مقالات كل العرب

التعليم في ظل الحرب: من مدارس غزة الى خيمها الممزقة

شارك

التعليم في ظل الحرب: من مدارس غزة إلى خيمها الممزّقة

أ. منى سامي موسى – غزة

في قلب قطاع غزة، حيث تتعالى أصوات الانفجارات المفزعة ، وتدوّي صفارات الإنذار التي لا تنتظر ، تعيش آلاف العائلات الفلسطينية في ظروف قاسية لم تمرّ على بشريّة الشمال مثلا .
لقد أدت الحروب الدموية المتكررة على غزة إلى دمار هائل و شامل في البنية التحتية المتداعية أصلا ، مما جعل من التعليم حقًا محرّمًا على الأطفال. وبينما كانت المدارس في الماضي تمثل ملاذًا للتعلم والاكتشاف والخيال الفرح ، أصبحت اليوم مجرد ذكريات بعيدة ومؤلمة ، حيث تحوّل التعليم من الفصول الدراسية الدافئة إلى الخيم الباردة و المهترئة.
عندما كانت الحرب مشتعلة كطبيعتها هنا ، فرّت العائلات من منازلها مكرهة ، تاركة وراءها كل ما هو مألوف وميسور . وجد الأطفال أنفسهم في خيم مؤقتة تشبه دفيئات الزرع المتداعية في السقوط ، إلا أنهم وضعوا فيها أحلامهم وآمالهم بلا خيارات أخرى مضافة . لكن هذه الخيم لم تكن سوى أماكن ذات ظروف معيشية باغية . ففي الصيف الحرارة لا تطاق ، وتصلح لسلق بيضة بلا ماء ، وتفتقر هذه الخيم إلى التهوية الدنيا المناسبة لبني بشر ، مما يجعل التركيز على الدراسة أمرًا شبه مستحيل وفاقد لمضمونه . بينما في الشتاء، تزرب الأمطار وتتساقط كرصاص مدفع ، وتتسرب إلى داخل الخيمة كأنها كومة لصوص قاتلة ، مما يزيد من قسوة الأجواء ويجعل الأطفال يعانون من البرد القارس الذي يلذع أوتاد الخيمة ناهيكم عن لحوم الفتية الطريّة؟!.

وسط هذه الظروف الصعبة، أضحت الحشرات والآفات جزءًا زائرات مقيمة في حياتهم اليومية الاعتيادية على جريمتها ، فكانت تعصف بهم كهزيم موت ، مما يزيد من شعورهم بالقلق الدامي وعدم الراحة التي نسوها مع أيامهم السوداء . كيف يمكن لطفل أن يتعلم في بيئة مليئة بالهموم والمخاوف وقصف الطائرات؟ كيف يمكن لعقله الذي تزحزح من تجويفه أن يستوعب الدروس البشرية ، بينما هو مشغول بالتفكير في كيفية الهروب من عضّ الكلاب المسعورة بالبنادق ، و من لدغات الحشرات الجارحة ، أو عن كيفية مواجهة برودة الجو المائل لحالات التجمّد؟

المدارس، التي كانت في السابق مركزًا للتعلم والتفاعل والحياة، أصبحت الآن ذكريات مؤلمة وكومات موت . التعليم لم يعد يمثل فرصة للنجاح، بل تحول إلى تحدٍ كبير لمعنى المدرسة ، ورغم وجود بعض المبادرات من قبل المؤسسات الإنسانية، إلا أن هذه الجهود تواجه عقبات مفروضة احتلاليا بشكل مديد . والموارد شحيحة في سوق غزة المنهك ، مما جعل من الصعوبة بمكان توفير الأدوات الأساسية البسيطة مثل القرطاسية والسبورات والطباشير التي نسيها العالم . كثيرًا ما كان الأطفال يجلسون على الطين، غير قادرين على الاستفادة من كذبة التعليم وحقّهم كما ينبغي.

