مقالات كل العرب

إنما الحاجة عند الفقد: أهمية الأخلاق في أوقات الحروب

شارك

إنما الحاجة عند الفقد:
أهمية الأخلاق في أوقات الحروب

د. محمد بن أحمد المرواني

ردًا على مقولة “لا أخلاق في الحرب” التي طرحها أحد الأصدقاء تعليقًا على مقالي السابق، يتعين علينا استعراض أهمية الأخلاق والمبادئ في أوقات النزاع والصراعات. الحاجة الحقيقية للأخلاق والمبادئ تبرز عندما يشتد الظلام، وتصبح المبادئ أكثر أهمية عندما تكون الأوضاع في أسوأ حالاتها. بمعنى آخر، تظهر الحاجة إلى الأخلاق بوضوح في ظروف الفقد، والفوضى، والحروب.

الأهمية العظمى للأخلاق في الحروب

الأخلاق في أوقات الحرب ليست مجرد ترف يمكن تجاوزه، بل هي الأساس الذي يحدد الفرق بين السلوك الإنساني والسلوك الوحشي. عندما تتفاقم الأوضاع، وتشتد النزاعات، تبرز أهمية القيم الإنسانية التي تحافظ على بعض من السلام والأمان حتى في أحلك الظروف. الأخلاق في الحرب ليست مجرد نظريات بل هي قواعد تحكم التصرفات وتحد من الدمار غير الضروري.

الأمثلة التاريخية

نأخذ مثالًا من التاريخ، فلو قبلنا بمقولة “لا أخلاق في الحرب”، لكان علينا أن نبرر الأعمال الوحشية التي ارتكبها أدولف هتلر خلال الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك جريمة الهولوكوست التي أودت بحياة ملايين الأبرياء. كما ينبغي علينا أن نبرر المذابح التي ارتكبها جوزيف ستالين ضد اعدائه و خصومه من شعبه خلال فترة حكمه. هذه الأعمال لم تكن مجرد استراتيجيات حربية، بل كانت خروقات جسيمة للأخلاق والإنسانية.

و على النقيض من ذلك لنا في التاريخ أمثلة مضيئة من التمسك بالأخلاق في الحروب
و يتجلى ذلك فيما أظهره رسول الله صلى الله عليه و سلم من
جوانب الرحمة والإنسانية في حروبه مع أعدائه،
حيث كانت من وصاياه لقادة السرايا لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الولدان، ولا أصحاب الصوامع.
حيث كانوا فاتحين متحلين بأعلى درجات الأخلاق حتى في أشد مواقع الخصومة و الاختلاف و تضارب المبادئ و المفاهيم و المصالح و المتمثلة في الحرب .

الأخلاق كمحدد للسلوك الإنساني

التمييز بين الخصم النزيه والخصم عديم الأخلاق يظهر جليًا في طريقة تعاملهما مع الأزمات. الخصم النزيه يحترم القانون الدولي والأعراف الإنسانية، حتى عندما تتفاقم الأوضاع.

الحاجة إلى الأخلاق في الأزمات

الحاجة إلى الأخلاق تظهر بوضوح عند الفقد؛ فلا ندرك أهمية الطعام إلا عند الجوع، ولا ندرك أهمية الأمن إلا عند الفزع . وبالمثل، لا ندرك أهمية الأخلاق إلا في الأزمات والحروب، عندما يكون الالتزام بالقيم الإنسانية هو الفارق بين الحفاظ على جزء من الإنسانية والسقوط في هوة الوحشية.
بيننا يتمتع السواد الاعظم من البشر بنسب مقبولة من اللياقة و اللباقة و الأخلاق في التعامل مع الآخرين في أوقات الرخاء و اوقات السلم .

الأخلاق في الحروب ليست مجرد شعارات، بل هي ضرورة للحفاظ على الكرامة الإنسانية وتقليل المعاناة. تبرز الحاجة إلى الأخلاق عند الفقد، عندما تكون الأوضاع في أسوأ حالاتها. تفرض الأخلاق حدودًا على الأعمال الوحشية، وتقدم إطارًا يحافظ على بعض من الإنسانية حتى في أحلك الأوقات.

في النهاية، الأخلاق في الحروب ليست مجرد ترف يمكن الاستغناء عنه، بل هي جوهر الإنسانية الذي يحافظ على كرامة البشر. تجاهل الأخلاق والمبادئ في الصراعات يعيد البشرية إلى حالة من الوحشية والفوضى. إنما الحاجة عند الفقد؛ فعندما نواجه الأزمات، يظهر لنا بوضوح أهمية التمسك بالأخلاق والقيم الإنسانية. هذا الدرس يجب أن يبقى راسخًا في الأذهان، ليكون منارة تهدي السلوك الإنساني في أوقات الشدة والصراع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى