الافتراس في عالم الإنسان
الافتراس في عالم الإنسان
أ. أماني حجازي
إن هذا التفاعل البيولوجي بين كائنين أحدهما يقتات على الآخر لم يكن وليد العصور المتقدمة بل هو فطرة عند العديد من الكائنات كي تعيش وتبقى سلالاتها حاضرة ، لذلك يجب أن تتغذى على كائنات من فصائل أخرى أقل قوة ، وهي بالطبع من وسائل العيش قبل وجود الإنسان الضيف الأحدث على هذه الأرض ، وربما كان لهذا التفاعل الذي يسمى بالافتراس دور بيئي في تقليل عدد الكائنات الضارة بالبيئة أو القضاء عليها كالقوارض وغيرها ، إذن الافتراس حالة وجدت مع وجود أحياء على الأرض أي أكثر من خمسمائة وخمسين مليون سنة ، وهكذا تشير العلوم إلى أن الافتراس يحدث بين كائنات مختلفة سواء بين الكائنات البرية أو البحرية أو في الفضاء أو بين عالم الأشجار المفترسة ، وحينما تتسع الرؤية حول مفهوم الافتراس يمكن أن نتهم الطبيعة التي تسببت بتقلباتها في انقراض العديد من الكائنات بالمفترسة باعتبار أن القضاء على كائن هو أحد مقدمات الافتراس ، ربما كان الأمر كذلك ، أما ما يثير الدهشة ويدخلنا في حالة من الميتافيزيقا هو أن يعيش كائن على كائن من نفس فصيلته كيف ذلك ؟! ألم يترسخ داخل عقولنا أن الذئب يكره لحم ابن جلدته ؟! نعم ربما كانت هناك حالات نادرة من افتراس كائنات لكائنات مثيلة ولكن كان ذلك يحدث في سنوات القحط والجدب التي من شأنها خلق حالة من اللاوعي واللامنطق وتشويه ما جبلت عليه مخلوقات ما دون الإنسان ، لكن في الظروف الطبيعية ليس لكائن حاجة للتمرد على طبيعته . والآن على الأرض أن تفسح مكانا لمخلوقا جديد في كل شيء ، مخلوق هو الأقوى بما يمتلك من عقل يستطيع به السيطرة على كل كائنات الأرض ، بل هو منزل من عند الله بهذا السلطان والهيمنة على كل شيء من حيوان ونبات وجماد ، ولكن هذا الضيف الطارئ الذي لم يتجاوز عمره العشرة آالاف عام على الأرض لم يسخّر الله الأشياء ويجعلها طائعة له ليتجبر ويتكبر وإنما لإعمار هذه الأرض ونشر الخير والمحبة بوصفه خليفة الله عليها ، وكي يتفرغ لعبادة ربه اعترافا بقيومته ، ورغم أنه صار المفترس الأعظم في العالم والمستهلك لحوالي ثلث فقاريات الأرض والمهدد لوجود أكثر من خمسة آلاف نوع من أحياء الأرض ، غير أنه لم يقنع بما أُعطي في هذي الأرض ونصيبه منها ولم يفهم أن خيرها مسخّر ليكفي الجميع ، فراح يعلن كفره بفطرته وأخذ في إعمال عقله ليكون أكثر سيادة وسيطرة فكان سبيله لذلك أخذ نصيب غيره من خير الأرض واتساعها ، وهكذا أطلق العنان لحمقه وغروره وأطماعه ليصير بلا مبرر أحط مفترس على الأرض والكائن الوحيد الذي يأكل لحم أخيه ليأخذ مكانه بوهم أنه يصنع سيادته التي لا طائل منها غير دمار الأرض الموكل بإعمارها . والآن هل علينا أن نرتكب حماقة البحث عن أسباب ما دفع الإنسان بقلبه وعقله ليصير مفترسا لإنسان مثله ؟ وهل نمتلك خيال محاولة علاج تلك الأسباب ؟ أم نستسلم لفكرة أن الإنسان كائن مفترس شذ عن فطرته ؟
صحفية مصرية