سوريا بين أسد و قسد
سوريا بين أسد و قسد
أ. محمد علي صابوني
من نافلة القول أن المرحلة القادمة في سوريا ستكون صعبة ومعقدة وستشهد تدخل الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية .. وها نحن شهدنا الجولات المكوكية التي انطلقت بالتزامن مع انهيار نظام الأسد بدءاً من (لقاء العقبة) ومروراً بالمحاولات الروسية اليوم للعب بما تمتلكه من أوراق كي لا تخسر مكانتها و قاعدتها العسكرية في سوريا، فبدأت بتحريك “ضيفها المخلوع” واوعزت له بإصدار بيان عبر الموقع الرسمي للرئاسة السورية السابقة بين فيه أنه لم يتنحى عن الحكم ولم يخطط لطلب اللجوء وأنه كان يدير المعركة حتى اللحظة الأخيرة بعد ان انتقل من دمشق إلى قاعدة حميميم التي تعرضت لهجوم من طائرات مسيرة “من قبل الإرهابيين” على حد تعبيره فطلب منه الروس الإخلاء والذهاب إلى روسيا لضمان سلامته…..
ولا أستبعد في الأيام المقبلة بعد أن فشلت قسد بإقناع الحكومة السورية الجديدة بمشروعها اللامركزي أن تستخدم اوراقها هي ايضاً لتقويض الدولة السورية الجديدة ومن اهم تلك الأوراق اللعب على ورقة “الإرهاب” تلك الورقة التي تذرعت بها الولايات المتحدة الأمريكية في تبنيها ودعمها للميليشيات الانفصالية بحجة محاربة “داعش” رغم انكشاف اوراق ذاك التنظيم المخابراتي العالمي العابر للحدود ورغم معرفة من الذي أسسه ومن الذي موله وخصص له المعسكرات التدريبية، أما كيف لقسد أن تلعب بورقة داعش الخطيرة اليوم فتلك قصة اخرى:
بالتزامن مع انطلاق عملية إدارة العمليات العسكرية في سوريا وبدء تحرير المحافظات من قوات الأسد وميليشياتها صرح قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي إن تنظيم الدولة الإسلامية سيطر على بعض المناطق في شرق سوريا.
وذكر عبدي في مؤتمر صحفي أنه “بسبب أحدث التطورات، هناك تحركات متزايدة لعناصر الدولة الإسلامية في البادية السورية وفي جنوب وغرب دير الزور وريف الرقة”، وهي المناطق التي تقع شمال شرق سوريا والتي تسيطر قسد على معظمها اليوم
وقد حذر إعلام قسد غير مرة من “عملية مباغتة في لحظة اضطراب يتمكن من خلالها التنظيم من اقتحام سجون قسد وإطلاق سراح عناصره، كما حصل خلال السنوات الماضية”.
وكانت قوات سوريا الديموقراطية قد ادعت مرارا وتكراراً إحباط هجمات مكثفة شنها التنظيم ضد مراكز أمنية تضم معتقلين من داعش.
قائد “القوات المركزية الأميركية” بدوره أكد أنه “لا يزال أكثر من 9 آلاف معتقل من مقاتلي داعش في أكثر من 20 منشأة احتجاز تابعة لقسد في سوريا”، معتبراً أن هذا “يعدّ جيشاً قيد الاحتجاز، وإذا هرب عدد كبير من هؤلاء، فسيشكل ذلك خطراً شديداً على المنطقة وخارجها”.
بالمقابل يضمّ مخيم الهول المكتظ الذي تديره قسد، بحسب أرقام إدارة المخيم في يناير 2024، أكثر من 43 ألف سوري وعراقي وأجنبي من 45 دولة على الأقل، بينها فرنسا والسويد وهولندا وروسيا وتركيا وتونس ومصر. وجميع هؤلاء المحتجزين هم من أفراد عائلات عناصر في تنظيم داعش.
نعم من المرجح اننا سنشهد في الأيام المقبلة الكثير من “الأفلام الهندية القسدية” والسيناريوهات الفانتازية والأحداث المفبركة والأخبار المضللة، ولا حل في سورية للخروج من هذه الدوامة سوى بالإسراع بترتيب الأوضاع الداخلية السورية والتخلص من بقايا النظام المخلوع وأذرعه المحلية والانتقال بأسرع مايمكن من مرحلة حكومة تسيير الأعمال إلى مرحلة الانتخابات بإشراف أممي والاستفتاء على دستور جديد وتشكيل حكومة تكنوقراط وطنية تلبي تطلعات السوريين الأحرار بكافة انتماءاتهم وأطيافهم، وإلا فالبديل هو الضعف والفوضى واستمرار التدخلات الخارجية التي ستعمل جاهدة على تقويض أي محاولة للاستقرار وذلك منعاً لظهور التجربة السورية الجديدة بمظهر التجربة الناجحة التي يمكن أن يحتذى بها من قبل شعوب المنطقة، وهذا ما لن يعجب الكثير من الأنظمة الوظيفية.