مقالات كل العرب

“كاستينغ”.. الضحك بين سطور الواقع المؤلم

شارك

“كاستينغ”… الضحك بين سطور الواقع المؤلم

أ. رجاء السنوسي

29 يناير 2025 – احتضن المسرح البلدي بشارع الحبيب بورقيبة عرض ما قبل الاول لمسرحية كاستينغ، العمل الذي شكّل نقطة تحول في مسيرة الفنان فيصل الحضيري بنص من تأليف بلال الميساوي ومهدي الوسلاتي، سلطت المسرحية الضوء على قضايا الشباب التونسي وتحدياتهم الاجتماعية والاقتصادية، في ظل تغوّل ثقافة الربح السريع وهيمنة عالم التفاهة على المخيلة الجماعية.

مسرح يضحك ويبكي… ويمتع!

اعتمد العرض على مزيج متناغم بين الكوميديا والدراما، بأسلوب يجذب الجمهور ويدفعه إلى التنقل بسلاسة بين الضحك العفوي والتأمل العميق. وإلى جانب النقد الاجتماعي اللاذع، أضفت لوحات الرقص والمؤثرات البصرية لمسة جمالية زادت من جاذبية العرض، مما جعله تجربة فنية متكاملة.

حين يصبح الارتجال فنًّا والضحك مرآةً للواقع.

ما جعل كاستينغ تجربة استثنائية هو أداء فيصل الحضيري، الذي أبدع في تجسيد شخصياته بأسلوب ارتجالي مذهل. وكما وصفها بنفسه، المسرح هو لحظة ولادة، وهو ما انعكس بوضوح في طريقته الفريدة في التعامل مع نسيان النص للحظات على الخشبة. في موقف كهذا، قد يشعر البعض بالتوتر أو الارتباك، لكن الحضيري، بذكائه الفطري، حوّل الموقف إلى مشهد فكاهي سلس، كأنه جزء من النص الأصلي. هذه القدرة على اللعب والتفاعل اللحظي مع الجمهور جعلته ممثلًا استثنائيًا، مستحقًا للقب “ملك الارتجال” (l’imprévision).

رسائل عميقة بين الضحك والدموع.

كاستينغ لم يكن مجرد عرض مسرحي، بل كان صورة ساخرة ومؤلمة في آنٍ واحد لواقع الشباب، حيث اللاعمل، والتيه بين الطموح والفراغ. رسائل الحضيري لم تكن مباشرة، لكنها وصلت بقوة، تمامًا كما وصفها أحد الحاضرين: “ضمار خفيف، لكن ببوجيعة”. المسرحية ليست فقط للضحك، بل تحمل في طياتها مرارة الواقع، وتجعل الجمهور يخرج منها مبتسمًا، لكنه محمل بأسئلة عميقة عن المجتمع والحياة.

كما أن كاستينغ أضافت بُعدًا إنسانيًا عميقًا من خلال إحساس فيصل الحضيري الصادق الذي فاض من الشخصية ليخترق عمق فيصل نفسه. في لحظة تأملية، تذكر والده وسط مواصلة النص، وأوضح الحضيري أن تلك اللحظات كانت لحظات صادقة، حيث تمنى لو كان والده حاضرًا ليشجعه، ويفهم الرسالة التي كان يسعى لإيصالها. كان هذا التعبير الصادق عن فقدانه وحبه له بمثابة مفتاح لحظة مبكية، مليئة بالأحاسيس العميقة التي أضافت لمسة من الحزن على جو المسرحية، وأثرت بشكل كبير على الحضور.

“كاستينغ”… عمل يستحق المشاهدة

أثبت فيصل الحضيري مرة أخرى أنه فنان شامل، يمزج بين خفة الظل والعمق الإنساني، بين النقد اللاذع والتفاعل التلقائي. وبالنظر إلى النجاح الكبير للعرض ما قبل الأول، من المنتظر أن تواصل المسرحية جذب الجماهير في العروض القادمة. لمن لم يشاهدها بعد، كاستينغ ليست مجرد مسرحية، بل تجربة لا تُفوّت!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى