مقالات كل العرب

الجنرال حميدتي بين هزيمتين

شارك

الجنرال حميدتي بين هزيمتين

أ. يحي إبراهيم النيل

تناول كثيرون خطاب محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع، وما فاحت منه من روائح هزيمة، غير تلك التي مُني بها في جبل موية واعترف بها صراحة. لكني أود، تأكيداً لما قالوا، أن أذكّر بتصريحات ومواقف له سابقة، حتى نرى حجم الهزيمة التي مُني بها في الميدانين العسكري والسياسي، وعلى المستويين الدولي والمحلي.
حميدتي كان قد صرح لقناة الجزيرة يوم اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023 بأن قصر الضيافة والقصر الجمهوري والقيادة العامة للجيش وجميع المطارات تحت سيطرة قواته، وأنهم قد حيدوا كل الطائرات التي يعتمد عليها البرهان. وانهم يعلمون أين يختبئ هذا الأخير وسيلقون القبض عليه ويسلمونه للعدالة. وأضاف أنهم سيحسمون المعركة خلال أيام، وادعى أن أكثر من 100 ضابط وآلاف الجنود من القوات المسلحة قد استسلموا لقواته.
واستعدادا لهذه المعركة فقد وقّع حميدتي مع وزارة الشباب والرياضة، في 29 مارس 2023 (قبل أسبوعين من اندلاع الحرب)، مذكرة تفاهم تقضي باستئجار مدينة الشباب بـ(سوبا)، التابعة للوزارة “كمقر سكني”، لاستضافة ضباط وجنود الدعم السريع، اضافة لـ 54 مدرعة حربية من طراز BTR تحمل مدفع براون 14.5 ملم، قادمة من منطقة (الزُرق) بشمال دارفور، كان قد شرع حميدتي في نقلها للخرطوم قبل ثلاثة أيام من تاريخ توقيع المذكرة. وكان من المفترض إعادة هذه المدرعات لسلاح المدرعات بعد أن شاركت في عمليات جمع السلاح بشمال دارفور، ابان عهد النظام السابق، لكن قوات الدعم السريع ظلت تماطل في إعادتها حتى تلك اللحظة.
كما ألغت قيادة الدفاع الشعبي، في نوفمبر 2022، كل إجازات الضباط والجنود ورفع درجة الاستعداد إلى 100%، وسلّحت حتى المجندين الجدد في المعسكرات، “تحسبا فيما يبدو لأية مواجهة عسكرية محتملة”، حسب مقال نشر على (الجزيرة نت). وقد بلغت قواته يوم 15 أبريل 2023، 100000 مقاتل، إنضم إليهم فيما بعد حوالي 60000 مستنفر ومرتزق.
مع ذلك اعترف صراحة بهزيمة قواته، وحاول تبرير الهزيمة بأن “إيران وسبع دول معروفة تدعم مليشيا البرهان وكتائب الحركة الإسلامية”، وأنهم يقاتلون مرتزقة من أذربيجان وأوكرانيا والتغراي والجبهة القومية لتحرير اريتريا وإيران. وتمادياً في تبرير الهزيمة، قال إن الطيران الحربي المصري شارك في معركة جبل موية، وأن مصر تمد الجيش السوداني بقنابل أمريكية زنة 250 كيلو جرام وأنها منحته، خلال مفاوضات جنيف، ثمان طائرات حربية فئة(K8) بمحركات أمريكية. وفي تناقض مع هذا الاتهام، أضاف أن قواته ظلت تُقصَف بطائرات سوخوي وميج 29 (MiG-29)، متناسياً أن السودان حصل على طائرات ميج 29 في أوائل الألفية، ليصبح بذلك واحدا من خمس دول أفريقية تمتلكها (الجزيرة نت في 27 ابريل 2023). وبحسب تقرير القوات الجوية العالمي (World Air Forces 2023)، يمتلك السودان 10 طائرات سوخوي. إذن لا حاجة له بطيران مصري ولا خلافه ليقصف منطقة جبل موية التي لا تتعدى مساحتها 12 كلم مربع.
