قف اولا مع العدالة..
قف اولا مع العدالة..
د. صفوت حاتم
بدأت تظهر سرديات مشبوهة تحاول إلقاء ظلال على واقعة الإستشهاد البطولي .. يقوم بنشر هذه السرديات كتاب ومحللون يدعون أنهم كانوا مع المقاومة حتى أفاقوا على الحقيقة وعلى حجم التدمير الذي أصاب الفلسطينيين ..
هؤلاء عملاء قطعا .. وكمية التفصيلات التي يغرقوننا بها ليست سوى اعادة تركيب لاحداث ذهنية للقضاء على الاسطورة التي تصاحب الموت البطولي ..
اتذكر هنا كل السرديات التي نشرها جواسيس الإنجليز والخديوي توفيق والتي تم تركيبها للقضاء على اسطورة المقاوم أحمد عرابي ابن الفلاحين .. والذي تصدى لأعتى أمبراطورية سادت العالم آنذاك ..
لقد ظللنا نسمع منذئذ سردية جاهلة وحقيرة أن احمد عرابي كان سببا في إحتلال مصر .. بسبب رعونته أو جهله؟!
وكأنه كان على عرابي ان يقبل بالإنذار البريطاني وان يستقبل الأسطول الإنجليزي بالأحضان في ميناء الأسكندرية .. وكأن هذا كان هو السبيل الوحيد لعدم احتلال مصر ؟!
..إن كمية التفصيلات التي كان يغرقنا بها هؤلاء .. وكنت أقرأها او اسمعها ليست سوى اعادة تركيب ذهني لاحداث هدفها الأول القضاء على الاسطورة التي تصاحب الموت البطولي وتصاحب أي مقاومة بعد هزيمة في معركة غير متكافئة ..
وككل الاساطير التي تم تركيبها للقضاء على اسطورة عرابي .. كانت هناك سردية أخرى يرددها العملاء مفادها ان تأميم القناة كان السبب في هزيمة مصر وتدمير مدن القناة وخسارة اموال القناة ..
وكأنه كان مطلوبا من عبد الناصر القبول بالإنذار البريطاني الفرنسي وتسليم القناة لقوى الشر الإستعماري ..
اظن ان دراسة التاريخ تمكنك من كشف كيفية بناء سرديات تنتقص من اي عمل وطني بإلقاء الشبهات حوله وادعاء مؤامرات وخيانات .. الخ الخ…وهو ما تقوم به فضائيات .. تستضيف أشخاصا مشبوهين .. يغرقوننا بتفصيلات واستنتاجات ذهنية لإقناعنا بتماسك سردياتهم التي تقلل من قيمة وفعل المقاومة ..
الإستخلاصات التاريخية تحتاج لعقود لتظهر الوقائع وتنكشف ..
لكن الأهم في هذه اللحظات هو حس التاريخ لدى الإنسان .. ثقافته التاريخية .. هل يمتلك فلسفة ومنهج في فهم التاريخ .. ام أن التاريخ هو خبطات عشوائية من وقائع مبعثرة يحاول أصحابها بناء سرديات على هواهم ؟!
إذن كيف نتعامل مع التاريخ ونحن لسنا مؤرخين ؟
والإجابة هي .. ليس أمامنا كشهود على التاريخ سوى الإعتماد على شيئين ..
الأول حس العدالة .. والثاني حس الحقيقة ..
حس العدالة .. أن تكون مؤمنا بعدالة القضية التي تدافع عنها او البشر الذين تدافع عنهم .. وأنت هنا كالقاضِ النزيه ..هدفك العدل .. انصاف المظلوم .. نصرة الضعيف من المتجبر ..
أما حس الحقيقة فهو ان يكون هدفك الأساسي هو إظهار الحقيقة وكشف الزيف ..
وأنت هنا كالمحامِ النزيه الذي يدافع عن قضية يؤمن بعدالتها ويحاول رفع الظلم عن موكله بكشف الأكاذيب وإظهار زيف الوقائع والأدلة المقدمة لمحكمة العدل البشرية ..
أي أن تعمل من أجل الحقيقة .. والحقيقة فقط ..
وكأن التاريخ بلا منطق او بلاة قوانين موضوعية .. وانه محض سرديات وروايات شخصية تظهر هنا وهناك عن خيانات .. او تتظاهر بالكشف عن ملثمين يختفون في الدهاليز المظلمة انتظارا للإنقضاض !! ..
سيغرقوننا في كل هذه الأوهام من خلال شتى صنوف السرديات والروايات ..
لكن ما موقفك أنت ؟
قف أولا مع العدالة.. وقف ثانيل مع الحقيقة .. وانتبه .. أنت هنا القاضي والمحام .. في نفس الوقت !!