أنسنة التعليم في عصر الرأسمالية
أنسنة التعليم في عصر الرأسمالية
أ. نسيم قبها
سؤالاً مركزياً يطارحنا كل عام عن السبب الذي يجعلـنا كمجتمع في حالة من الارتباك التربوي لدى الاطلاع على النظم التربوية لدول الشمال ، فيبدو المجتمع مهووساً بالصيغ الغربية لتعليم إنساني في نظم غير آدمية على صعيد التعاطي مع السياسة وحقوق بشر العالم الثالث .
إن التذكير بالمراحل العتيقة من التعليم العربي مثلا ، يربكنا في الإعتراف بتعليم اليوم ، والذي يفتقد للروح الإنسانية التي يجب أن يكون نتاجها في العدل السياسي العالمي والمفقود بفعل الشركة التي سطت على الحكم بشهوة المنفعة .
أن تعليم لا تتقدمه الإنسانية هو تعليم بلا طائل منفعي للبشرية ، فهو تعليم لاقتناء المعرفة التي تستخدم للبطش اللا آدمي كتفجيرات الأجهزة اللاسلكية في لبنان مؤخرا ، والتي تعني أن هذا الفعل هو نتاج مباشر للتعليم غير المؤنسن ، بل إن هذا التعليم يحوي أشياء من النفاق والإنكار والتمييز والبيوقراطيات التي طمست كل الديموقراطيات ، فلا بد من تجاوز هذا التعليم الرأسمالي تماماً، من خلال تقديم منظور إنساني آخر للتعليم المحجوب عن خيريته.
ربما تعمل ذات العالم الجنوبي عملا انقلابيا حين تجدد الشرارة ، تأخذ الاختلاف والتجربة الذاتية لسكّانها بعين الاعتبار، وتفكك مركزية المنظور الغربي للتعليم الساطي عليهم بفعل الدعم والتمويل المشروط ، والذي لا ينخر في عمق الإنسان ، في إنسانية التعليم كحاجة بيولوجية نفسية سويّة.
المنظور الجديد للتعليم باختصار: كل الإنتاجات التربوية في العالم الثالث (وتعبير «كل» لي أنا) تشترك بكونها مجازية بالضرورة، ومجازها استعماري ، فهي حتى لو كانت معنية بالرغبات الصادقة، ومنشغلة بالمصير الناتج ، فهي تعكس بعداً سياسياً تم تصنيعه بعيدا عن خبرة التربويين الصادقين، وهذا تعبير عن الموقف المُحاصر لمجتمعات وثقافة العالم الشمالي ، بسبب الهيمنة الصعبة مع السياسات الاستعمارية المصنوعة باحتراف.
إن مجالات الفردانية والجنسانية واللاوعي والأخلاق مجازا، التي ينتمي إليه التعليم الوافد من الشمال يعبّرعن نوع آخر من التعليم الاجتماعي الإنساني ، وتجربته التاريخية، حيث يندمج فيه المال بالمعرفة ، حيث الأولى تفسد الثانية ، ولذلك فإنهم عندما يكتبون عن خصوصياتهم التعليمية، فهم يشيرون إلى السادة وتجربتها ، بل حتى عندما يهذون تربويا ، فهذيانهم يتمحور حول المكاسب ولو على حساب الإنسان بشكل تجميلي ، لا يرى الغربيون في ذلك إلا «آخر» يستطيعون فهمه ويخشون صحوته ، يثير حضوره التربوي وصوته الإنساني فيهم الارتباك.