ومما يعكس حجم الخسارة البشرية التي منيت به ميليشياته أنه أمر جميع الضباط والجنود، الغائبين بإذن من قياداتهم بالتبليغ الفوري (كررها ثلاث مرات) لوحداتهم. وزاد أن هذه هي المرة الأولى التي يطلب فيها من أحد من جنوده التبليغ لوحدته. ولأنه يشك في استجابتهم لهذا النداء، بعدما ذاقوا ما أحاق بهم، حاول استفزازهم بإثارة النخوة السودانية بقوله: ” الخائف يجلس مع أخواته ويذبح لهن”. والغريب في الأمر أنه أردف بثقة يحسد عليها أنهم سيجهزون مليون جندي للقتال، وأن أشاوس الدعم السريع “قد لقنوا مليشيا البرهان دروساَ في الشجاعة والثبات”. وإزاء الهزيمة التي جرعتها له القوات المسلحة السودانية والقوات المشتركة، طفق يكيل لقادة هذه القوات نوعاً من الشتائم يعف عن ذكرها أحقر ساكني قاع المدينة، مثل “البرهان مغتصب”، و”ياسر العطا مهرج”، و”كباشي يرقص كالفتاة”، و”مناوي مجرم يمثل دور الضحية”، و”جبريل إبراهيم لص وحرامي وكوز”. ثم لبس لبوس الوعاظ وطفق يذكّر من شتمهم بالآخرة وما ينتظرهم من عقاب، جزاء ما اقترفت أيديهم، متناسياً فظائع قواته التي وثقتها الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية.
وليس أدل على الهزيمة في الميدان السياسي، على المستوى الدولي، من شعوره بأن الجميع قد تخلوا عنه ونفضوا أيديهم منه، هرباً من شبح الإدانة والعقوبات التي تنظره. لذلك نفث سمومه في الجميع، ولم يستثن أحداً. فقد هاجم بالاسم الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وإيران وروسيا والاتحاد الافريقي الاتحاد الأوروبي، والآلية الثلاثية (الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “إيقاد” والأمم المتحدة) ودول الرباعية (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة)، وست أو سبع دول أخرى رفض تسميتها. كما هاجم فولكر بيرتس، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة للسودان. وحاول إثارة واشنطن بالقول إن مصر منحت الجيش السوداني طائرات حربية من فئة (K8) بمحركات أمريكية، وأنه قد أبلغ مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية للشئون الأفريقية، مولي في، قبل عام، بأن مصر تزود الجيش السوداني بقنابل أمريكية زنة 250 كيلو جرام، وأن المسئولة الأمريكية لم تعر قوله اهتماماً، وأضاف بأنه ما كان لهذه الأسلحة ان تستخدم دون موافقة الأمريكيين. بل ابدى أسفه من أن العالم كله مصدق لرواية القوات المسلحة بأن حميدتي قد قاد انقلاباُ ضد هذه المؤسسة.
والأدهى أنه حمّل المجتمع الدولي مسئولية إشعال الحرب في السودان وتدمير هذا البلد. كما حملهم وزر كل الفظائع التي ارتكبت أثناء القتال، متهماً ممثلي الهيئات والدول التي ذكرت أعلاه بأنهم هم من صنعوا (الاتفاق الإطاري) ولم يأبهوا بتحذيراته من أن هذا الاتفاق سيثير مشاكل ويشعل حرباً. وتساءل عن سر دعم المجتمع الدولي للاتفاق الإطاري، إذا كان لا يريد، حقاً، عودة الإسلاميين إلى الحكم، متناسياً أنه كان يدافع عن هذا الاتفاق. فقد حذر هو نفسه، في 8 فبراير 2023، من “سقوط البلاد في الفوضى والانفلات الأمني، في حال التراجع عن الاتفاق الإطاري، وجدد تأييده المطلق له، بوصفه مخرجاً وحيداً للبلاد من أزمتها، وذلك بعد ساعات من تصريحات الفريق شمس الدين كباشي، عضو مجلس السيادة، التي قلل فيها من أهمية الاتفاق وأطرافه” (الشرق الأوسط)، وغير ذلك من التصريحات المؤيدة لهذا الاتفاق.