عندما نتحدث عن التعليم في ظل الظروف الصعبة، يبرز صوت مراد مثلا، طالب في الصف السادس، يبلغ من العمر 12 عامًا. يدرس في خيمة تعليمية بلا لون ، حيث يواجه تحديات يومية تؤثر على تجربته التعليمية بشكل كبير.
يقول مراد: “أنا أعاني كثيرًا، مثل باقي زملائي. أدرس على لوح صغير متشقّق، وأجلس على الأرض. في بعض الأحيان، أجلس على الرمل الرطب . لا توجد كراسي ولا طاولات، مما يجعل من الصعب التركيز على الدروس.”
تتجلى معاناة مراد بشكل أكبر في الظروف المناخية دائمة التغيّر . “في الصيف، يكون الجو حارًا جدًا كلهيب رمضاء خالية ، بينما في الشتاء، يواجهنا البرد القارص. أحيانًا، تتسرب مياه الأمطار إلى داخل الخيمة بلا استئذان ، مما يزيد من الصعوبة.”
وعندما يتحدث عن نقص الإمكانيات، يشعر مراد بخيبة أمل. “لا توجد طباشير، ولا قرطاسية. كل شيء غال كالمعتاد ، مما يجعل من الصعب الحصول على ما أحتاجه للدراسة.”
تُعبر كلمات مراد عن واقع غالبية الأطفال في غزة، الذين يسعون لتحقيق أحلامهم في بيئة مليئة بالتحديات. رغم كل هذه الصعوبات، يبقى الأمل موجودًا في قلوبهم، حيث يطمح مراد إلى مستقبل أفضل، ويأمل أن تتحسن ظروف التعليم في خيمته على أبعد أمنية !.
ورغم كل هذه المعاناة، فإن الأمل لا يزال موجودًا. الأطفال في الخيم، رغم الظروف الصعبة، يسعون للتعلم، ويظهرون إصرارًا على مواجهة التحديات. بعض المعلمين المتطوعين جاءوا ليقدموا الدعم والعون ، محاولين إعادة الأمل إلى قلوب هؤلاء الصغار المنكسرة قلوبهم . ولكن هذه الجهود، رغم أهميتها، لا تزال بحاجة إلى دعم أكبر من المجتمع الدولي البخيل ، والهيئات المعنية المتواطئة .
تُعتبر خديجة مسؤولة الخيمة التعليمية في المخيم، حيث تقدم جهودًا مستمرة لدعم التعليم في ظروف صعبة. تتسع هذه الخيمة لطلاب من الصف البستاني حتى الصف التاسع، وقد استوعبت حوالي 600 طالب. بدأت الخيمة من لا شيء، وبتضافر الجهود من المبادرات الذاتية وإعادة التدوير، أصبحت رمزًا للأمل والتحدي والإقدام . وبفضل هذه الجهود، صنفت وزارة التربية والتعليم الخيمة كواحدة من أفضل الخيم التعليمية في سباق لم يعدّ للبشر.

ومع ذلك، تواجه خديجة والطلاب تحديات يومية لا تُحصى. حيث أن الخيمة ضيقة، وتصبح باردة جدًا في الشتاء، وحارة في الصيف. الطلاب يجلسون على الأرض، وأحيانًا على شادر بلاستيكي غير صديق للبيئة ولا للإنسان ، مما يُصعّب عليهم التركيز والتعلم الدنيوي.

تفتقر الخيمة إلى أي لوجستيات كاملة سواء للمدرسين أو للطلاب، مما يدفعهم إلى استخدام أدوات بسيطة للتعليم. تقول خديجة: “نحن بحاجة ماسة إلى مقاعد وكراسي، وخيم أكبر لتوفير بيئة تعليمية أفضل. كما أننا نحتاج إلى مكافآت للمعلمين وقرطاسية للطلاب وحقائب تعليمية.”

رغم كل هذه التحديات، تواصل خديجة العمل بجد لتوفير التعلم و التعليم لهؤلاء الأطفال المجروحين في العالم الخرب ، حيث تؤمن بأن التعليم هو المفتاح لمستقبل سيكون أفضل. إن قصتها تُظهر قوة الإرادة والعزيمة في مواجهة الصعوبات، وتجسد الأمل الذي يسعى هؤلاء الأطفال لتحقيقه في ظل الظروف القاسية واللاإنسانية.

إن حق التعليم لا ينبغي أن يُحرم أي طفل، بغض النظر عن الظروف التي يمر بها. يجب أن نعمل جميعًا من أجل تحقيق هذا الحق، وضمان أن يتمكن الأطفال في غزة من العودة إلى المدارس، حيث يمكنهم أن يتعلموا وينموا في بيئة آمنة ومحفزة. فالتعليم هو المفتاح لمستقبل أفضل، ويجب أن يكون متاحًا لكل طفل، مهما كانت التحديات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى