اليوم ذكرى إستشهاد البطل عمر المختار
اليوم ذكرى إستشهاد البطل عمر المختار
د. علي القحيص
الابطال الشعان لايموتون ، وان ذهبت اجسادهم ولكن تاريخنم المشرف وذكراعم العطرة تبقى تداولها الناس في كل عام وذمرى اعدامهم وإستشهادهم ، وبطولة السيد عمر المختار الهلالي الليبي في مواجهة الجيوش الايطالية والتصدير لها معروفة في سجل الابطال.
إستشهاد في مثل هذا اليون البطل العربي المغوار عمر المختار الطاعن بالسن الرجل الكبير بالعمر والتاريخ والمبدأ في 1931/09/16 م.
الذي ولد في عام 1858م في منطقة الزاوية جنزور قرب طبرق في شرق ليبيا، وكانت ليبيا انذاك مستمرة و تابعة للدولة العثمانية، ويعتبر عمر المختار بطل عربي ليبي صمصام فهو ينتمي إلى بيت فرحات من قبيلة منفة الهلالية، وانتمى منذ صغره إلى الحركة السنوسية وهي حركة دينية إجتماعية سياسية مناضلة كان لها مراكز منتشرة في ليبيا وتشاد وغيرهم، وعندما تم إحتلال ليبيا بالكامل من قبل إيطاليا تولت الحركة السنوسية مهمة المقاومة وتحرير البلاد من الإحتلال ، وعلى راسهم البطل الراحل عمر المختار من اوائل الذين انضموا لمقاومة ضد الإحتلال الاجنبي .
ومع قدوم القوات الإيطالية لإحتلال ليبيا عام 1911م قام زعيم الحركة السنوسية أحمد السنوسي بتحويل بعض المناطق إلى معسكرات منظمة للمقاومة الوطنية ، وتواصل مع الدولة العثمانية للقضاء على الخطر الإيطالي، حيث كانت الحركة السنوسية منتشرة في أرجاء ليبيا.
وعندما تناهى لأسماع زعيم السنوسيين أحمد السنوسي اعتزام تركيا إبرام الصلح مع إيطاليا، أرسل للوالي العثماني رسالة خطية جاء فيها: “نحن نرفض ذلك …ونحن والصلح على طرفي نقيض ، ولا نقبل صلحاً بوجه من الوجوه، إذا كان ثمن هذا الصلح تسليم البلاد إلى العدو”!
ورغم ذلك وقعت الدولة العثمانية معاهدة لوزان والتي تنازلت بموجبها لإيطاليا عن ليبيا، فأعلن أحمد السنوسي إعلان الجهاد والمقاومة ضد الإحتلال ، وأعلن أن السنوسية هي الجهة الشرعية التي تحكم ليبيا والممثل الشرعي للشعب .
في عام 1916 م وفي أثناء الحرب العالمية الأولى خاض الزعيم الليبي أحمد السنوسي معارك ضارية ضد البريطانيين حلفاء إيطاليا وقد تكبد فيها خسائر جسيمة أجبرته على التنازل عن الزعامة لإبن عمه إدريس السنوسي لخفة التوتر والاعتراف بالخسارة .
وإنتهج إدريس السنوسي منهج المقامة السلمية فخاض سلسلة مفاوضات مع إيطاليا وتوصل في النهاية لإتفاقية حكم ذاتي في مناطق ليبية ويكون مركزه في (أجدابيا)، ولكن هذه الإتفاقية لم تصمد بسبب وصول الفاشيين لحكم إيطاليا عام 1922م، فهاجر إدريس السنوسي وترك البلاد إلى مصر.
وبعد ذلك الامر ، قام بتعيين الشهيد الراحل البطل المغوار عمر المختار قائدا عسكريا للمقاومة الوطنية ضد المحتل ، ويعتبر عمر المختار رمز الجهاد والمقاومة ضد الإحتلال الإيطالي، حيث نجح في توسيع نشاطه العسكري في الجبل الأخضر ولمع اسمه كقائدٍ شجاع وبارع يُتقن أساليب القتال و الكر والفر ويتمتع بنفوذ كبير وشعبية واسعة بين القبائل والشعوب ، فقد أخذ البدو من أبناء القبائل من داخل وخارج ليبيا ينضمّون إلى صفوف جيشه، وحتى أتت قبائل من نجد والعراق لمناصرته مثل قبيلة شمر وعشيرة العبيد الزبيدي، الذي منهم وزير الدفاع الليبي العبيدي ، وقد تعرضت القوات الإيطالية للخسائر للإنهاك الشديد والهزائم بسبب حسارة وشجاعة عمر المختار وجيشة المدني من الفرسان العرب ، التي تجبرهم على ملاحقة الثوار المتمرسين للقتال ومندفعين للقتال حتى الموت من أجل الكرامة رافضين الخنوع والإستسلام،.
