رحيل مخرج فيلم المسألة الكبرى
رحيل مخرج فيلم المسألة الكبرى
د. علي القحيص
فيلم المسألة الكبرى ، الذي انتجه العراق عام ،1982 يعد أضخم واشهر إنتاج للسينما العراقية، يجسد الفيلم ثوار العراق في ثورة العشرين ، حين انتفضوا ضد المستعمر البريطاني عام 1920، وحين قام الشيخ البطل ضاري بن محمود ، شيخ عشيرة زوبع من قبيلة شمر ، فقتل المندوب السامي البريطاني( لجمان) في 12 أغسطس 1920،في خان ضاري ، غرب بغداد ٤٠ كم .
وبعد ذلك تم إلقاء القبض على الشيخ ضاري وفي السجن مرض حتى أعياه التعب ثم تمت تصفيته بواسطة طبيب بريطاني بحقنه قاتله عام 1928م بعد أن حوكم محكمة صورية !
وقد شيعه العراقيون باهازيج شعبية حماسية وقالوا بحقه ( هز لندن ضاري..وبجاها) وكذلك …( يهلال الدنيا..شهالغيبة)!
وقد ذكرته الشاعرة ساجدة الموسوي في قصيدتها ( بل رجالٌ ونعم الرجال ) ونشرت في ديوانها ( ويبقى العراق ) الذي صدر في سوريا عام 2006 حيث تقول:
رجلٌ ونعم الرجال
يوجعون الحديد
يصنعون المُحال
وياما ادعى الغاصبون وقالوا
وياما الحروبُ تدارُ بقيلٍ وقال
هل نسوا الشيخ ضاري
الذي هزَّ لندنَ يوماً
إلى أن بكت من لظاه
وجرت ذيول المذلةِ
والإندحار …
رابط الموضوع قبل أيام رحل مخرج ومنتج الفيلم السينمائي الذي حمل هذه القصة التاريخية وهو فيلم “المسألة الكبرى” المخرج العملاق ( محمدشكري جميل )، 1935- 2025، رحمه الله، حيث كان عملاقاً بالعمل الوثائقي التاريخي المهم بل قامة من قامات السينما العربية العالية وصاحب تجربة ثرية ومثيرة للغاية في العمل السينمائي حتى لقبه الفنانون بلقب “شيخ المخرجين” كان يحمل فكراً وطنياً حماسياً ، ورؤية وادراك وفكر قومي مناصر للقضايا العربية العادلة ، وعملاقاً في نظرته السينمائية وعشقه للتاريخ ورصده بإتقان ، فهو عراقي وطني ابن ضابط كبير في الجيش العراقي هو ( شكري جميل ) فهو وطني بإمتياز ويحب ويعشق وطنه ودافع عنه ببسالة وإخلاص ووفاء من خلال أعماله السينمائية والتلفزيونية ذات الطابع الوطني التاريخي الملهم.
محمد شكري ولد في بغداد في سنة 1935، ذهب إلى بريطانيا لدراسة العمل السينمائي في معهد السينما في انجلترا ، بدأ تجربته السينمائية منذ العام 1953 و زاول عمله في وحدة الأفلام الوثائقية التابعة لشركة نفط العراق، و عمل مساعد مصور تحت التدريب، مع شركة (فيلم سنتر ) كان أول عمل له فيلم تسجيلي مع المصور بيتر كيلي، وبعدها عمل في فيلم «الفيضان» كمساعد مخرج ومونتير، والذي كتب له التعليق الأديب الكبير(جبرا إبراهيم جبرا). واخرج فيلم ( نبوخذ نصر والملك غازي) حتى توج عمله الوطني العملاق في فيلم “المسالة الكبرى” الضخم.
واخرج فيلم ( مأساة شعب )، عن حرب 2003 ، وكيف عانى العراقيون جراء غزو العراق وإحتلال بغداد ، وكيف قاتل العراقيون ضد 33 دولة هاجمتهم في وطنهم بقسوة وعنف بدون رحمة، بعد حصار طويل استمر 13عاما ، وظل المخرج محمد شكري جميل ،صامداً مقاتلاً شرساً مشاكساً ،وأشرف على الأفلام الوثائقية ومعاينتها التي ذكر أنها 600 ( تيب )، عن الحصار والحرب تجمعت في مكتبة قناة العربية في بغداد .
رحل المخرج العملاق محمد شكري جميل قبل أيام في دولة الإمارات في مدينة الشارقة بعيداً عن وطنه الذي خدمه بأهم الأفلام والأعمال الوثائقية التاريخية المبهرة ذات الطابع الوطني المؤثر ، وكان قبل وفاته يتألم لفقدان أغلب أعماله،سواء التي بثت أو لم تسمح الظروف ببثها، رحل حزيناً على هذة الأعمال المهمة الخالدة ،التي توثق شراسة وظلم واعتداء الغزاة على أرضه ووطنه ومجتمعه ، وحزين على وطنه المضطرب بالأحداث والفوضى ، و الذي طالما أحبه وكرمه على تلك الأعمال المتميزة الكبيرة، التي كرس من خلالها عنفوان وقوة وتاثير دور وطنه واهميته، التي أنصف بها العراق ،لكن ما بعد الاحتلال لم يذكره و لم ينصفه أحد ..
له الرحمه والخلود والمغفره،ولأسرته ومحبيه وزملائه العزاء والمواساة والصبر والسلوان ، لأن الكبار يرحلون كبار..والصغار مهما بقوا وطالت أعمارهم لكنهم يبقون صغاراً !!
كاتب سعودي