وعلى المستوى المحلي، فقد شعر بفتور همة القوى السياسية التي تؤيده، أو تشاطره كراهية قادة الحركة الإسلامية الذين يدعي محاربتهم، وكراهية قادة الجيش الحاليين، مع أن نظام الحركة الإسلامية هو من أنشأ الدعم السريع وقنن وجوده، وكثير من رموز هذه الحركة قد ساندوه في حربه ضد الجيش وما يزالون يحاربون بجانب قواته، وأن قادة الجيش الحاليين هم من مكنوا له. وبقوله إن الاتفاق الإطاري هو سبب الحرب وأن المجتمع الدولي هو من صاغ هذا الاتفاق، يكون قد سحب البساط من تحت أرجل حلفائه المحليين الذي يصرون على أن الاتفاق الإطاري لم يكن سبباً في إشعال الحرب في السودان.
كما شعر بنفور الشعب السوداني منه، الذي يدعي أنه يحارب من أجله، بعدما قاسى هذا الشعب من فظائع الدعم السريع من قتل ونهب واغتصاب وإذلال وتهجير. لذا أعلن براءته ممن يرتكبون هذه الموبقات، مدعياً أن قواته تحاربهم، مع أن قواته هي نفسها من توثق لجرائمها. وهذا ما يشاهده كل العالم وما أكده مراقبون لصحيفة الغارديان البريطانية الذين قالوا: “أتيحت الفرصة للمحاكم الدولية لاستخدام مقاطع فيديو لمقاتلين متمردين في السودان يبدو أنهم يمجدون فيها حرق المنازل وتعذيب السجناء لملاحقتهم بتهم ارتكاب جرائم حرب”. وهذا ما دعا حميدتي ليأمر قواته بعدم التصوير والنشر في وسائل التواصل الاجتماعي. ونري سبباً آخر لذلك، هو رفع الروح المعنوية لمقاتليه بالادعاء بالسيطرة على هذه المنطقة أو تلك، دون الحاجة لنشر فيديوهات تدعم ادعاءاتهم، بحجة الامتثال لأوامر قائدهم.
ولاستمالة السودانيين، عزف على وتر فض الاعتصام، وادعى أنه لا يسعى ليحكمهم. وحاول أن يزهّد الناس في المقاومة الشعبية، التي حملت السلاح للدفاع عن أهلها ضد انتهاكات ميليشيا الدعم السريع، بادعاء انتمائها للحركة الإسلامية.
وجاءته بالأمس طامتان كبريان من الايقاد التي بحثت مع البرهان التراجع عن قراره بتجميد عضوية السودان في هذه الهيئة بعد أن اتهمها بموالاة الدعم السريع، ومن مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد الافريقي الذي طالب بتنفيذ اتفاق جدة، ورفع الحصار عن مدينة الفاشر، وهو ما يرفضه الدعم السريع. كما طالب المجلس بإعادة فتح مكتب الاتصال التابع للاتحاد الأفريقي ببورتسودان. وهذا ما أثار حنق مناصري الدعم السريع الذين قالوا، على لسان الناطق الرسمي لـ(تقدم)، بكري الجاك: ” إن بيان مجلس السلم لم يكن محايداً ومنح القوات المسلحة الأفضلية في أي ترتيبات سياسية”. وأضاف: “هذه محاولة لجعل سلطة بورتسودان تتمتع بسلطة التصرف الكامل، على عكس ما ورد في تقرير لجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى