ثلاث نساء: نص مسرحي
ثلاث نساء: نص مسرحي
أ. حميد عقبي
المكان / يبدو المكان أشبه بباحة بيت ريفي، تظهر عدة حبال لتعليق الغسيل، حبل في اليمين، حبل في اليسار، حبل طويل في العمق وحبل رابع بمقدمة المسرح، عدد من الملابس الرجالية معلقة بحبل اليمين، في اليسار ملابس أطفال، في العمق شراشف نوم معلقة، بالمقدمة ملابس نساء..سلل من الملابس وطاوات الغسيل البلاستيكية، أواني طعام وجرادل للماء وبعض الألعاب الخاصة باطفال والتي تنتشر بشكل عشوائي على أرضية المسرح، هذه الحبال والملابس المعلقة تخلق منظرا ومناخا قريبا للفنتازيا.
يبدو أن الوقت قبل الغروب
الشخصيات ثلاث نساء
مريم بسن الاربعينات
سارة بالثلاثينات
ليلى شابة بالعشرينات
يظهر المسرح بهذا المنظر ملابس متنوعة معلقة دون ترتيب بعضها مبتل وبعضها يكون جافا.
يخيم السكون في اللحظات الأولى
نسمع ضربات تبدو صادرة على قيرونة غسيل ملابس معدنية، يستمر الصوت دون ظهور أي شخصية
يتوقف للحظات، يعود السكون
يعود الصوت أكثر قوة وبايقاعات متنوعة، ثم يتوقف نهائيا
تظهر مريم، امرأة بالربعينات، تلبس جلابية سوداء، تلف رأسها بشال أسود، تمسك بيديها قيرونة ومطرقة، تأتي من العمق بخطوات بطيئة، تتقدم نحو الحبل بمقدمة المسرح، حيث عليه ملابس نسائية متنوعة، تزيل بعضها وكأنها تريدنا ٱن نراها ولكن دون أن تتجاوز حبل الغسيل بمقدمة المسرح ورغم أنها تبدو مشتته الذهن في حركتها، إلا أنها عندما تصبح بالمقدمة تتراجع مذعورة، تبدو القيروانة بيدها في حالة سيئة.
تعيد الضرب بطرقات ثم تتوقف
مريم تهذي لوحدها يمتزج التهكم بالحزن :ـ
كانوا هنا يثيرون الضجيج ويعبثون بكل شيء، بقت ألعابهم فقط
(تنظر لبعض ألعاب الأطفال)
هذه القيرونة اللعينة ربما أحدى الغبيات داست عليها، كان الرجال يزعجوننا بطلباتهم النهارية والليلية أيضا، في الليالي القمرية كهذه يكون مزاجهم عاليا، لا يعلمون تعبنا بالنهار بين الغسيل والمسح والطبخ والأولاد، نعم الأولاد والبنات تحدث بين عراكات وأحيانا نفكها بصعوبة، كانت هنالك حياة، نعم حياة…
تعود لتصلح قيروانتها، تتحرك بشكل عشوائي، تصتدم قدميها ببعض ما يوجد على الأرضية.
تهمهم مريم ربما يعودون، ربما يعودون
يأتي صوت نسائي من اليمين هو صوت سارة
صوت سارة :ـ
وربما لا يعودون، قد لا يعودون
مريم :ـ
ربما يعودون فالأرض تبكيهم كلما تشرق الشمس، تشتاق لتوديعهم عند الغروب، البحر يحلم أن يغسل أقدامهم ويتذوق ترابا غير مالح، الموج يمازحهم، هاهو الآن وحده يضرب بعضه بعضا
صوت سارة :ـ
قهقهة
تقولين كلاما شعريا .. منذ متى أصبحت شاعرة يا ست مريم نسميك مريم الشاعرة الآن، طال غيابهم يكفي شعرا وعويلا وأمنيات
تتقدم مريم، كأن سارة أمامها ترد عليها :ـ ذهبوا مجبرين، انتزعوهم منا، كانوا لا يعرفون إلا الفؤوس يضربون الحجر ليرون الأرض، أسمع صفعات الريح تلهو ببقايا ..