واصبحت الحكومة الإيطالية نتيجة الفشل الذريع في ليبيا تقوم باستمرار باستبدال المسؤولين والقادة الإيطاليين في ليبيا فرقة بعد فرقة .
في تاريخ 28 مارس 1927، اشتبك المجاهدون مع القوَّات الإيطاليَّة في معركة الرحيبة، وقد تكبّد فيها الطليان خسائر جسيمة فادحة ، فلم تعد الحكومة الإيطاليَّة قادرة على تقبَّل أي هزيمة بعد أن ظهر جيشها بمظهر مهزوم منكسر هزليّ أمام باقي جيوش أوروبا، كذلك كان الحكَّام الإيطاليّون في ليبيا قد طفح بهم الكيل وفقدوا الصبر والأمل من الهزائم المُتكررة ، وكان لا بدّ لهم من إعادة اعتبارهم ورفع معنويَّات جنودهم المنهارة امام الفرسان العرب ، فشرعوا يعدّون الجيوش الجرَّارة لاحتلال الجبل الأخضر واتخاذه قاعدة لهم، وقد كانت القوَّات الإيطاليَّة كبيرة العدد والعِتاد .
علمت إيطاليا بواسطة جواسيسها من الداخل للاسف بموقع المجاهدين في (عقيرة أم الشفاتير)، فارادت أن تحكم الطوق عليهم من كل الحهات ، فزحفت القوّات الإيطالية نحو العقيرة بعد مسيرة دامت عدة أيام ، واستطاعت أن تضرب حصارًا حول المختار ورجاله من ثلاث جهات، ولمَّا علم المختار شرع يعد العدّة مع باقي قادة الجهاد والمقالين الفرسان لمُلاقاة العدو وصده، فأعدوا خطة حربيَّة وقاموا بحفر خنادق ليستتر بها المجاهدون وخنادق أخرى لتحتمي بها الأسر من نساء وأطفال وشيوخ وعجزة ، وتمَّ ترتيب المجاهدين على شكل مجموعات حسب انتمائهم القبلي ووضعت أسر كل قبيلة خلف رجالها المقاتلين، وكان قائد تلك المعركة( الشيخ حسين الجويفي البرعصي) رحمه الله ، أمَّا البطل عمر المختار فقاتل إلى جانب المقاتلين الآخرين ولم يطل الأمر حتى اشتبك المجاهدون وجها لوجه مع الطليان المحتلين في معركة دار رحاها يشيب لها الولدان ، حامية الوطيس تم تسميتها بمعركة (عقيرة الدم)، هي معركة دارت في يومي 27 و28 من أبريل عام 1927م وسقط من الليبيين الابطال الشعان الكثير من الشهداء الرجال الاشاوس، وحتى النساء والأطفال، وذلك بعد أن قصفت الطائرات الإيطالية أماكن تمركزهم، لكنَّ المختار والباقين تمكنوا من دحر الإيطاليين وأجبروهم على التقهقر والانسحاب إلى الوراء و بلغ عدد القتلى من الشهداء 200 بطل ، وبعد انتهاء المعركة، أصبحت القوَّات الإيطاليَّة منهكة القوى مُصابة بالذعر بالإعياء من شدة المعارك الشديدة الضارية المستمرة منذ فترة طويلة دون توقف او هدنه وادهلهم حماس المقاتلين العرب واستبسالهم ، وكشفت المعركة لعمر المختار عن ملامح السياسة الفاشسيَّة الجديدة وهي الإبادة الكاملة والتدمير الشامل للرجال على حدٍ سواء، فاتخذ إجراءات ترحيل النساء والأطفال والشيوخ إلى( السلّوم) لحمايتهم من الغارات الجويَّة الإيطاليَّة.
اضطر عمر المختار ان يهدأ الامر وبدخل في مفاوضات مع الإيطاليين لاعادة صفوفه ، ولكن المفاوضات فشلت وقام عمر المختار بإنهاء الهدوء حيث هاجمت مجموعة من المجاهدين الابطال دورية من (الضابطيَّة) وأبادتها عن بكرة ابيها، وتسبب الحادث في غضب الإيطاليين وجن جنونهم من حجم الخسائر ، وانزعج موسوليني وأمر بالعودة إلى القوة المفرطة والحرب الدامية ، وتعمد الإيطاليين قصف مناطق تجمع النساء والأطفال، وقام موسوليني عام 1930م بتعيين (رودولفو غراتسياني) لقيادة قواته في ليبيا، وشرع باتخاذ سلسلة من الإجراءات الدموية القمعيَّة والتعسفيَّة النكراء ، فأرسل بعض المشايخ إلى سجون إيطاليا وقرر توقيع عقوبة الإعدام على كل من يتعاون أو يتصل بالثوَّار وسجن معظم المشايخ وأعيان بنغازي ودرنة في قلعة بنينة، وأعلن جائزة قدرها( 200,000 فرنك) لقاء جلب والامساك وتسليم عمر المختار للإيطاليين الغزاة، سواءً حياً أو ميتاً، وأمر بإحراق الكثير من القرى المتعاونة مع الثوَّار العرب ، فدُمِّرت المنازل وأُحرقت المحاصيل الزراعيَّة، فنجح الطليان في السيطرة على( الكفرة والفايدية)، ونزعوا من الأهالي الخاضعين لهم امثر مت ثلاثة الاف بندقية سلاخ فردي ، وهذا جعل عمر المختار في عزلة فانتقل شرقاً ولكن الإيطاليين وضعوا الأسلاك الشائكة على طول الحدود مع مصر ، فتم حرمان الثوَّار من الإمدادات التي كانت تأتيهم من مصر عن طريق المهاجرين والبدو .
في 1931/09/11م توجَّه البطل المغوار عمر المختار بصحبة عدد من رفاقه الفرسان ، لزيارة ضريح الصحابي( رويفع بن ثابت) بمدينة البيضاء الليبية و شاهد وحدة استطلاع إيطاليَّة، وأبلغت حامية قرية السلنطة التي أبرقت إلى قيادة الجبل باللاسلكي الامر ، فتحركوا لمطاردتهم وفي الإشتباك للاسف .. جرح حصان ( عمر المختار) فسقط إلى الأرض، فنجح الإيطاليون في القبض عليه واعتقاله .
وبعد التأكد من هويته ومحاكمته تم إعدامه بعد 5 أيام من إعتقاله ، حيث اعدم في تاريخ 1931/09/16م ،و تم إحضار جميع أقسام الجيش والميليشيا المرتزقة والطيران ، وأُحضر 20 ألف من الأهالي وجميع المُعتقلين السياسيين العرب الابطال ، من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم البطل المقاوم الشرس . وأُحضر البطل عمر المُختار كالجبل الاشم،مُكبَّلاً بالسلاسل وفي تمام الساعة التاسعة صباحًا مثل هذا اليوم سُلَّم إلى الجلّاد القاتل المجرم ، وبمجرد وصوله إلى موقع المشنقة أخذت الطائرات تحلق في الفضاء فوق ساحة الإعدام على انخفاض لارهاب المجاميع ، وبصوت مدوّي لمنع الأهالي من الاستماع إلى صوت البطل عمر المختار وماذا يقول في اللحظات الاخيرة، إذا تحدث إليهم أو قال كلامًا يسمعونه، ولكنه نزر إلى المجاميع وابتسم .. وسار إلى منصة الإعدام بكل ثقة وشموخ وهو ينطق الشهادتين، وهو نظارته من يده والتقطها طفلا صغير من الليبيين كما شاهدناه في الفيلم الذي بث عن حياته.
في عندما صعد إلى الحبل، وبعد دقائق تم شنقه وصعدت روحه الطاهرة الى السماء والرجال تكبر والنساء تطلق الزغاريد بتهاجا بموقفه البطولي الشجاع .
الرحمه والغفران له ، وسلاما على روحه الطاهرة ، التي باقية حية لاتموت في ضمائر ووجدان وذاكرة الرجال الابطال الشجعان.
كاتب سعودي
المصادر : قصة فيلم عمر المختار
الباحث : المؤرخ ثامر الزغاري