دور صندوق النقد الدولي في الاستعمار الناعم
السيسي و صندوق النقد الدولي: تحالف على حساب الشعب
دور صندوق النقد الدولي في الاستعمار الناعم:
السيسي وصندوق النقد الدولي: تحالف على حساب الشعب
أ. خالد الحديدي
منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في مصر، شهدت البلاد تغييرات اقتصادية كبيرة، ولكنها لم تكن بالضرورة في مصلحة المواطن المصري العادي. بل على العكس، أصبحت السياسات الاقتصادية المتبعة وسيلة لتمكين صندوق النقد الدولي من فرض استعماره الناعم، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. هذا المقال يسلط الضوء على كيفية تواطؤ الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي لتعميق هذا الاستعمار، مع التركيز على سياسة الإنفاق المالي غير الرشيد، وعدم السعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي، ودور الحكومة كسمسار لخدمة مصالح القوى الخارجية.
مفهوم الاستعمار الناعم وصندوق النقد الدولي
الاستعمار الناعم هو شكل من أشكال الهيمنة غير المباشرة التي تستخدمها القوى الكبرى والمؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، للسيطرة على الدول النامية عبر وسائل اقتصادية وثقافية وسياسية. هذا النوع من الاستعمار لا يحتاج إلى الجيوش والأسلحة بل يعتمد على الأدوات المالية والاقتصادية لفرض الهيمنة.
السيسي وصندوق النقد الدولي: تحالف على حساب الشعب
منذ أن تولى عبد الفتاح السيسي الرئاسة، سعى إلى الحصول على دعم صندوق النقد الدولي عبر توقيع اتفاقيات قروض متعددة. هذه القروض لم تأتِ بدون شروط، بل كانت مشروطة بإصلاحات اقتصادية قاسية، أثرت بشكل مباشر على حياة المصريين. وفي هذا السياق، لعبت الحكومة دور السمسار، حيث قدمت مصالح القوى الخارجية على مصالح الشعب.
الشروط الاقتصادية القاسية
1. الخصخصة:
– فرض صندوق النقد الدولي على مصر تحت حكم السيسي خصخصة العديد من المؤسسات الحكومية، بما في ذلك القطاعات الحيوية مثل الطاقة والنقل. هذه الخطوة أدت إلى بيع الأصول الوطنية لشركات متعددة الجنسيات، مما زاد من هيمنة هذه الشركات على الاقتصاد المصري، وتفاقم الفقر والبطالة.
2. خفض الإنفاق العام:
– تنفيذ السياسات الاقتصادية التي فرضها صندوق النقد الدولي، أقدمت الحكومة المصرية على تقليص الإنفاق في مجالات حيوية مثل الصحة والتعليم. هذا التقليص أدى إلى تدهور جودة الخدمات العامة، وزيادة معاناة المواطنين، خاصة في المناطق الفقيرة.
3. تحرير الأسعار:
– قرارات السيسي بتحرير أسعار السلع والخدمات الأساسية، مثل الوقود والمواد الغذائية، أدت إلى ارتفاع حاد في تكاليف المعيشة. المواطن المصري البسيط أصبح يعاني بشكل يومي لتأمين احتياجاته الأساسية، مما زاد من معدلات الفقر والجوع.
سياسة الإنفاق المالي غير الرشيد
تحت حكم السيسي، تم تنفيذ سياسات إنفاق مالي غير رشيد، حيث ركزت الحكومة على مشروعات ضخمة وغير ضرورية، بدلاً من الاستثمار في البنية التحتية الأساسية والخدمات الحيوية.
1. المشروعات الكبرى بلا جدوى اقتصادية:
– الحكومة المصرية استثمرت مليارات الدولارات في مشروعات ضخمة مثل العاصمة الإدارية الجديدة، ومشروعات أخرى لا تحقق عوائد اقتصادية ملموسة على المدى القصير أو الطويل. هذه المشروعات لم تساهم في تحسين حياة المواطنين بل زادت من عبء الديون على الدولة.
2. إهمال القطاعات الحيوية:
– في الوقت الذي تمول فيه الحكومة مشروعات كبرى، تم إهمال قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة والنقل العام. هذه السياسات أدت إلى تدهور الخدمات العامة وزيادة معاناة المواطنين.
3. الفساد وسوء الإدارة:
– تسببت سياسات الإنفاق المالي غير الرشيد في زيادة الفساد وسوء الإدارة. العديد من المشروعات الكبرى تم تنفيذها بدون تخطيط سليم أو دراسات جدوى، مما أدى إلى إهدار الموارد وزيادة الديون.
عدم السعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي
بدلاً من التركيز على تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الواردات، اتبعت الحكومة المصرية سياسات تجعلها أكثر اعتماداً على الاستيراد والقروض الخارجية.
1. تجاهل الزراعة:
– لم تبذل الحكومة جهوداً كافية لدعم القطاع الزراعي الذي يمكن أن يحقق الاكتفاء الذاتي في الغذاء. بدلاً من ذلك، زادت مصر من استيرادها للغذاء مما جعلها عرضة لتقلبات الأسعار العالمية وزاد من عجز الميزان التجاري.
2. الصناعة المحلية:
– لم تعطِ الحكومة الأولوية لتعزيز الصناعات المحلية التي يمكن أن تسهم في تقليل الاعتماد على الواردات. التركيز كان على مشروعات استثمارية تخدم الطبقة الغنية والشركات متعددة الجنسيات بدلاً من تطوير الصناعات الصغيرة والمتوسطة.
3. الاعتماد على القروض:
– الاعتماد المفرط على القروض من صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الأخرى جعل الاقتصاد المصري رهينة لشروط هؤلاء الدائنين، مما يحد من القدرة على تحقيق تنمية مستقلة ومستدامة.
الحكومة كسماسرة للمصالح الخارجية
بدلاً من حماية المصالح الوطنية، تلعب الحكومة المصرية دور السمسار الذي يسهل دخول القوى الخارجية للسيطرة على الاقتصاد المصري. تحت قيادة السيسي، أصبحت الحكومة تعمل كوسيط يسهل تحقيق مصالح صندوق النقد الدولي والشركات متعددة الجنسيات، على حساب الشعب المصري.
1. بيع الأصول الوطنية:
– سياسة الخصخصة التي فرضها صندوق النقد الدولي، ونفذتها الحكومة المصرية، أدت إلى بيع الأصول الوطنية لشركات أجنبية بأسعار زهيدة، مما يعزز الهيمنة الأجنبية على الاقتصاد المصري.
2. تشجيع الاستثمار الأجنبي على حساب المحلي:
– الحكومة تفضل المستثمرين الأجانب على حساب الصناعات المحلية، مما يؤدي إلى تفاقم التبعية الاقتصادية ويحد من فرص التنمية الذاتية.
3. فرض سياسات تقشفية:
– الحكومة تفرض سياسات تقشفية قاسية تنفذها بلا تردد، مما يزيد من معاناة المواطن البسيط بينما تحقق الشركات الأجنبية أرباحاً طائلة.
التبعية الاقتصادية والتدخل الخارجي
السياسات الاقتصادية التي تبنتها حكومة السيسي، بضغط من صندوق النقد الدولي، تسببت في تراكم الديون على مصر. هذه الديون جعلت البلاد تعتمد بشكل متزايد على القروض الخارجية، ما قيد من قدرتها على اتخاذ قرارات اقتصادية مستقلة. أصبحت مصر أشبه بالدولة المرتهنة، تدار سياساتها الاقتصادية بما يخدم مصالح الدائنين الدوليين بدلاً من مصلحة الشعب.
الآثار الاجتماعية والسياسية
1. الاستقطاب الاجتماعي:
– السياسات الاقتصادية التي فرضها صندوق النقد الدولي، ونفذتها حكومة السيسي، أدت إلى زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء. في حين استفادت النخبة الاقتصادية من هذه السياسات، عانى المواطنون العاديون من الفقر والبطالة المتزايدة.
الخاتمة
سياسات الرئيس عبد الفتاح السيسي الاقتصادية، التي جاءت بتوجيهات من صندوق النقد الدولي، لم تجلب لمصر سوى المزيد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. بدلاً من تمكين البلاد وتحقيق الازدهار، جعلتها أكثر تبعية وخضوعاً للاستعمار الناعم. في ظل هذه السياسات، تلعب الحكومة دور السمسار الذي يسهل دخول القوى الخارجية لتحقيق مصالحها على حساب الشعب المصري. يحتاج الشعب المصري إلى قيادة تعمل لمصلحته، تضع مصلحة المواطن فوق مصالح القوى الخارجية. حان الوقت لإعادة النظر في هذه السياسات وضمان أن تكون المساعدات الاقتصادية عادلة وشفافة، بما يحقق التنمية الحقيقية والمستدامة لمصر وشعبها.