عن مؤتمر باريس
عن مؤتمر باريس
أ. يحيى إبراهيم النيل
بالتزامن مع الذكرى الأولى للحرب الدائرة في السودان، ينعقد اليوم (الخامس عشر من أبريل 2024) بالعاصمة الفرنسية باريس (المؤتمر الإنساني الدولي حول السودان ودول الجوار) الذي يرمي لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: «الالتزام بتمويل الاستجابة الدولية للحاجات الإنسانية الضرورية للسودان، وإحراز تقدم في ضمان وصول المساعدات من دون عوائق، وضرورة ألا يطغى عدم الاستقرار في النظام الدولي على الأزمات التي تؤثر في الأفارقة، بما في ذلك السودان”، حسب الخارجية الفرنسية. من المتوقع أن يشارك في هذا المؤتمر أكثر من 20 وزيراً وكثير من ممثلي المنظمات الدولية والإقليمية والمؤسسات المالية الدولية والمنظمات غير الحكومية العاملة في السودان وفي بلدان النزوح وممثلين للمجتمع المدني السوداني.
لكن من الغريب أن يعقد هذا المؤتمر في غياب (أو تغييب) طرفي النزاع في السودان، رغم تصريح مسؤول في الخارجية الفرنسية بأن الهدف منه هو “الجمع بين جميع الشركاء المعنيين وجميع الشركاء المفيدين”، إذ يبرز سؤال جوهري في وجه هذا الادعاء وهو: كيف يتم “ضمان وصول المساعدات من دون عوائق” دون موافقة الطرفين المتحاربين المسيطرين على الأوضاع على الأرض؟ وكيف يتم “دعم مبادرات السلام الإقليمية والدولية الهادفة إلى وضع حد للحرب في السودان” (إعادة الطرفين إلى طاولة مفاوضات منبر جدة)، دون موافقتهما؟
وقد تهرب عبد الله الدردري، الأمين العام المساعد للأمم المتحدة والمدير الإقليمي للدول العربية في البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، من الإجابة على سؤال صحيفة (القدس العربي) عن كيفية أن “يتم عملياً تنفيذ مخرجات المؤتمر والتحرك ميدانياً إذا كان هناك إقصاء لمن هو موجود على الأرض” بالقول بأنه ” ستكون هناك آلية تنفيذ لمخرجات هذا المؤتمر والتي تتطلب تنسيقاً عالي المستوى ضمن منظمات الأمم المتحدة وبين منظمات الأمم المتحدة والمؤسسات والمنظمات غير الحكومية الدولية العاملة في المجال الإنساني ومع الحكومات المانحة إقليمياً ودولياً. وبمجرد معرفة النتائج سيتم الاتفاق على المحددات وآليات التنفيذ، وهذا ما سوف يتم أثناء المؤتمر ليبدأ التنفيذ حالا على هذا الأساس”!
ولذلك لم يكن مستغرباً أن تدين الخارجية السودانية استبعاد حكومة الخرطوم من هذا اللقاء وتعرب عن “بالغ دهشتها واستنكارها لانعقاد المؤتمر دون التشاور معها، ومن دون مشاركتها، رغم أنها هي (الممثل الحصري للسودان) في شتى الهيئات والمنظمات والمحافل الدولية”. ووصفت انعقاد المؤتمر بهذا الشكل بأنه “يمثل استخفافاً بالغاً بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ومبدأ سيادة الدول، وسابقة خطيرة في العلاقات الدولية”. وبدوره أشار سفير السودان لدى فرنسا، الدكتور خالد محمد فرح، إلى أن حكومة بلاده لم تُدعَ إلى المشاركة في المؤتمر في الوقت الذي تمت فيه دعوة (تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم») التي وقعت (إعلان أديس أبابا)، مع الدعم السريع في الثاني من يناير الماضي. الأمر الذي يعني، حسب السفير، أن «أحد الطرفين، وهو بالتحديد (ميليشيا الدعم السريع) المتمردة، سيكون وحده الحاضر ضمناً، والمشارك بقوة في هذا المؤتمر، من خلال مشاركة حلفائه السياسيين والمتعاطفين معه، الذين تمت دعوتهم بالفعل للمشاركة فيه، مثل ما يسمى بـ(تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية – تقدم)، وغيرها من المنظمات غير الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني، وممثلي بعض التنظيمات السياسية والأفراد، بل من خلال مشاركة بعض الدول الأجنبية المشاركة في المؤتمر، المساندة للميليشيا المتمردة، سواء علناً أم سراً”. وأعرب عن خشيته من “أن يتمخض هذا المؤتمر في المحصلة النهائية عن مجرد مهرجان دعائي وترويجي، ومنشط سياسي وإعلامي ودبلوماسي، واستنفار مالي، هدفه الأوحد هو تقديم الدعم والمساندة المادية والمعنوية لـ(ميليشيا الدعم السريع) المتمردة، وحليفها السياسي، تحت ستار الاهتمام بمأساة الشعب السوداني”، حسب تعبيره.
ولم يقتصر انتقاد المؤتمر على الحكومة السودانية وحدها، فقد انتقد الدكتور محمد جلال هاشم مشاركة دولتي الإمارات وتشاد، الداعمتين للدعم السريع، في مؤتمر باريس. ومن جانبه اعتبر المحامي نبيل أديب، المشارك في المؤتمر، أن استبعاد طرفي النزاع من مؤتمر باريس “يؤدي إلى تقليل أهمية المؤتمر فيما يتعلق بوقف الحرب”. وقال المهندس عادل خلف الله، الناطق الرسمي باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، إن استبعاد الطرفين، “يضعف فرص الوصول للهدف وتحقيق وصول المساعدات ويعطي مبرراً للطرفين لعدم التعاون مع ما يتمخض عنه المؤتمر في جانب المساعدات”. ولم ينس خالد عمر يوسف، عضو المكتب التنفيذي لتنسيقية (تقدم)، الدور المحوري لطرفي النزاع، المبعدين من مؤتمر باريس، حيث دعاهما إلى ” تحكيم صوت العقل والتوجه لطاولات الحوار، عوضاً عن اختيار فوهات البنادق وسيلة لحسم النزاعات”
وزاد الأمر إرباكاً “غموض أجندة المؤتمر” حسب بعض الذين تمت دعوتهم إلى المشاركة فيه، كالمحامي نبيل أديب الذي أضاف إلى غموض الأجندة وجود “خلط بين الحاجة للتأسيس الدستوري للفترة الانتقالية وبين المساعدات الإنسانية”، مشيراً إلى أن جمعهما في مؤتمر واحد مدته يوم واحد ليس مناسباً. وكالدكتور محمد ناجي الأصم، المتحدث السابق باسم تجمع المهنيين، الذي اعتذر عن حضور المؤتمر “بعد الاطلاع على اجندته وقائمة المشاركين فيه”.
لكل ما سبق نرى أن فرص نجاح المؤتمر وتنفيذ مخرجاته ضئيلة جداً في غياب طرفي النزاع، وتجاهل الأطراف الخارجية الداعمة لهما. ففي الوقت الذي يلوح فيه الغرب بفرض عقوبات على الطرفين المتحاربين، نراه يغض الطرف عن اللاعبين الإقليميين الضالعين في إذكاء نار الحرب، او (يحثها) على استحياء، كما فعل المبعوث الأمريكي الخاص بالسودان، إلى أن “يكونوا شركاء في تحقيق السلام في السودان”، مع اعترافه أنه لا يستطيع تحقيق السلام في السودان بمفرده من دون تعاون الآخرين، “رغم أنه يحظى بتعاون من أعلى المستويات في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية”.
ربما يحاول منظمو المؤتمر وداعموه تحويله إلى تحالف يقود جهود فرض عقوبات على الطرفين المتحاربين لحملهما على وقف القتال، كما قال مصباح أحمد، عضو المكتب التنفيذي لتنسيقية (تقدم) الذي رأى أن “أهداف مؤتمر باريس لن تتحقق في ظل اتساع رقعة الصراع، وتعنت الطرفين في موقفيهما، وعدم الإيفاء بالتزاماتهما السابقة تجاه الوضع الإنساني لن تتحقق ما لم يتم اتخاذ قرار من مجلس الأمن الدولي يلزم طرفي الحرب بفتح المسارات وتسهيل الجهود الإنسانية”. وكما توقع عروة الصادق، القيادي في حزب الأمة القومي، أن “يشكل المؤتمر دافعًا سياسيًا قويًا لحث الدول المشاركة وغير المشاركة للضغط على المتحاربين السودانيين لإنهاء الحرب، والاستجابة لدعوات الجلوس للحوار والعودة بقوة لمنبر جدة”.
لكننا نؤكد استحالة فرض تنفيذ ما يتمخض عنه مؤتمر باريس بالقوة. ببساطة لأن هذا المؤتمر يعقد في الوقت الذي التف فيه كثير من أفراد الشعب السوداني خلف القوات المسلحة، رغم موقفهم من قادتها بعد فض الاعتصام وانقلاب 25 أكتوبر، لمحاربة الدعم السريع الذي تحول إلى عصابات لسرقة ونهب واغتصاب واذلال المواطنين العزل، كما رأينا في دارفور وفي الجزيرة. ولأنهم سيتعبرون وجود من يعدونهم حلفاء لهذه القوات في المؤتمر، مع استبعاد القوات المسلحة وحكومة الخرطوم وحلفائهما الإقليميين، دعماً للدعم السريع، وكل تدخل عسكري خارجي غزواً أجنبياً. ولا نعتقد أن عاقلاً سيكون على استعداد لتكرار تجارب الولايات المتحدة ودول الخليج في الصومال والعراق واليمن.