تقاطعها مرة أخرى
سارة :ـ
تحدثي دون سجع لن يصفق لك أحد، لا حد يسمعنا أو يرانا، ربما الموت وحده يستمتع بعذابنا، لماذا يتركنا بعد أن أخذ كل شيء
تتحرك مريم كأنها تبحث عن سارة، تتحرك بين الملابس وتنزع بعضها ثم تعيدها، كأنها تكشف لنا المكان وتدفعنا لإستكشاف هذا الفراغ، فوراء حبال الغسيل حبالا أخرى لكن لا تعثر على سارة
مريم :ـ
اللعنة عليها العاهرة…تقهقه …عاهرة .. لا رجال هنا..ربما كنت .. اللعنة لوساوس الشيطان.. شهور وشهور من الضماء
هنا تظهر ليلى بملبس انيق وشعرها المسرح
ليلى :ـ
لا تكفان عن العراك والنقاش وذكر الغياب ونفس الأسئلة ربما يعودون .. أنا متأكده أنه سيعود
تنشغل مريم بترتيب الملابس التي سقطت تمسك شميزا رجاليا أبيضا تتأمله، تتقدم خطوات نحو مقدمة المسرح
تتوقف ليلى للحظة تنظر إليها ثم تسير لمواجتها
ليلى :ـ
احضنيه قبليه ضميه لصدرك ..أنظري لهيئاتك ماذا لو عاد بعد لحظات؟
سيرى بقايا امرأة متهالكة.. اهتمي بنفسك
تطرق مريم برأسها للحظات، ترفع رأسها، كأنها في حلم
مريم :ـ
سيطوقني بذراعه، ساشتم رائحة عرق جسده، سأبكي
تصمت للحظات
سيسألني عنهم ..
تتغير لهجتها ونبره صوتها كأنها ترد على سواله
مريم :ـ
أنت ذهبت ولم تعد ..قلت لك أخشى أن لا تكون مجرد أياما وتعود منتصرا تحمل الأوسمة
قلت لي لست مخيرا
مرت الأيام ثم الشهور، جاعوا، مرضوا، تألموا، سالوني عنك
ودعتهم واحدا بعد الاخر
غسلت أجسادهم بماء الورد والماء المبرد
حدث هذا في كل بيت
مع كل امرأة
اذهب إلى الأرض هي تحتضنهم
يبدو أن ليلى غير معجبة بهذا الحوار، تنسحب بهدوء
تظل مريم في هذيانها
مريم :ـ
أنت مرهق..أظن أن الأمر لم يكن سهلا..دخان وخنادق، جوع وعطش، خوف بلا فرح
أعلم أنكم قاسيتم كثيرا ..كنا نتابع أخباركم ونسمع الأغاني الحماسية وبيانات النصر
ثم لم يعد هنا إشارات فصمت التلفاز ثم المذياع وأنت تعرف لا صحف تصل هنا
تعال ساغسلك، سأغسل ، ساتمرغ بصدرك وأخلع هذا السواد
ضمني إليك عارية
تتذكر بعد عرسنا
بعد ليلة الدخلة، كنا أغبياء، لم نفعلها كما ينبغي
نعم لقد استحيت
تتحرك، متخيلة المكان كأنه غرفة النوم
مريم :ـ
حسنا أغلق الباب بإحكام، لا داعي للضوء..قد يسمعونا ونحن
نفعلها
كممت فمي لأني كنت خائفة أن أصرخ
لم أمنحك قبلات من شفتاي وأنت تفعلها
كنت أظن أن البكارة، نهر من الدم يملئ الشراشف
حشوا في عقولنا تلك الصور
فعلناها بشجاعة أقصد بخل، كنا نكررها بخجل
أنت تراها واجبا شرعيا أو لتغتسل الصباح ويراك أهل القرية بشعرك وجسدك المبلل
أنا بقيت أخجل
عندما رحلت، هبطت جدران الوحدة، اشتقتك وتمنيت أني اختزنت كل ملامح جسدك، وثلجت رائحتك، يديك وهي تلامس بوقاحة جغرافيا أنوثتي.
يأتي صوت طرق على قيرونة غسيل الملابس ، تكون سارة من يدق بعنف، ثم تتوقف مريم.
سارة ضاحكة :ـ
تجرجرين شريط ذكريات الماضي الذي لا ينتهي
تتقدم سارة لتتمسرح بحكيتها، تتفاعل مع كل حرف وكلمة، تتحرك من اليمين إلى اليسار، تستخدم الملابس المعلقة كأنها شخوصا وأمكنة
سارة :ـ
أنت يا ليلى تعال إلى هنا، يبدو أنها مشغولة، تمشط شعرها وتزيل الشعر الزائد لتكون كبلورة طازجة يبتلعها فارسها الذي لم تعاشره إلا ليلة واحدة في ظلمة صامتة، نعم كلنا حدث معنا، نفس تفاصيل المشهد، ظننت أنا أنه سيحملني كاسندريلا ، يشبعني قُبلات ومداعابات، كان الجميع خلف الباب ينتظرون الشراشف، غرسوا أذانهم باب والجدران ليسمعوا صرختي وضحكته، ليخرج إليهم، يمسح شاربه ، أخذت أمه الشرشف وعاينت تلك البقع، بكت ٱمي فرحا، زغردت، كنت غير مدركة لم استوعب بعد كانت غرزه قوية وموجعة، طعنة باداته ليرفع رأية نصر ذكورته ويتفاخر بين أقرانه أنه فعلها في دقائق سريعة، لا سأنتصر الآن ولو عاد ساركلة كجرو أجرب وأنتصر لهزائمي.
تكون ليلى واقفه يبدو أنها وصلت خلال حديث سارة
ليلى تصفق :ـ
ربما يعودون بشوق ويعترفون بخطاياهم
سارة بأسف :ـ
قد يعودون منكسرين
مريم :ـ
ربما منتصرين
ليلى :ـ
أو مهزومين
سارة :ـ
حفاة، عراة مكسورين
مريم :ـ
لندعو لهم بالنصر والسلامة
ليلى :ـ
كيف سنستمتع بأياديهم الملطخة بدماء وعفن البنادق والبارود
سارة :ـ
قد يعودون بلا أيادي أو أقدام مبتورة
في خلال هذا الحوار ترتفع درجةالتفاعل ويستخدمن الملابس المعلقة أيضا والأشياء تكون الحركة نشطة
مريم :ـ
نحتاج لعودتهم لنزرع في هذه القرية الحياة، ليعود ضجيج الأطفال، لتعود للأرض خضرتها وللماء بهجته.
هنا نسمع صوتا يشبه الرعد
يثير رعب النساء الثلاث بسرعة ليلتقطن بعض الملابس
يصبح الضوء ضعيفا
يتضخم الصوت وكأنه هدير مدافع
تتحرك الشخصيات بشكل عشوائي
يضعف الضوء أكثر وأكثر ليصل حد الظلمة.
نعيش لحظات صمت وعتمة تامة٠
يعود الضوء بالتدريج، تكون النساء الثلاث واقفات، صامتات، يقن في شكل مثلث، يتبادلن النظرات، يحدقن في الأعلى ثم يحدقن في المكان، نفس المنظر لم يتغير فيه شيئا٠
تضحك سارة بسخرية :ـ
قلت لكم حتى السماء تسخر منا٠٠رعد وبرق وظلمة ثم لا شيء٠
لا مطر٠٠ لن يهطل هنا، سيهطل بعيدا، كل شيء يذهب ولا يعود
لنا فقط الخوف٠٠يرفض أن يرحل، والحزن أيضا يستوطننا ويغرس جذوره في دواخلنا يذهب إلى أعمق نقطة في أرواحنا المرهقة.
