الكيان الصهيوني و الهدن الهشة
الكيان الصهيوني والهدن الهشة
أ. محمد علي صابوني
ليست المرة الأولى التي يتم التوافق فيها على هدنة إنسانية بين حماس والكيان الاسرائيلي, وقد اتفقت “إسرائيل” مع حماس مؤخراً على هدنة لمدة أربعة أيام، وسط آمال بنجاحها على عكس ما أثبتته تجارب الماضي، حيت كانت اتفاقيات وقف إطلاق النار “هشة” وسريعة الانهيار، وفق تقارير دولية
فقد ذكرت تلك التقارير إن تاريخ النزاعات بين إسرائيل وحماس مليء باتفاقيات وقف إطلاق النار والهدن التي سرعان ما تم خرقها من الجانب الإسرائيلي، مشيرة إلى أن الأمر أصبح دورة مألوفة فتتم فترة التصعيد العسكري وتليها موجة من المفاوضات بوساطة أطراف أخرى، فوعود بتخفيف الحصار ووقف الأعمال العدائية، ثم تليها فترة من الهدوء الهش.
وقد شهدت المنطقة عددا من الهدن واتفاقات وقف إطلاق النار التي جمعت بين الفلسطنيين والكيان المحتل.
ففي أيار/مايو من هذا العام ، توسط المفاوضون المصريون في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي في غزة، منهية خمسة أيام من الاعتداءات الاسرائيلية أسفرت عن مقتل 35 شخصاً.
وفي شهر أيار/مايو وحتى حزيران/يونيو من عام 2021، استمر الاقتتال بين الطرفين 11 يوماً وقد مثل أسوأ اندلاع للعنف في غزة منذ عام 2014، حيث خلف 230 قتيلا من سكان غزة قبل أن ينتهي باتفاق لوقف إطلاق النار، وبعد أقل من شهر واحد، ضربت الغارات الجوية العسكرية الإسرائيلية أهدافا داخل غزة.
وفي تموز/يوليو وحتى آب/أغسطس من عام 2014، اندلع صراع كبير بسبب اختطاف ثلاثة إسرائيليين في الضفة الغربية، وبعد ستة أيام من بدء إسرائيل قصف غزة، اقترحت مصر وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه إسرائيل، ورفضت حماس ذلك، قائلة إنه لم تتم تلبية أي من مطالبها، واستؤنفت الغارات الجوية الإسرائيلية وكذلك إطلاق الصواريخ من غزة، وأعلنت مصر اقتراحا لوقف إطلاق النار بعد يومين، لكن إسرائيل أرسلت بعد ذلك دبابات وقوات برية كما بدأت بإطلاق النار على غزة من البحر.
وبشكل عام تم التوصل لتسع هدن قبل أن ينتهي النزاع بعد 51 يوما من الاقتتال الذي أودى بحياة أكثر من 2000 فلسطيني و70 إسرائيلياً.
وانتهى صراع دموي كبير دام ثمانية أيام بين إسرائيل وحماس، في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2012 بوقف إطلاق النار، الذي تفاوضت عليه الولايات المتحدة ومصر، وبمذكرة تفاهم من صفحة واحدة تركت العديد من القضايا التي أشعلت العنف دون حل والتي كانت قابلة للمزيد من المفاوضات، وفق صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
بعدها انتهكت إسرائيل وقف إطلاق النار وذلك باستهداف صيادين مدنيين ومزارعين اقتربوا من “المحيط الأمني” على حد تعبيرها.
أما في كانون الثاني/يناير عام 2009، أعلنت إسرائيل وقف إطلاق النار بعد حرب استمرت 22 يوماً على حماس قتل فيها أكثر من 1300 فلسطيني و 13 إسرائيليا ، مدعية بأنها “حققت أهدافها”, وأعلنت حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية وقف إطلاق النار بعد ذلك بوقت قصير.
وفي حزيران/يونيو عام 2008، توسطت مصر أيضاً في هدنة مدتها ستة أشهر بين حماس وإسرائيل، منهية فترة شهدت إطلاقا مكثفا للصواريخ من غزة وغارات جوية إسرائيلية.
وبحلول تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2008، كان وقف إطلاق النار قد انهار، حيث اتهم كل جانب الآخر بالفشل في الالتزام بالشروط.
أما بعد هجوم حماس الأخير، في 7 من تشرين اول/ أكتوبر، والرد الإسرائيل العنيف على غزة وبناها التحتية وأبنيتها السكنية، توصلت قطر إلى جانب مصر والولايات المتحدة إلى اتفاق هدنة لأربعة أيام قابلة للتمديد والتي تنص على تبادل 50 رهينة محتجزين في غزة بـ 150 معتقلاً فلسطينيا لدى إسرائيل.
وبالفعل فقد بدأ تنفيذ الاتفاقية بتسليم قسم من المحتجزين لدى حماس مقابل عدد من المعتقلين الفلسطينيين لدى الكيان الإسرائيلي، لكن يبدو أن هذه الهدنة أيضاً مهددة بالانهيار بسبب عدم التزام الاسرائيليين ببنودها حيث صرحت حماس ببيان لها: “إن الاحتلال خرق الاتفاق عبر إطلاق النار في أكثر من موقع بغزة ما أدى إلى استشهاد اثنين”.
وأضاف البيان أن “الاحتلال لم يلتزم بالبنود المتعلقة بإدخال الشاحنات”، مؤكدا أنه “إذا لم يلتزم الاحتلال بإيصال المساعدات إلى شمال غزة فإن ذلك يهدد الاتفاق برمته”.
وبصرف النظر عن ما قيل ويقال حول حيثيات “الهجوم الحمساوي” على المستوطنات الإسرائيلية المغتصبة ونتائجه إلا أن الثابت أن الكيان الإسرائيلي لم ينجح في تحقيق معظم أهدافه التي أعلنها بالتزامن مع بدء الهجوم على غزة
ووفق محللين عسكريين إسرائيليين، فإن وقف إطلاق النار المؤقت الأخير هو بمثابة انتصار لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وانتكاسة وتقويض للأهداف الإسرائيلية المعلنة بشأن الحرب، وذلك بالتناغم مع تقديرات محللين سياسيين إسرائيليين أكدوا أن الصفقة ملزِمة، بسبب “الواجب الأخلاقي” تجاه المحتجزين في قطاع غزة -على حد تعبيرهم- والأهم بسبب فشل حكومة “بنيامين نتنياهو” في تحريرهم بعمل عسكري، بل وتسببت هجماته بمقتل عدد منهم، والذي زاد من خيبة أملهم أن حماس والفصائل الفلسطينية ما تزال تحتجز أعدادا كبيرة من الإسرائيليين المدنيين وكذلك العسكريين، وبالتالي فإنها ستواصل مناورات أخرى في الحرب، وأيضا ستصعد من الحرب النفسية الموجهة ضد الإسرائيليين بهدف التوصل إلى صفقة تبادل كاملة تشمل قدامى المعتقلين الفلسطينيين لدى الكيان الإسرائيلي وهذا ما يقلق ويؤرق الساسة الإسرائيليين.