أفورقي والانتخابات الامريكية
أفورقي والانتخابات الامريكية
أ. فتحي عثمان
بعد انتهاء المناظرة الأولى بين مرشحي الرئاسة الامريكية دونالد ترامب وجو بايدن بدأت وسائل الإعلام ومراكز الاستطلاع ترجح تقدم المرشح الجمهوري ترامب على حساب بايدن والذي بدأت بعض الدوائر في حزبه بطرح مسألة سحب ترشيحه واستبداله بمرشح آخر. ونظرا لأهمية تأثير ساكن البيت الأبيض عالمياً فإن الحكومات والمراقبين شرعوا في تقييم احتمالات فوز مرشح على آخر على بلدانهم ومناطقهم والوضع الدولي بشكل عام. في هذه المتابعة سوف نحاول رصد موقف الرئيس الارتري اسياس أفورقي من الانتخابات وبشكل خاص في حال فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب.
خلال العقدين الماضيين من حكمه بعث أفورقي برسالتين فقط لرؤساء أمريكيين: الأولي كانت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عزى فيها الشعب الأمريكي واكد وقوف ارتريا إلى جانب الولايات المتحدة في حملتها ضد الإرهاب بعد خطاب الرئيس بوش الناري والذي قال فيه أن من ليس معنا اليوم فهو ضدنا. الرسالة الثانية كان رسالة تهنئة لدونالد ترامب بفوزه في الانتخابات. ربما كانت الرسالة الثانية نكاية بالحزب الديموقراطي الخاسر والرئيس المغادر باراك أوباما والذي فرضت بلاده حظرين على ارتريا في عامي 2009 و 2011.
ليس للرئيس أفورقي- على عكس ما يدعي- موقفاً عدائياً من استراتيجية الهيمنة الامريكية؛ بل هو يعادي الإدارات الديموقراطية، وبالتحديد الإدارات التي تستعين بخبراء أمريكيين في الإغاثة والشئون الإنسانية من الذين عملوا في القرن الافريقي وبالتحديد في اثيوبيا في الثمانينات، وأصبحوا لاحقاً مستشارين كبار ومخططين لسياسة الرئيس أوباما في المنطقة. وبالطبع لا يشمل ذلك سوزان رايس والتي يظن البعض بأنها العدو رقم واحد لأفورقي في وسط الديموقراطيين. والشاهد أن أفورقي ليس لديه عداء مع الإدارات الديموقراطية هو الاعجاب والتأييد الذي ابدته إدارة كلنتون لأفورقي؛ حيث وصفه كلنتون في منتصف التسعينات بأنه من الجيل الجديد لقادة افريقيا إضافة إلى ملس زيناوي وجون قرنق وبول كاغامي ويوري موسيفيني.
في حال فوز ترامب بالرئاسة فإن القارة الافريقية برمتها لن تصبح ضمن اهتماماته الأساسية؛ ولكن ارتريا والتي هي امتداد للشرق الأوسط ستكون من ضمن خطط الإدارة الجمهورية الجديدة. فالمعروف أن ترامب يهتم بصراعه مع الصين وإيران أكثر من اهتمامه بالصراع مع روسيا، وعليه سوف تضغط إدارته على ارتريا للتخلي عن الحليف الصيني وطرد الشركات الصينية من البلاد إضافة إلى تجاهل مبادرة طريق الحرير الصينية. ويمكن في نفس الوقت للإدارة الجمهورية غض النظر عن علاقات ارترية – روسية بسقف محدود، لعلم هذه الإدارة بأن تسليح الجيش الارتري يعتمد أساسا على روسيا، وشريطة الا تتضمن تلك العلاقات الثنائية قواعداً أو تواجداً روسياً نشطاً على السواحل الارترية، وما عدا ذلك فلن ترى واشنطن أي غضاضة في علاقة روسية ارترية محسوبة على عكس العلاقة مع الصين والتي يجب أن تنتهي فعلياً.
في حال فوز ترامب واهتمام فريق إدارته بالقرن الافريقي سيتم الربط بمحاور أخرى وملفات إقليمية وستكون سياسية الجزرة والعصا حاسمة في تحديد خطط إدارة ترامب في القرن الافريقي بشكل خاص. بناء على ذلك سوف تشهد العلاقات الدبلوماسية بين ارتريا وواشنطن تحسناً وترفيعاً للتمثيل الدبلوماسي، وسوف يمثل ذلك (حقبة ذهبية) أخرى لأفورقي في سدة الحكم حيث يمكن له التضحية ببكين على حساب علاقات نموذجية بواشنطن دون خسارة موسكو، في نفس الوقت الذي سوف يتمكن فيه من كسر طوق العزلة الخانق المضروب حول عنقه منذ خمسة وعشرين عاما.
يميل أفورقي في سياساته الخارجية إلى التعامل براحة تامة مع أحزاب اليمين وخاصة اليمين المتطرف؛ وسيكون هذا منطلق تعامله مع ساكن البيت الأبيض الجديد. إيطاليا وعلاقات ارتريا بحكومتها اليمينة هي نموذج واضح للتدليل على ما نقول. فأفورقي حضر القمة الإيطالية الافريقية في يناير الماضي بعد غياب طويل عن زيارة العواصم الغربية. وتوجت زيارته بزيارة وزير الاشغال الإيطالي أدولفو روسي إلى ارتريا مع وعود باستثمارات إيطالية في مجال البنية التحتية وتنمية العلاقات الثنائية. علاقات أفورقي مع اليمين الإيطالي تعود إلى فترة العلاقة المتميزة مع حزب رابطة الشمال ( ليغا نورد) المعروف محليا باسم (الكاروشيو) والذي يترأسه ماتيو سالفيني. ويمكن تتبع الغزل بين اسمرا وروما بفهم أن الحكومة الإيطالية بقيادة جورجيا ميلوني وحزبها الأخوة الإيطالية (فراتيلي دي ايتاليا) لا تختلف في رؤيتها الإجمالية لعلاقات الهجرة والعلاقات الدولية عن نظيرتها الفرنسية مارين لوبن والعراب دونالد ترامب. وهي سياسة قائمة على فكرة واحدة وهي منع الهجرة تماما أولا أو اعتماد مبدأ: ما دمنا ندفع للمهاجرين من ميزانياتنا بعد وصولهم إلى بلداننا؛ فلندفع نفس هذه المبالغ لحكوماتهم للإبقاء عليهم في بلدانهم ثانياً. وهذه الاستراتيجية الثانية طبقها الاتحاد الأوروبي مع ارتريا وحصلت ارتريا بموجبها على عشرين مليون يورو بحجة تأهيل الشباب وتوفير فرص العمل لهم حتى لا يهاجروا، بافتراض أن هجرة الشباب الارتري بشكل خاص تعود لأسباب اقتصادية. تعامل أفورقي مع اليمين الأمريكي والاوروبي يضمن له مكاسب متعددة وعلى عدة جبهات؛ ويطيل أمد بقائه المريح في السلطة، حتى لو كان ذلك على حساب العلاقاتِ مع بكين، لكل هذه الأسباب سيكون لفوز دونالد ترامب وقعاُ إيجابيا لديه وسيعيش أياماً مديدة وسعيدة على تل الخراب الذي يجلس عليه.