الصحافة بين مطرقة الحرب وسندان الاغتيالات: الرحلة الصعبة نحو نقل الحقيقة
الصحافة بين مطرقة الحرب وسندان الاغتيالات: الرحلة الصعبة نحو نقل الحقيقة
أ. رجاء السنوسي
في ظلمة الحروب، تكون أقلام الصحفيين تلك الشعلة الهامة التي تحاول أن تنير لنا حقيقة الأحداث. وتكشف عن وجوه الصراعات، ولكن هل أصبحت هذه الأقلام هدفًا للاغتيالات و الاستهدافات؟ في عالم يشتعل بالتوترات والنزاعات، يجد الصحفي نفسه في خط النار، حيث يكون عرضة للمخاطر والسجن والقتل، وتتوجَّه إليه الأيدي بالتهديد. في هذا السياق، ننطلق في رحلة مع تلك الأقلام الشجاعة والكاميرا الشاهد الحقيقي على الوقائع المروعة التي تتحدى الخطر، لنكتشف كيف يُسْتَهْدَف الصحفيين في زمن الحروب، وما هي التحديات التي يواجهونها في سعيهم الدائم لنقل الحقيقة إلى العالم.
“العالم يجب أن يرى بعينه، وليس بعين إسرائيل يجب أن يسمع ويرى كل ما يحل بهذا الشعب الفلسطيني؟ ماذا فعل لهم حمزة؟! وماذا فعلت لهم أسرتي؟ ماذا فعل لهم المدنيون الآمنون في قطاع غزة؟ لم يفعلوا شيئا، لكن العالم يتعامى عما يحدث في قطاع غزة”. بهذه الكلمات ودع الصحفي الفلسطيني وائل الدحدوح نجله الشهيد حمزة الدحدوح الذي استشهد بتاريخ 7 يناير 2024
هذا الرجل الأكثر صرامة وصبرا في العالم نجا من محاولتي قتل، قتلت زوجته وابنتاه وحفيده الأصغر بصاروخ الكيان وتكررت محاولة القتل مرة اخرى ليصيب الدحدوح بجروح ويستشهد زميله طيلة العشرين عاما الصحفي سامر ابو دقة الذي ظل لساعات ينزف وقوات الاحتلال تمنع عنه المساعدة وسيارات الاسعاف، ليواصل الدحدوح بعد سويعات الوقوف أمام الكاميرا بثبات، ويتابع نقل الحقيقة كاملة رغم الالم ليودع نجله البكر الصحفي حمزة بصبر وثبات. صورته كانت درسا للعالم حين يمتزج الحزن العميق مع التصميم القوي في مواجهة الألم والصمود يعكس التحديات الكبيرة التي يواجهها أمام الخسارة القاسية واستمراره في نقل الخبر. هكذا تكون حياة الصحفي والمراسل الحربي في لحظات الصعاب، تظهر ملامح الصحفي بوضوح كرمز للصمود حيث يستمر في مهمته الصحفية رغم ألم الفقد وألم الوطن ويبقى ملهما للكثيرين ومدرسة للصحفيين في العالم ومن قبله اغتيال العديد من الصحفيين ومن بينهم.
شيرين أبو عاقله، مراسلة قناة الجزيرة، اغتيلت برصاص الجيش الإسرائيلي في 11 مايو 2022 أثناء تغطيتها عملية عسكرية في مخيم جنين في الضفة الغربية رغم ارتدائها سترة الصحافة والخوذة الا انها تعرضت للتصفية. أثار اغتيالها موجة من الإدانات الدولية والمطالبات بالتحقيق في ظروف وفاتها، حيث اعتبر العديد من المراقبين أن الهجوم كان استهدافًا مباشرًا للصحافة الحرة ولم يقتصر العدو الغاشم على مقتلها فقط بل شهدت جنازتها محاولة للتنكيل بجثمانها من قبل القوات الإسرائيلية. في 13 مايو 2022، خلال جنازتها، تعرضت حشود المشيعين لاعتداءات من الشرطة الإسرائيلية، التي أطلقت القنابل الصوتية وأعاقت تقدم النعش. وقد أدانت منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي هذه التصرفات، معتبرين أنها محاولة لتقويض حقوق الصحافة وقمع حرية التعبير.