تتنهد مريم، كأن في حلقها كلاما كثيرا تعجز أن تحرك شفتيه للحظات٠
مريم :ـ
هي الحرب لا تبقي ولا تذر٠٠السماء أيضا نالها من الأذى كما نال الأرض٠٠أتظنون أنها مجرد سقفا أزرقا لا يشعر ولا يتألم٠
الطبيعة مثلنا تحزن وتتوق للفرح٠٠أرى السماء كمرآة تختزن الذكريات الجميلة ..ليلة الحناء والزفة ..فجر يوم رُزقت فيه بأول طفل وأغاني السبوع.. ثم توالت الأحداث، أمتلى البيت بالأطفال والأعياد اكثيرة والزوار وشغب الأطفال وضحكاتهم تزخرف كل زواية وشبر..كان هنا حياة وجيران وحكايات.
تتدخل ليلى لكسر حجم الكأبة بمرحها وتفاؤلها :ـ
يا بنات يكفي بكيتم كثيرا..أنا مازلت في العشرينات ذقت فقط ليلة وأحدة بل ساعات قليلة من القبلات والأحضان، سأكون أكثركن تعاسة وحرقة لو لم يعد حبيبي.
لا أعتقد أنه سيتعلم القتل والعنف والقسوة.
تضحك سارة، تتحرك لتكون مقابلة لها كأنها ستخوض معها مواجهة صادمة.
سارة :ـ
بل سيتعلم كل شيء..القتل والعنف وسيصبح قلبه صلبا.
أتظنين الحرب لعبة صغيرة نخرج منها طيبين؟
الحرب هي الحرب..قاتل ومقتول
حارق ومحروق
نحن احترقنا جميعا..قتلونا غيبيا
تركونا مع أطفالنا ومواشينا وزرعنا على سفح هذا الجبل
ماذا بوسع مجموعة ضعيفة من النسوة أن يفعلن عندما تنقلب الحياة إلى موت ويغيب المطر؟
تتحرك مريم لتكون في الوسط تقدم وجهة نظرها.
مريم :ـ
كان بوسعنا أن نصمد وتصمد الحياة بكل طرواتها وضجيجها لو لم تكن حربا ضروسا قوية ومدمرة..لم تكن حربا صغيرة ولا ناعمة..ماتزال تكبر وتتضخم وتغتال، لم يكفها ما فعلته بنا من بشاعة.
ليتهم يعودون لنبكي معهم ذكرياتنا الجميلة.
فقط لو عادوا بالسلامة سينسون قسوة الحرب ربما يستغرق الأمر أياما أو أسابيعا أو شهور.
النبات الطيب لا يثمر شوكا وهم من أرض طيبة لم تنبت شيئا ساما.
تتحرك ليلى لتخرج من المثلث، تخطو خطوات نحو الأمام تتنهد، تبتسم.
ليلى :ـ
امتلأت قلوبنا بالأحزان والأحزان ما تزال تهطل بغزارة يليها هطول الرعب الذي يأتي مع الظلمة
لنفكر معا بشيء ما يهون أيام وشهور الانتظارات..لنلعب لعبة ما فكروا معي..يكفي ترديدا لحكايتنا ربما حكايتنا حكاية مئات القرى المعزولة سلبتها الحرب الحياة وقتلت الأطفال وسرقت الرجال إلى ميادينها وخنادقها الرطبة الباردة والمتعفنة، مثلنا الآلاف من النساء المنتظرات في مناطق نائية لا يصلها أحدا..أعتقد أن بعض النساء ذكيات وهن ربما يلعن لعبة الأمل والبقاء لحين عودة الرجال أو أن تنتهي هذه الحرب ونجد منقذا..هيا يا بنات فكروا بلعبة حتى لا تقتلنا الانتظارات.
تتقدم مريم وتسحب ليلى بيدها وتجرها إلى الخلف لتأخذ المكان الذي تقف فيه.
مريم :ـ
أنا أمراة أربعينية وكان لي سبعة أولاد وثلاث بنات، ربما كنت الآن جدة، حرمتني الحرب الأمومة وأن أكون جدة وربما لن يكون لي زوج.. أحتاج إلى سنوات للبكاء، دموع كنهر الفرات وقلب كقلب الخنساء..ليلى كيف تفكرين بهذه الأفكار اللعينة ليس لدي وقت اهدره دون بكاء وحزن.
تتقدم سارة وهي تحافظ على طبيعتها الساخرة، تسير خطوات تحجب الرؤوية عن مريم.
سارة :ـ
كان بعض الرجال أوغادا قبل الحرب وقد يعودون سالمين وأوغادا أيضا
ربما أقل من عشرة بالمئة من الرجال لا يكذبون ولا يخونون زوجاتهم..قد يعودون أكثر بشاعة ونهما..بعد جوع السنين سيشتهون الكثير من الأكل والحلوى والملذات..سيعتبرون أنفسهم أبطالا ولن تكفي الرجل الواحد العائد أمراة واحدة سيقولون نعمة الله وشرعة مثنى وثلاث ورباع..أتظنون أنهم سيقدرون تضحياتنا وانتظارتنا كل هذه السنوات الطويلة..مريم أنتِ كنتِ في الأربعين والآن تطرقين بوابة الخمسين وأنا لم أعد في الثلاثين وأنتِ يا ليلى لم تعودي فتاة عشرينية، العمر يجري والسنوات تركض بنا إلى الضعف نفقد نضارة وجوهنا ونعومة أيادينا وقد لا نكون بالنسبة لهم مثيرات..ربما هم يتمتعون مع غيرنا..الشرع والعرف والقانون يًحل لهم كل شيء.
تسير ليلى عدة خطوات نحو حبال الغسيل تأخذ فستانا قصيرا وتتلمسه، تتقدم بخطوات مرحة تكسر مناخ التوتر والكأبة.
ليلى :ـ
أنا أيضا حزينة وقلقة وأنتظر ما تنتظرونه وأخاف ما تخافونه ..لنفكر بأنفسنا قليلا، لنعيش ولو بعض الوقت خارج الحرب وما تفعله وستفعله بنا.. مثلا لنلبس ما نحبه لأنفسنا..كلنا مانزال جميلا..لنخيط لأنفسنا ملابس جديدة من القماشات الحريرية الملونة التي أهملناها في دوليبنا، لنغير مثلا قصات شعورنا..نلون ونقلم أظافرنا..نبتكر نقشات حناء أو حتى بعض الوشم..لنغني ونتعلم الرقص أو الرسم، لنفعل كل الأفعال البعيدة عن الموت والحزن.
تترك مريم الحديث وتتجه نحو طست الغسيل، تأخذ شال زوجها تعصره بيديها وتنشفه وكأنه غير مقتنعة تماما بحديث ليلى ثم تأخذ القيرونة المعدنية وتضرب عليها عدة ضربات.
مريم تصرخ في رفيقتيها:ـ
أنتن تعالوا نرفع الغسيل ونعصره وننشف الملابس سيحل الليل ربما بعد ساعة..بدل أن نفكر في لعب سخيف، لنفكر بحرث الأرض إن لم تُمطر فالندى الفجري يرطب الأرض قليلا، تذكروا أننا ثلاثة أنفسّ في المكان ولا نعرف غيره.
تتقدم سارة تأخذ من الحامل شميزا لزوجها، تتقدم خطوات ترميه وتدوس عليه بقدميها وعلامات الغضب تبدو على وجهها.
تأتي مريم لتلتقط الشميز، تدفعها سارة، تحدث مشاجرة صغيرة، تظل ليلى متفرجة إلى أخر لحظة، تتدخل لفك النزاع، تصر سارة على رمي الشميز ودوسه بقدميها.
سارة :ـ
سأحرق كل هذه الثياب القديمة لم يكن زوجا صالحا ولا أظنه سيعود ليعتذر ذيل الكلب عمره ما ينعدل..لا أظنه سيبكي أطفالنا كما بكيتهم..كان أول المتحمسين للمغادرة إلى الحرب ربما ظن عودة عصر السبي والجواري وما ملكت الايمان..بعض الرجال أغرتهم خيالات مريضة..أتفق مع يا ليلى لنلعب لعبة الحياة الحلوة لنعيشها ولو ليوم وأحد لأنفسنا.
تتقدم ليلى مبتسمة، تقترب من سارة، تحتضنها.
ليلى :ـ
أحرقي ملابسه أو دوسيها كما تحبين.. حسنا ما رأيكن نبدأ بلعبة الكراسي.
ترد عليها سارة :ـ
نحن فقط ثلاث نساء ستنتهي اللعبة بسرعة ولا يعمل جهاز أشرطة الموسيقى وحتى الأشرطة تحتوي أغاني يحبها الرجال..لم تكن لنا موسيقانا الخاصة قدرنا أننا في منطقة نائية بعيدة جدا عن المدينة.. كنت أسمع أن بنات المدينة يذهبن إلى الأسواق والمدارس ويجيدن الغناء والرقص..ليتني كنت من بنات المدينة.
تصفق ليلى كأنها تؤيد كلام صديقتها سارة، تتقدم وهي تمسك يد سارة ومريم لتخبرهم بمعلومة جديدة.
ليلى :ـ
أتعلمون أن هناك حرية في المدن الكبيرة ..يمكن للمرأة أن تحب رجلا ويحبها ويتزوجان ويمكنها تطلب الطلاق لو ضربها.
تكون ردة فعل مريم وسارة مثيرة يسألنها بنفس السؤال معا بنفس الوقت.
سارة ومريم :ـ
حب قبل الزواج؟ طلاق لو ضربها؟
تكمل ليلى مؤكدة ما تقوله بثقة :ـ
نعم أصبح للمرأة حقوق نحن لا نعرفها لأننا بمنطقة نائية ومعزولة..حسنا لنبدأ من اللحظة نزيل أغطية رؤوسنا نحن ثلاث نساء بوحدنا..لماذا نرهق رؤوسنا بهذه الأغطية البالية؟ لندع شعرنا يتنفس ويداعبه النسيم وأشعة الشمس.
تبدأ ليلى من نفسها وتزيل الشال من على رأسها، تكون مريم متسمرة ومتجمدة كأنها في حالة صدمة..تبدو سارة أكثر تفهما كأن الفكرة راقت لها، تفتح عصاب غطاء شعرها وتزيله وتجعل الشال على كتفيها، تحرك رأسها ويبدو أنها شعرت بأحساس جميل.
يزداد جمود مريم، تحضها ليلى بايمائة من رأسها، تظل سارة تحرك رأسها وتخطو كطفلة صغيرة ترغب بالرقص، تقترب ليلى من مريم تشجعها أكثر.
ليلى :ـ
هيا تشجعي يا مريم..نحن ثلاث نساء لا يوجد رجال.
تردد مريم :ـ
لكنه عيب نكشف شعرنا وتصير رؤوسنا عريانة.
تقترب منها سارة تشجعها أيضا.
سارة :ـ
العيب والخيبة ونحن نعصب رؤوسنا وينمو ويتكاثر فيه القُمل والبراغيث تمتص دمنا .. الله عليك يا ليلى من فين لك كل هذه الأفكار..عقلك يوزن بلد.. ليتك أخرجتينا من الاكتئاب هذا من زمان ونحن ندفن أنفسنا بالحياة.
بتردد وحركة متوترة ومترددة، تبدأ مريم تزيل غطاء الرأس كأنها تخوض صراعا داخليا أو هي العادة والتعود..ثم أخيرا تتشجع وتزيل القماشة من على رأسها مما يثير فرحة وهتافات وتصفيق حاد من صديقتيها، حيث تمتزج الفرحة مع التصفيق والرقص والغناء حول مريم والتي ماتزال ترى نفسها غريبة بعض الشي، مع لحظات الفرح وارقص والغناء، تبدأ تبتسم كأنها شعرت بالتوازن الداخلي والقوة لكسر أول التابوهات الكبيرة .
مع بعض الهدوء تردد مريم
عبارة
والله عندكم ..ما أحلى النور وما أقبح الظلمة والظلام..حرية، حرية..نور وشمس ونجوم وقمر وشموع.
.هنا تخفت الأضاءة مع سماع ضربات الرعد، رغم ذلك تستمر ضحكات وفرح الصديقات الثلاث.
www.youtube.com/@aefctarabeuropean-hamidoqabi
حميد عقبي، كاتب، ناقد ومخرج سينمائي وفنان تشكيلي..يمكنكم متابعة نشاطاته الإبداعية عبر قناته بالرابط اعلاه.