هنا على المائدة صحنٌ فيه بقايا من الزيت والزيتون ورغيف خبز يابس يطفو عليه بقعٌ من العفن فيتسلل اليّ رائحة الخبز الطريّ يخترق كل شيء فينبعث معه سؤال وهل هنا كسرةَ خبزٍ واحدة أو طعام ؟ وهل ملعقة زيت تكفي لطهي الطعام او تغميسه ؟ لابأس سنطهو كيس من البقول أو الأرز ولكن هل كيس واحد من البقول أو الارز يكفي لإطعام أسرتي وافراد من العائلات الاخرى وأسرة جيراني معا ؟ تأججت معركة الطهو على الموقدة فقد أستبسلت قبل أشتعالها وليس هناك من الحطب والجمرات ما يبقيها مشتعلة لوقت طويل تحتاج للكثير من الكرتون الممزق للاشتعال؛ وهنا كل شئ ملوث الماء والدخان الصاعد وقد مرض أحد الأفراد وليس هناك داعي للذهاب للطبيب فالطبيب لم يعد على قيد الحياة والمستشفيات لم تعد موجودة لا بأس يمكن العودة قليلا للوراء الى التداوي الشعبي نتبع وصفات الجدات بعض الجدات نصحوني بأن اسقيه الماء الكثير بسبب حالة الجفاف ويمكن أن تكون أيضاً حالة التهابية والماء لم يعد نقي وغير متوفراً. حان الغروب وهل لي أن آوي للنوم ! أن أغمض عينيّ والليل ينوح والجحيم في رأسي فنحن هنا نقبع على قيد الحياة قليلاً ، ألمٌ يتغذى على سكينة أروحنا وهذا التشوه في روح الانسان أصعب بكثير من دمار الحروب على العمران ومقومات الحياة فكيف تُصلَح تشوهات ارواحنا؟ لكننا نمتلك ذاكرة فريدة لايشوشها ولا يفسدها تلوث الطعام والماء والهواء، تعرف تماماً مواقيت مناوبتها وتعرف جيداً وظيفتها سر كبرياء وجودها وسر تألقها تختزل كل شئ لتتأهب أكثر .
مقالات كل العرب