الحسد: سم القلوب وسرطان الانفس وآفة المقربين
الحسد: سم القلوب وسرطان الانفس وآفة المقربين
د. محمد بن أحمد ابن غنيم المرواني
الحسد ليس مجرد شعور عابر يولد في النفس البشرية، بل هو داء نفسي يتجذر في أعماق القلوب المريضة قد يكون سببه الاول الغيرة او تميز الاخر، ليتحول إلى سلوك سام يعكر صفو العلاقات الإنسانية. المثير في هذا الشعور أنه غالبًا ما ينبع من أقرب الناس إلينا: الأقارب، الأصدقاء، أو زملاء العمل. هؤلاء الذين يفترض أن يكونوا سندًا ودعمًا لنا يتحولون إلى ناقدين ومستصغرين لكل ما ننجزه، ليس بسبب خطأ ارتكبناه او نقص، بل بسبب نجاحنا وتميزنا الذي يكشف ضعفهم الداخلي وفشلهم احيانا.
لماذا ينبع الحسد من المقربين؟ هذا هو السؤال العجيب المحير؟!
عادة تتكون المجتمعات من مجموعات صغيرة، يجمع بين افرادها رابط معين اما ان يكون قرابة أسرية او زمالة دراسة او عمل او صداقة قديمة بسبب الترعرع في محيط واحد او حي واحد، عادة ما يكون افراد هذه المجموعة من نفس المستوى الاجتماعي والمادي والعلمي مع وجود استثناءات، و تبدأ المشكلة عندما يتميز أحد أفراد هذه المجموعة فينتقل إلى مستوى أعلى مادي كان او اجتماعي أو ادبي. هنا تبدأ المشكلة وتشتعل القلوب المريضة واول حديث في النفس يكون لماذا هو وليس انا؟ او لماذا اصبح افضل مني و بالأمس كان مثلي؟ هنا تكمن كل المشكلة و يبدأ السرطان الخبيث في الانتشار في النفس، انه الحسد.
الحسد ظاهرة نفسية غريبة. حينما ينظر الناس إلى الناجحين البعيدين، كالسياسيين والاثرياء أو المشاهير، يشعرون بالإعجاب والانبهار عادة أو الحياد احيانا لأنهم لا تربطهم بهم علاقة شخصية. أما عندما يتميز شخص من دائرتهم القريبة، يصبح هذا النجاح مرآة تُظهر لهم أين يقفون وأين فشلوا. الحاسد يشعر أن نجاحك إدانة ضمنية لعدم تحقيقه نفس الإنجاز، خاصة إذا كنتما قد بدأتما من نفس النقطة.
القريب الحاسد لا يرى فقط نجاحك، بل يقارنه بمسيرته الخاصة. يرى أنك كنت “مساويًا” له، ثم أصبحت “أفضل منه”. وهذا التحول يشعل بداخله مشاعر النقص والغيرة. ومع مرور الوقت، تتحول هذه المشاعر إلى انتقادات خفية أو حتى علنية وقد تصل الى درجة العداء والخصومة، لأن وجودك المتألق يذكّره بفشله او عدم تطوره مثلك.
كيف تتعامل مع الحاسدين؟
بما أن الحسد مشكلة متجذرة في نفوس الآخرين، فإن محاولة تغييرهم أو كسب ودهم ليست خيارًا واقعيًا. التعامل معهم يتطلب وعيًا عميقًا واستراتيجيات نفسية ذكية تضمن سلامتك النفسية واستمرارك في طريقك نحو النجاح.
افهم أن الحسد مشكلة فيهم، وليست فيك فنجاحك ليس خطأً. الحسد الذي تواجهه لا علاقة له بقيمتك أو أفعالك، بل هو انعكاس للنقص الداخلي الذي يشعر به الحاسدون. إدراك هذه الحقيقة يجعلك أكثر قدرة على تجاوز تأثير كلماتهم أو تصرفاتهم السلبية.
تجاهل الانتقادات المغرضة
الحاسدون يتغذون على ردود أفعالك. كلما تأثرت بانتقاداتهم أو دخلت في نقاشات لإثبات نفسك، زادوا من حدة هجومهم. التجاهل هو أفضل سلاح. لا تبرر، ولا تدخل في صراعات لا طائل منها. حافظ على هدوئك، فثقتك بنفسك هي ما يزعجهم أكثر.
احفظ أسرارك وإنجازاتك لنفسك
فليس كل إنجاز يستحق المشاركة العلنية، خاصة مع من أظهرت التجربة أنهم لا يحتفلون بنجاحك. احتفظ بأخبارك لنفسك، وشاركها فقط مع من تثق بأنهم يدعمونك بصدق. الحاسدون يبحثون عن نقاط ضعفك، فقلل من المعلومات التي تقدمها لهم.
استمر في طريقك دون تردد
فان أكبر رد على الحاسدين هو الاستمرار في النجاح. لا تسمح لهم بأن يعطلوك أو يشوشوا تركيزك. نجاحك المتواصل ليس فقط انتصارًا لك، بل هو كفيل بإسكات أي محاولة للتقليل منك.
لا تسعَ لإرضائهم
فالحاسدون لن يرضوا عنك، مهما حاولت أن تظهر لهم تواضعك أو تقلل من نجاحك. مشكلتهم ليست معك كشخص، بل مع أنفسهم ومع عجزهم عن تحقيق ما حققته. لذلك لا تستهلك طاقتك في محاولة إرضائهم.
حيّد مشاعرك عن تأثيرهم
وإذا شعرت أن تأثير الحسد بدأ يتسلل إليك وعلى نفسيتك، ذكّر نفسك بأن رأي الحاسد لا يعبر عن الحقيقة. لا تسمح لانتقاداتهم أو غمزاتهم الخفية أن تعكر صفو يومك او تقلل من فرحتك واعتزازك بذاتك وانجازاتك. أنت تعرف قيمتك، وتعرف كم تعبت للوصول إلى ما أنت عليه.
الحسد: قوة تُواجه بالتجاهل والنجاح
الحسد هو اختبار للنفس القوية. إنه يكشف عن معدن الناجحين الذين لا يسمحون للأصوات السلبية التافهة المريضة أن تجرّهم للخلف. الحاسدون ليسوا سوى عقبات صغيرة لا قيمة لها في طريقك الطويل. عندما تلتفت إليهم، تفقد وقتك وطاقتك، لكن عندما تستمر في طريقك ونجاحك، يتحول وجودهم إلى مجرد خلفية باهتة لا تستحق الانتباه.
في النهاية، تذكر أن نجاحك حقك الطبيعي، وثمار جهدك وعملك او بتوفيق من الله وتهيئته للظروف لنجاحك. لا تدع الحاسدين يحرمونك من فرحتك. عش حياتك، واحتفل بإنجازاتك، ودع الحاسدين يغرقون في ظلالهم وتأكل أنفسهم الوضيعة آفات امراضهم.
اسعد بنفسك واستمتع بنجاحك وتألقك.
كاتب وأديب من قطر