مقالات كل العرب

الإدمان: الدمار وضياع الشخصية

شارك

الإدمان: الدمار وضياع الشخصية
تقرير ميداني عن حسنة

 

أ. سرور ناصر

حسنة من مواليد مدينة خورموسى، في الأربعينيات من عمرها، تسكن مع شاب مدمن في الثلاثينيات من عمره، تحديدا في مدينة عبادان.

ولدت حسنة في عائلة كبيرة، من ثماني بنات وثلاثة أولاد، تزوجت في السادسة عشرة من عمرها من رجل مدمن. قالت بأنه لم يكن زواجًا قسريًا، لكن أيضا لم يكن لي دخل في تلك الزيجة؛ إذ والدي هو الذي اختاره لي دون أن يتحقق في شخصيته وعائلته، وهكذا جاءت حسنة برفقة زوجها إلى مدينة عبادان، وبعد عام على زواجها وبينما كانت تحمل ابنتها الأولى في أحشائها، جاءت استدعاء من المحكمة تدل على أن زوجته الأولى هي التي قدمت شكوى عليه. تقول تلك كانت المرة الأولى التي عرفت بأنه متزوج وله أطفال. تضيف حسنة أنه أقنع والدي بأنّ سجله ضائع لذلك وافق والدي أن يعقدني عقدا عاديا.
وهكذا حسنة القاصر دخلت عالم الإدمان بمعية زوجها، لأنه مدمن وهي اعتادت أن تجالسه عندما كان يتعاطى، لا سيما وأن عمرها القاصر لم يسمح لها أن تستوعب عالم الإدمان الذي أدخلها فيه. ثم بعد سنوات، وبعدما وصلت إلى نقطة الصفر في تعاطي الكريستال (ميثامفيتامين)، تطلقت وهي تحمل معها ثلاثة أطفال؛ ابنة وابنين.
كانت مدمنة لدرجة لم تستوعب أن زوجها باع ابنها الثالث والرضيع، والأدهي بأن والدتها كانت مساهمة في عملية البيع تلك، لأسباب غير معروفة، أو ربما كانت قد يأست من رجوع ابنتها إلى حالتها الطبيعية، وهكذا بيع ابنها الرضيع، وانتهى المطاف بطفلها الثاني في منظمة الرعاية الاجتماعية (البهزيستي)، وأما ابنتها والتي كانت بالغة _نوعًا ما_ فقد بقيت برفقة والدها.
تقول حسنة إن أسرتها لم تحاول أن تخلّصها من الإدمان بطريقة جدية، وإن تلك المحاولات البسيطة لم تكن تجدي نفعًا مع مدمنة كريستال مثلها، خاصة وأن المحاولات تلك اتكّلت على النصائح اللسانية لا غير. توفي والدها ولم تحصل على ورثها _كما قالت_ جراء حالتها الصحية، لذلك وقّعت ليصبح أخوها ولي أمرها، ثم بعد وفاة أخيها تكفلت أختها الكبيرة بأموالها، لكنها لم تدفع لها أي شيء فيما بعد؛ بناء على ما قالته حسنة.
دخلت سجن سبيدار لخمسة أعوام بسبب كمية الكريستال التي كانت تحملها معها عندما قبضوا عليها، ثم في السجن تخلصت من الإدمان، وبعد أن غادرت السجن ذهبت لأختها الكبيرة والتي رفضت أن تأويها في بيتها، أو تدفع لها أموالها، لذلك رجعت إلى عبادان، وإلى حي الطابوق بالتأكيد والذي تباع فيه المخدرات علانية، وهناك تتعرف بالشاب عباس وتطلب منه أن يدلها على بائعي المخدرات، لكنه يرفض ذلك مع أنه كان وما زال مدمنًا، وعندما عرف بأنها بلا مأوى وتنام في الحدائق، أسكنها في كوخ ليس فيه أي شيء؛ لا ماء ولا مكيف، و…
اضطرت حسنة فيما بعد أن تلجأ إلى حديقة معلم في عبادان، وهناك تمد يدها للمارة لكي تجمع لها مبلغًا يمكّنها من الاستقلال، ولكن هل تتمكن أن تستقل من ذلك الشاب المدمن في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة؟ هل ثمة منظمات تحتوي هكذا نساء؟ هل تأويها وتأوي أمثالها السلطة؟ هل يتقبل المجتمع بإدماج هكذا حالات إلى الحياة الطبيعية مجددا؟

كلها أسئلة علينا أن نطرحها على أنفسنا قبل أن نتبوأ مكانة الحكم على الأشخاص. إن وضع الشخصيات في سياقها الاجتماعي-المكاني يؤدي إلى مكافحة هذه الظروف ليس بفعل المستحيل إنما بالوعي بها وبحيثياتها، لأن والد حسنة هو الذي تساهل في عملية تزويج ابنته، ليس لأنها كانت قاصرة فحسب، بل لأنه لم يهتم بالزيجة كما ينبغي؛ لم يسأل عن الزوج ليعرف بأنه مدمن ومتزوج!
ثم العائلة التي اتخذت القرار نيابة عنها، لم تحاول أن تساندها، بل تخلت عنها لأن المجتمع لم يعد يتقبلها ويتقبل حالتها، كما أن والدتها لم تحاول أن تمنع ابنتها من الإنجاب بأي طريقة، إنما ساهمت ببيع الرضيع!
والأدهى سياسة بناء مدينة عبادان توّلد هكذا حالات باستمرار وبكمية غير معقولة، فعملية توزيع المخدرات تتم بسهولة كبيرة وفي العلن، كما أن بيوت الدعارة تستمر في عملها بوضح النهار، ومدعومة بسياسات كبرى. وسياسة الاستيطان في عبادان تستدعي عبادان أخرى؛ إنه الفصل والعزل العنصري، والطبقي.

إن حسنة تعاني من العرقية، والطبقية والأبوية على قدم وساق.

مازالت حسنة ضحية سياسات متداخلة لا يمكن رصدها إلا من خلال التقاطع والتزامن، فالأبوية (أي الاضطهاد القائم على الجندر أو الدور الاجتماعي) تتزامن مع العرقية والطبقية (بالتوالي الاضطهاد القائم على العرق والطبقة الاجتماعية)، ومع أن لا يمكننا أن نجمع هكذا نساء في منظمات دولية أو خصوصية في ظل الظروف الراهنة والسياسات المعادية، لكن يمكننا أن نزيد وعي العوائل من خلال طرح هكذا قضايا وسردها، لعل تؤدي إلى:
– لا تتزوج البنات قاصرًا
– أن تتحقق العوائل جيدًا عن الزوج المستقبلي
– ألا تزوج العوائل أبناءها المدمنة إلا بعد أن تعالجها، فالزواج ليس مركز تأهيل
– وفي حالة يصبح فيها الزوج مدمنا، على العوائل أن تتخذ سياسات مختلفة لكي لا تقع الزوجة في الإدمان أيضا، كما مساعدة الزوج ليستعد صحته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى