مقالات كل العرب

خطوط انثوية ملونة على جدار المكتب البيضاوي

شارك

خطوط أنثوية ملونة على جدار المكتب البيضاوي

أ. مجدي مكي المرضي

يبدو أن العالم موعود بسباق رئاسي أمريكي غير مسبوق، ومعركة انتخابية حامية الوطيس، يختلف طرفاها نوعاً وجنساً، ولكنهما يتفقان قولاً وفعلاً في جعل السيادة العالمية المطلقة للاعب واحد فقط، هو الولايات المتحدة الأمريكية. وهو الأمر الذي عجزت عن فهمه شعوبنا العربية الإسلامية، والتي ستظل في غفلتها تلك حتى تعصف بها، ذات يوم، ريح عاتية تهب من عمق المحيط الأطلسي، وتوردها موارد الهلاك، وهي لا تدري من أين جاءت؟ وكيف جاءت؟ ولماذا جاءت؟
أطلت مفاجآت السباق الانتخابي الرئاسي برأسها، حتى قبل الموعد المحدد، عندما أعلن جو بايدن خطوته غير المسبوقة بتنحيه عن سباق الرئاسة الأمريكية، ليفسح المجال بذلك لنائبته كامالا هاريس لتتصدر المشهد ولتواجه خصماً عنيداً ورئيساً سابقاً ومليونيراً حذقاً يعرف من أين تؤكل الكتف!
بعض ملامح هذا التنافس الشرس وضح في الحملات الانتخابية لكلا المرشحين، وظهر جلياً في المناظرة السابقة التي جرت بين مرشحة الرئاسة الديمقراطية، كامالا هاريس، ومنافسها الجمهوري، دونالد ترامب، حيث استبق الأخير هذه المناظرة بمحاولات عديدة للنيل منها في لقاءاته الجماهيرية. بل ربط فوزها بزوال إسرائيل خلال عام أو عامين، في محاولة منه لـتأليب “الأيباك” عليها، والتي لن تسمح مطلقاً بحدوث هذا، إذ أنها الجهة التي تصدر تذكرة العبور إلى كرسي الرئاسة في البيت الأبيض، وهي “الحجر الأسود” الذي يجب أن يقبّله كل مرشحي الرئاسة الأمريكية وهم في طوافهم حول “الكعبة الإبراهيمية” لتقديم فروض الولاء والطاعة العمياء!
لا شك أن السباق الرئاسي الأمريكي له تأثير قوي على مجمل السياق السياسي العالمي. وفيما يلي منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي الإسلامي على وجه الخصوص، فإن أي تغيير يمكن أن يكون له تداعياته المباشرة على المشهد السياسي العربي الإسلامي بصورة عامة.
سوف يصبح الصراع الرئاسي أنثوياً ذكورياً، وهو من أشد أنواع الصراعات فتكاً. ولهذا فإن السيناريوهات القادمة ستكون عصية على التنبؤ. ولكنني أجد نفسي ميالاً إلى سيناريو الفوز الأنثوي، والضربة النسوية القاضية، وصرخة النصر الكبرى من حنجرة أنثى تشق فضاءات العالم وصحاريه، ليسجل التاريخ أن امرأة تتربع على عرش أقوى دولة في العالم وهي تحمل معها حقيبة يمكن أن تمحو بها دولاً وقارات بأكملها بضغطة زر فقط!
على الصعيد العربي الإسلامي، فإن المشهد سيكون في غاية التعقيد، من جهة، وفي قمة التسلية والتشويق والإبهار، من جهة أخرى، إذا نظرنا إليه من زاوية عقلنا الشرقي ومن مبدأ أن الرجل عندنا هو “السيد” وهو “الآمر الناهي” وهو “رب العائلة” وهو “ولي الأمر” وهو الكل في الكل بشكل مطلق!
فكيف سيتعاطى قادة العالم العربي الإسلامي “الذكور” مع “الأنثى” القادمة التي تحمل لقب سيدة العالم الجديدة؟ فمن يمسك بزمام الأمور ولجام النظام العالمي ويعبث بأزرار الحقيبة النووية ويجلس على كرسي الرئيس في المكتب البيضاوي داخل البيت الأبيض، مقر رئاسة العالم، هي سيدة بشحمها ولحمها، هي “حرمة” بحسب منطق العقل والتفكير الشرقي في منطقتنا العربية الإسلامية!
كيف لهم أن يتخيلوا أن من يقرر في مصائر دولهم وأقدار عروشهم هي “امرأة أنثى” ما خُلقت إلا للاستمتاع وإنجاب الأطفال وأعمال المنزل. وهي ناقصة عقل ودين، وما الدعوات الحديثة إلى تحرير المرأة وتمكينها إلا تأكيد على أنها كانت، وما تزال، تحت نير الاستعمار الذكوري!
كيف سيتعامل رؤساء وحكام وملوك وشيوخ المنطقة مع الأوامر التي ستأتيهم من زعيمة العالم الجديدة، وحامية عروش الأنظمة الهشة، السيدة كامالا هاريس، حفظها الله ورعاها وسدد خطاها؟ كيف سيقولون “نعم” إذا كانت الإجابة “لا”؟ وكيف ستخرج “لا” من أفواههم عندما تكون “نعم” هي الفيصل والحل والمخرج؟
سوف تصعد سيدة البيت الأبيض الأولى على متن طائرة Air Force 1 لتيمم صوب منطقتنا العربية والإسلامية وهي ترتدي عباءة على تنورة قصيرة، وعلى كتفها وشاح بألوان “قوس قزح”، وبيدها اليمنى قائمة طويلة بمتطلبات الحماية الأمريكية للعروش العربية والإسلامية يتخللها غصن زيتون، بينما تخبئ في يدها اليسرى صولجاناً حديدياً قاسياً ولكنه مطلي بماء الذهب حتى يليق بمكانة الشيوخ والملوك والأمراء والرؤساء في المنطقة!
سمعاً وطاعة سيدتي الرئيسة!!!
هي “الترند” القادم بقوة من داخل القصور الرئاسية العربية الإسلامية، وستخرج هذه العبارة من ألسنة قادتنا “الأشاوس” وهم صاغرون لا حول لهم ولا قوة!
ومن داخل غرف القصور الفخيمة، تكتم عقيلات قادتنا قهقهاتهن الساخرة وهن يشهدن على أن امرأة من بنات جنسهن قد أخرست ألسنة أزواجهن وصاروا مثل دُمى السيرك بين أصابعها، وسوف تفرح السيدات الأوائل في أنظمتنا العربية الإسلامية بهذا التفوق الأنثوي. ولربما بعثن برسائل تهنئة مذهبة داخل ظروف من سندس واستبرق وحرير إلى سيدة العالم الأولى، لتقرأها وهي متكئة على أريكتها المصنوعة من الخشب العربي الفاخر، وأمامها شاشة تلفاز عملاقة من ماركة سوني تشاهد فيها فيلم “حياة الماعز” بينما دخان قهوتها المسائية يتصاعد من فنجانها التركي الملون، ولسان حالها يقول: انتظروا العرض القادم!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى