أهم سبب تشجيعي للبقاء في فلسطين ألا وهو الإطمئنان إلى قوة مؤسسات الدولة وقدرتها التامة على حمايتهم..
وهذا بدوره سوف يدفع أعدادا متزايدة من الإسرائيليين إلى مغادرة فلسطين نهائيا..
ج – الرأي العام اليهودي : أسهمت عملية طوفان الأقصى بتعميق الشرخ في المجتمع الأسرائيلي أولا وفي الرأي العام ليهود العالم ..وهو الشرخ الذي كان قد بدأ بالظهور منذ عقود ليست بعيدة..أقلها منذ بناء جدار الفصل العنصري..
فقد تعالت أصوات كثيرة ليهود في مختلف بلاد العالم مستنكرة وحشية دولة ” إسرائيل ” وعنصريتها وحربها لإبادة غزة وشعب فلسطين..وحدثت تظاهرات يهودية كثيرة أهمها في مدينة نيويورك الأميركية وهي أهم مواقع النفوذ الصهيوني والتواجد السكاني اليهودي في العالم..حتى أن نخبة من مثقفي اليهود ومؤرخيهم وعلمائهم باتوا يتبرؤون من أكاذيب العقيدة الصهيونية وكل ألأكاذيب التي أنشئت على أساسها دولة ” إسرائيل ” وتم إختراع ” شعب يهودي ” بناء عليها..
أكثر من هذا فقد تصاعدت حدة رفض الدولة ذاتها وليس فقط رفض ممارساتها الإجرامية ؛ والقول أنها تشكل خطرا على اليهود أنفسهم بما أنها تجمعهم في فلسطين ليتم القضاء عليهم جميعا..ومنهم من يرى أنها لا يحق لها وليست تمثل صحة الموقف الديني اليهودي الذي لا يقبل ولا يعترف بقومية على أساس ديني ..يتزعم هؤلاء وقد باتوا تيارا بارزا حاخامات ومنظمة ناطوري كارتا أي حراس المدينة..
د – الإقتصاد : حينما تستدعي الدولة كل إحتياطيها العسكري لوضعية التأهب للقتال ، تفقد قوة العمل الإسرائيلية القسم الأكبر من مشغليها لأن هؤلاء هم جنود الإحتياط وبهذا تتوقف كثير من المعامل والمؤسسات وتضعف بل تتراجع حركة الإنتاج إلى حد كبير مما يتسبب بخسائر مالية وإقتصادية كبيرة..وإذا أضيف إليها تكلفة العمليات العسكرية والتي تبلغ حسب المصادر الإسرائيلية ما بين 300 إلى 400 مليون دولار يوميا ؛ تكون الخسائر الإقتصادية مرتفعة جدا وهذا بدوره سيضعف قبضة الدولة وثقة الإسرائيليين والعالم بها..
ولولا المساعدات الأمريكية الضخمة لحصل إنهيار إقتصادي حقيقي..
ح – ضعضعة الوضع الداخلي للمؤسسة العسكرية تجلى ذلك بعدم الفعالية أثناء المواجهة ثم الهروب ثم الإمتناع عن الإلتحاق بالخدمة وعدم تنفيذ الأوامر..وقد تحدثت تقارير إعلامية اليوم عن تمرد عدد من كبار الضباط والطيارين..وهذه مسألة كانت لها سابقات لكنها توسعت بعد عملية الطوفان..
خ – على مستوى الإنسان الفرد : فقد تميزت دولة الكيان بحرص شديد على كل يهودي مواطن فيها .فكانت تبادل أسيرا واحد بمئات لا بل تهتم بإستعادة جثة قتيل يهودي ولو بعد سنوات من مقتله كما يحصل في مساعيها لإستعادة رفاة الجاسوس إيلي كوهين الذي أعدم في سورية سنة 1965..
وحينما يقتل العشرات بل المئات من عسكريين وإحتياطيين وتبقى جثثهم في الطرقات لأيام ؛ تسقط هالة القدسية التي تعطيها دولة ” إسرائيل ” لحرصها الشديد على أبنائها أحياء وأمواتا..
ع – إشتهرت في السنوات الأخيرة تكنولوجيا التنصت والتجسس والإتصالات الإسرائيلية وحققت مبيعات عالية لكثير من دول العالم ومنها دول عربية ..وحينما تفشل جميع هذه التقنيات في الدفاع عن ذاتها فإنها ستفقد ثقة الآخرين بها وسوف تنخفض مبيعاتها كثيرا بما يشكل خسارة إقتصادية مهمة ..
غ – العدد الكبير من القتلى يفوق طاقة الدولة ودعايتها على التحمل بما يترتب عليه من ضعف في ثقة المجتمع بها وما يستتبع ذلك من أثمان إقتصادية ومعنوية ونفسية على جميع المستويات..وتأثير ذلك على الهجرة المضادة التي سترتفع بشكل ملحوظ بما يضعف الدولة ذاتها..
ز – إرتفاع أعداد المستنكرين لعدوان الكيان الصهيوني على شعب فلسطين وخنق حريته وإهدار كرامته وحقه في الحياة..وإنكشاف زيف الإعلام الصهيوني الذي يقلب الحقائق ويتمظهر بصفة الدفاع عن النفس وحامي الديمقراطية ومسترجع الحق التاريخي وكلها أكاذيب باتت مفضوحة لأعداد متزايدة من النخب العالمية ورأي عالمي لم يعد قليلا..
والخلاصة أن هذه الأسباب مجتمعة تشكل تعميقا لحالة الإنشقاق التي يعيشها مجتمع الإسرائيليين في الداخل والخارج وتزايدا للهجرة المعاكسة من فلسطين وضعفا في الثقة بالدولة ومؤسساتها وأجهزتها ودعاياتها التسويقية..وهذا كله سوف يوسع آفاق الإنهيار الداخلي المتوقع لدولة الكيان الغاصب..
2 – على الصعيد الفلسطيني :
أ – للمرة الأولى منذ سنوات تعود اللحمة إلى شعب فلسطين ويختفي أثر ذلك الإنقسام الفئوي الذي كاد يقضي على أمل المقاومة والتحرير..فقد وحدت العملية مشاعر الفلسطينيين جميعا وأعادتهم إلى مستوى الإلتزام الموحد بقضية الإحتلال وضرورة مواجهته بكل السبل..وعلى الرغم من أن كتائب القسام هي التي قامت بالعملية البطولية ؛ إلا أنها سرعان ما تحولت إلى مقاومة شعبية واسعة فلم تقتصر على العمل العسكري بل تعدته إلى الصمود الشعبي الرائع والذي بدونه لا تستطيع أية أعمال عسكرية أن تستثمر إنتصاراتها إلى مكاسب سياسية وطنية ميدانية ترفع القضية درجات إلى الأعلى والأمام..فهذا الصمود الأسطوري لشعب فلسطين ليس ملكا لأية منظمة أو فئة ولن تستطيع أية قوة أن تدعي أنها صاحبته فهو موقف شعبي بطولي ينبغي إستثماره لصالح القضية ومقتضياتها وليس تجييره إلى أية جهة كانت محلية أو خارجية..
وعلى الرغم من أن مواجهة تشمل كل أرض فلسطين كما هو حاصل في غزة الآن ؛ إلا أن العملية والإنجازات والصمود الرائع خلق الأرضية الصلبة والمستعدة لإنتفاضة واسعة تستتبعها مقاومة مدنية شاملة في كل فلسطين وهي إذا ما بدأت سوف تدخل دولة الكيان في نفق التفكك الحقيقي والإنهيار..
ب – إبراز قضية فلسطين : أعادت العملية قضية فلسطين إلى مقدمة الإهتمام العربي والعالمي بعد أن كاد يفقدها التخاذل والتواطؤ والتطبيع ألقها وأهميتها ..عادت هي محور الإهتمام الشعبي العربي ( وحتى على مستوى السياسة العالمية ) ؛ وقلب قضية التحرر الوطني والقومي والتنمية والبناء والتقدم..وهي مسارات لن تتقدم ما لم يتم وضع حد نهائي للإحتلال الصهيوني لأرض فلسطين..
عادت قضية فلسطين إلى الواجهة والصدارة مزودة هذه المرة بإنجازات ومتغيرات هامة في صالحها ..ولو توفرت مؤسسات موضوعية تعمل في إستثمار وتوظيف هذه المتغيرات بشكل علمي مخطط ومدروس لأنتجت وقائع إيجابية هامة ..
ج – الأمل والثقة : أعادة إنتاج أمل كبير بالمستقبل وثقة عالية بإمكانية تحقيق إنتصار على العدو الصهيوني رغم كل الظروف المعاكسة ..وعلى الرغم من الثمن الباهظ جدا الذي يدفعه شعب فلسطين أرواحا شهيدة ودمارا هائلا وتهجيرا ونزوحا وآلاما وقهرا وحرمانا ؛ إلا أن الصمود والتمسك بالأرض ورفض كل محاولات التهجير القسري ؛ سوف تمكن المقاومة الشعبية من إنتزاع مكاسب سياسية ووطنية هامة جدا بفضل ما إستعادته من ثقة بالنصر وأمل بتحرير الأرض..
د – سقوط نهج التسوية السياسية مع دولة العدوان..فهو لا يفهم غير لغة القوة والبطش والتدمير..لأنها أصلا تنبع من عقيدته الصهيونية المغلفة بإدعاءات دينية زائفة وتبرر له قتل الآخر الذي لم يخلقه الله إلا ليكون عبدا في خدمة بني صهيون..وعلى الرغم مما أعطته إتفاقية أوسلو من تنازلات إلا أنه لم يلتزم بأية بنود لصالح الفلسطينيين وردت في الإتفاقية..ومثل ذلك في إتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة وسواها ، ما خفي منها وما أعلن..
ح – تراجع سطوة ” إسرائيل ” في المنطقة وعلى المنطقة بفعل إهتزاز هيبتها وتعاظم إجرامها وعدوانها الشامل حتى لبات المطبعون يخجلون من فعالهم المشينة ولو إلى حين ..
والخلاصة أن أهم ما في العملية في الجانب الشعبي الفلسطيني هو إستعادة الوحدة الشعبية بعدما هددتها وشرختها إتفاقيات أوسلو المذلة وأحداث أخرى لاحقة..كما عودة الثقة بالمقاومة طريقا وحيدا للتحرير وتحصيل الحقوق..فلن يكون بوسع المتخاذلين من أتباع أوسلو بعد اليوم أن يتحدثوا عن تسويات سياسية أو تنسيق أمني أو مفاوضات عقيمة..
هذا أوان إسترجاع منظمة التحرير من قيود أوسلو ومن البيروقراطية والحسابات الوظيفية الفئوية وإعادة تنشيط مؤسساتها المتعددة لصالح قضية الصمود والمقاومة والإستثمار..
وعلى النخب الفلسطينية المنتشرة في كل بلاد العالم لا سيما في الغرب ، الإسراع بتشكيل مؤسسة حوارية جادة تعنى بالتواصل والحوار والتعاون مع كل النخب العالمية التي إرتفعت أصواتها منددة بالعدوان الإسرائيلي ومتبرئة من الفكر الصهيوني الإجرامي..وفي مقدمتها أصوات النخب اليهودية ذاتها..
مؤسسة تفعل التواجد الفلسطيني في العالم وتستثمر الطاقات العربية الشعبية الهائلة في كل المجالات في أنحاء العالم كله ..
لم يعد للكلام الغوغائي مكان..وأول الكلام الذي ينبغي أن يسقط فكرة الصراع الديني بين المسلمين واليهود..فالصراع وجودي بين العرب الأحرار والصهيونية المجرمة..وكثير من العرب وخاصة من المسلمين يقفون في صف العدو الصهيوني ..كما أن كثير من اليهود لا يناصرونه بل يواجهونه ويفضحون كذبه وإجرامه..هذا على الرغم من أن الإسلام والإيمان الديني يلعب دورا حاسما في إندفاع المقاومة وتعزيز الصمود وتقبل التضحيات الجسيمة..
ومما لا شك فيه فقد حفلت العملية البطولية بدروس ونتائج كثيرة تحتاج إلى دراسة وتفصيل وفي مقدمتها دور الغرب الإستعماري الحاقد وتوجهات نخب عربية غير رسمية نحو تقليده أو محاكاته فيما يسمى الحداثة والديمقراطية وحقوق المرأة وحقوق الإنسان وغيرها من الشعارات المضللة..كذلك دور الإعلام والحرب النفسية والصراعات الدينية..فضلا عن الجوانب الإنسانية في الصراع العربي – الصهيوني..ومجالات وميادين الصراع ذاته..أما مستقبل العالم في ظل هكذا قوى عدوانية وحشية تسيطر عليه فيحتاج إلى دراسات حضارية وإجتماعية موضوعية تمهد لإيجاد بديل حضاري إنساني أخلاقي يحكم العلاقات العالمية..