هذا ويتواصل استهداف الصحفيين ليصل الى الصحفي اسماعيل الغول الذي استشهد مع المصور رامي الريفي خلال تغطية صحفية عند موقع منزل الشهيد اسماعيل هنية. الغول كان أحد الصحفيين القلائل الذين بقوا في شمال غزة لتغطية عدوان الإحتلال بما في ذلك استهداف مستشفى الشفاء.
وقد نددت قناة الجزيرة باستهداف اسماعيل الغول مضيفة انه يأتي ضمن استهداف الاحتلال المتعمد لطواقمها ومراسليها في فلسطين.
301 يوم من زمن حرب الإبادة الإسرائيلية 157 صحفيا استشهدوا برصاص الاحتلال وصـواريخه منذ السابع من أكتوبر.
في قلب النزاع المستمر في غزة، يواجه الصحفيون تحديات غير مسبوقة تتجاوز مجرد تغطية الأحداث. هؤلاء الصحفيون، الذين يعتبرون مرآة لواقع الحرب، يعانون بشكل مباشر من تداعيات الصراع. العديد منهم فقدوا عائلاتهم، بينما اضطر آخرون للجوء الى مخيمات النازحين هربا من الحرب فقدان الاهل والأبناء. وفي خضم هذا الوضع القاسي يعيش الصحفي تحت وطأة الحرب محاط بالضغط والخوف والجوع و إعادة زمنية للأحداث اليومية استهداف قصف،اشلاء،دمار،شهداء،اطفال ابرياء دماء صور موجعة ورغم هذا يواصلون عملهم بشجاعة ناقلين صور المأساة إلى العالم الخارجي ساعين لتسليط الضوء على الأزمات الإنسانية.
تجربة هؤلاء الصحفيين تبرز الحاجة الماسة لدعمهم وحمايتهم، حيث يمثلون خط الدفاع الأول في نقل الحقيقة وتوثيق الوقائع. إن استمرارية دورهم في مواجهة الحرب تتطلب تقديرًا عالميًا وتوفير الدعم الضروري لضمان سلامتهم وقدرتهم على أداء عملهم بفعالية ولكن…
استهداف واضح لحرية الصحافة التي تعتبر أحد الركائز الاساسية للديمقراطية والمجتمعات، لطالما سعى الصحفي بدوره الى رصد انتهاكات حقوق الانسان وتوثيق الظلم لكن استهداف الصحفيين يقلل من فعاليتهم في كشف الحقائق فمثل هذه الانتهاكات تعرقل جهود حماية حقوق الإنسان.
في خضم ما يقع في غزة والضفة والخليل ودير البلح وغيرها… من إبادة على مرأى ومسمع العالم وما تسوقه اسرائيل من مغالطات في حق شعب فلسطين إلا أنها سعت جاهدة الى اخماد صوت الحقيقة تحت أزيز الرصاص والقصف المقصود والعنف المسلط واغتيال صحفيي فلسطين وصولا لعتبات عائلاتهم.
حرب اجرامية واستهداف ممنهج من جيش الاحتلال ضد الصحفيين الفلسطينيين لطمس الحقيقة وحجبها على العالم, ورغم حرب الإبادة والمخاطر اليومية وتحت ظل القصف والغارات الجوية إلا أنهم تمسكوا بصاحبة الجلالة ولم يتراجعوا البتة وتمسكوا بنقل الصورة والوقائع بحيادية وكما يجب.
تلك الحقيقة المسكوت عنها صورة غزة ارض العزة كما تغنى بها ابطال غزة التي بدت الشوارع فيها كلوحات فنية مأساوية حيث تنتشر المباني والمدارس المدمرة والانقاض في كل اتجاه، وترسم لنا لوحة حزينة عن التدمير الذي خلفته الصواريخ ودبابات الاحتلال في مناطق مثًقلة بالاحداث الصادمة، تصاعد الأدخنة والغبار يعكسان حالة من الدمار لا تعد ولا تحصى. غزة الأبية تراها ما كانت تعتبر يوما مسكونة بالحياة وضحكات الاطفال الابرياء اليوم أصبحت بيوتا ومآوٍ محطمة، ترقد فيها الذكريات المألوفة تحت الركام.المباني التي كانت تشكل هويتها وتاريخها الان اصبحت ركام متناثرة على الأرض تروي قصصا لا تحكى بكلمات.
سابقا دعا الإعلام الحكومي في غزة كل الاتحادات الصحفية والهيئات الإعلامية والحقوقية والقانونية إلى إدانة هذه الجريمة والتنديد بتكرارها وللضغط على الإحتلال لوقف حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة واستهداف المدنيين والاطفال وسيارات الاسعاف والطواقم الطبية والاطباء ولكن لا حياة لمن تنادي فالعدو اصبح يستخدم المصابين الفلسطنيين درعا واقيا حتى يستطعوا المرور بسلام على مرأى ومسمع العالم… .
وفي مواجهة الخطر الذي يحدق بالصحفيين الفلسطينيين وفي العالم، يجب ردع مثل هذه الانتهاكات لأن الصحفي والمراسل الحربي يجابه عدوا وبين كاميرا و حبر ورصاص تزهق ارواح وتصفى اجساد أبرياء، وليعلم العالم انه في لحظة تغلفها رائحة البارود وتشدو فيها صرخات الناس الهاربين من هول المجازر يقف الصحفيون كشهود على التاريخ، يحملون القلم والصوت والصورة تلك هي اسلحتهم لا يسعون للقتل بل لقتل الصمت وفضح الظلم. إنهم أبطال الحقيقة في عالم تتهاطل فيه الأزمات وتتعالى فيه آلات الحرب. لكن ما إن تفتح أجنحتها السوداء، حتى يكونوا عرضة لأخطار لا تعد ولا تحصى. تتساقط الصواريخ الجوية وتصوب اسلحة الاستهداف نحو هؤلاء الحراس الشجعان للحقيقة، وترفع الأيادي المسلحة لتقتل الأقلام والصورة قبل الأجساد. في زمن الحروب، وحينما تصبح الكاميرا والقلم درعًا في وجه الظلم يكون الصحفيون على خط النار، حيث تتجاوز التحديات اليومية الحدود المألوفة للمخاطر. مواجهة متسارعة لخطر الموت، يخوض هؤلاء الصحفيون حروبًا خفية، حيث الأماني في كتابة الحقيقة تصطدم بواقع الخطر المتسارع. تحت ضغوط الاستهداف، يجدون أنفسهم محاصرين بين شياطين الصمت وجهوزية البطولة. لا يكتفون بكتابة التقارير، بل يصارعون من أجل بقاء روح المهنة، وكل طباع يشكل تمردًا ضد موجة الظلام التي تسود المناطق.
إنها معركة تجلب التساؤلات حول حدود حرية الصحافة، وما إلى أي مدى يمكن للأقلام أن تتحدى الظلم وسط هدير الأسلحة والصمت المريب، يظل الصحفيون يواصلون سعيهم الدائم لنقل الحقيقة إلى العالم، عليهم أن يكونوا الأصوات التي لا تُخمد، حتى وإن كان ذلك على حافة الخطر وفي مهب الرياح الحربية.
قصة الحياة والكفاح قصة يعايشها جيل تلو الآخر، تقول دائما انها ليست النهاية ولكنها بداية جديدة يمكن أن تحمل في طياتها إعادة بناء وتقدم وحياة جديدة وولادة أجيال وعلى الرغم من الواقع المأساوي, يبدو ان هناك رسائل تتعلق بالصمود والامل ينبعث من تحت الانقاض. حياة اخرى كتبت لمن ظل صامدا تحت الركام وبكاء مولود يخرج من خيمة لاجئ ابتسامة على وجه طفل (ة) يعلمنا معنى التعافي حتى في اصعب الظروف لابد لشروق شمس جديد ولا بد أن تزهر زهرة المدائن ولعلنا من زوارها قريبا٠
ونختم بلسان الصحفي وائل الدحدوح الذي ظل عالقا باذهاننا “هذا هو قدرنا وهذا هو خيارنا وهذه هي حياتنا على هذه الأرض وفي هذه الدنيا الفانية ولا نقول إلا ما يرضي ربنا فإنا لله وإنا إليه راجعون”.. دموعنا دموع انسانية وليست دموع جزع ونحن ماضون في رسالتنا ايا كانت الأثمان…