مغاربة العالم: المستحيل الممكن
مغاربة العالم: المستحيل الممكن
أ. لمياء بوبريك
على مر عقود خلت، شكلت الجاليات المقيمة في دول المهجر أقليات لا يمكن تجاهل الأدوار التي تطضلع بها في بلدان الإقامة، كما لا يمكن غض الطرف أيضا عن الصعوبات التي تعترضها نحو اندماج سلس و منتج داخل دول الإستضافة.
فرص النجاح الوفيرة التي تتلقفها هذه الجاليات بالوطن الثاني، أحيا فيها روح الشغف و الإنعتاق، شغف العمل و النجاح ، وانعتاق نحو ملامسة حرية الإختيار المؤهلة لفرص التمكين.
لم تكن الطريق سهلة و سالكة، مطبات الإنصهار الكلي في مجتمعات مغايرة قوضت في أحيان كثيرة فرص الوصول إلى الأهداف المنشودة التي وضعتها هذه الجاليات كأولويات لها داخل بيئتها الجديدة.
بداية ستينيات القرن الماضي ، غادرت كثير من الأسر المغربية وطنها الأم للإستقرار أو العمل بدول أجنبية بسبب ارتفاع نسب البطالة و توالي سنوات الجفاف و ضعف السياسات الاقتصادية بالمغرب، هي التي شكلت دافعا رئيسيا لهذه الأسر في اتخادها هذا القرار من أجل تحسين ظروفها الإجتماعية فتوالت الهجرات الشرعية وغير الشرعية، نحو وجهات أوروبية و أمريكية و لم تتوقف منذ تلك الفترة ، بل ازدادت وتيرتها واتسعت أشكالها.
الجيل الأول من الجاليات المغربية ، كافح من أجل الإندماج السريع داخل المجتمعات المضيفة ، قدم كل جهده وطاقته من أجل أن يبرز أفضل ما لديه من عطاء و عمل ونبوغ ، ديناميته المتقدة مكنته من خلق صورة مشرفة لبلده هناك.
الجالية المغربية بدول المهجر صارت عنوانا ونموذجا يحتذى به، بل صارت مثالا للتفاني و الجدية و التحلي بروح المسؤولية، السمعة الحسنة للمغاربة كانت على على لسان كل أجنبي، طيبتهم و حسن معاشرتهم جعلت المجتمعات المضيفة تحتضنهم بقوة واعتبارهم صديقا استراتيجيا و حليفا لا يمكن الاستغناء عنه.
العهد الأول للجاليات المغربية لم ينسلخ بشكل كلي عن هويته و أصالته، ظل متمسكا بها إلى حدود بعيدة ، وفي نفس الوقت محترما لهوية بلده الثاني معترفا بها غير معاد لها ، هذا الأمر شكل نقطة ايجابية أضيفت لرصيد المغاربة هناك.
الجيل الثاني لمغاربة المهجر ولد و ترعرع ودرس هناك ، عندما جاء وجد الطريق معبدة بعض الشيء ، فالجيل الذي سبقه كافح باستماتة من أجل تهيئة الأجواء و الظروف وأيضا من أجل إيجاد موطئ قدم للمغاربة بالديار الثانية ، كثير من الصعوبات تم تجاوزها ، و العديد من مجالات الحياة اقتحمها المغاربة باقتدار بليغ و حققوا من خلالها نجاحات أبهرت حتى مواطني بلدان إقامتهم.
في مجال كرة القدم مثلا ، صنع مغاربة المهجر معجزة تغنى بها الجميع ، نجاح تجاوز حدود البلد الواحد ، احتفاليات شارك فيها المغاربة و مواطنو بلدان إقامتهم جنبا إلى جنب، فأن يحمل بريطاني مثلا علم المغرب ملوحا به لتشجيع صديقه اللآعب المغربي الذي يخوض مباراة له ضمن صفوف المنتخب المغربي هي في حد ذاتها لوحة فنية متعددة الألوان رسمتها الجالية المغربية المواطنة ببلاد المهجر عبر أجيال ، رسمتها بهدوء و إتقان وصبر وحس عال من المسؤولية.
عمل الجسور لم يكن سهلا ، بناء وضعت أسسه الجالية المغربية هناك على قوائم متينة، و سقته على مر سنوات طويلة بعرق جبينها وحرصها الكبير على سمعة بلدها، و ها هي اليوم تجني قطاف هذا العمل على طبق خط عليه بالبند العريض “أن المستحيل ليس مغربيا وإن تواجد في بلاد المهجر” .
صحفية من المغرب