حين يكون الإصرار طريقًا الى المجد

حين يكون الإصرار طريقًا إلى المجد
د. تهاني رفعت بشارات
في الحياة، لا يُقاس الإنسان بسقوطه، بل بقدرته على النهوض. فمن رحم الفشل يولد النجاح، ومن قلب المحن تتفتح سبل العظمة. كثيرون واجهوا أبوابًا موصدة، وأصواتًا مثبطة، وأحكامًا جائرة، لكن الفرق بين من يخلد اسمه في صفحات التاريخ ومن يندثر، هو الإيمان بالذات والصبر على الطريق. إن قصص العظماء لم تُكتب بالحظ، بل بالحلم والعمل، والكفاح الطويل الذي لم يعرف اليأس طريقًا إليه.
النجاح ليس وليد الصدفة
النجاح الحقيقي ليس ضربة حظ، بل هو رحلة طويلة مليئة بالاجتهاد، والتجارب، والتحديات. العظماء لم يولدوا كذلك، بل صنعوا مجدهم بأيديهم، وحفروا أسماءهم في الذاكرة الإنسانية بإنجازاتهم. كم من عبقري قيل عنه إنه فاشل! وكم من مبدع سُخر منه في بداياته! لكن أولئك الذين آمنوا بقدراتهم تجاوزوا المحن وأثبتوا للعالم أن العظمة لا تُوهب، بل تُنتزع انتزاعًا.
إن قصة الدكتور مجدي يعقوب، أحد أشهر جراحي القلب في العالم، تجسد هذه الحقيقة بوضوح. حين قدم أطروحته لنيل درجة الماجستير في مصر، تلقى حكمًا صادمًا من مشرفه الأكاديمي: “هذا الطالب لا يصلح أن يكون جراحًا نهائيًا!” لم يكن هذا الحكم سوى عائق آخر على طريقه، لكنه لم يستسلم. غادر مصر، حاملاً حلمه معه، وذهب إلى بريطانيا حيث حصل على الماجستير والدكتوراه بامتياز، وأصبح أحد رواد جراحة القلب عالميًا.
المفارقة أن الرجل الذي حكم عليه بالفشل، عاد بعد سنوات ليطلب منه إجراء عملية جراحية لابنته. لم يكن يعلم أن الجراح الذي سيضع قلب ابنته بين يديه هو ذاته الطالب الذي رفضه يومًا. لكن الدكتور مجدي يعقوب لم يحمل حقدًا، بل استقبل أستاذه بحفاوة، وأجرى العملية مجانًا، مقدمًا درسًا في التواضع قبل أن يكون درسًا في النجاح.
الإرادة هي مفتاح كل باب مغلق
ما بين الفشل والنجاح، خيط رفيع اسمه الإرادة. الإرادة هي التي تجعل الإنسان يرى في العقبات فرصًا، وفي الإحباطات حافزًا لمواصلة الطريق. فلا يوجد طريق ممهد للنجاح، ولا توجد قمة تُمنح دون جهد. ومن أراد أن يترك أثرًا، عليه أن يؤمن أن الأحكام البشرية ليست نهاية الطريق، وأن الخسارة الحقيقية ليست في التعثر، بل في عدم النهوض.
إن قصة الدكتور مجدي يعقوب هي واحدة من آلاف القصص التي تثبت أن النجاح ليس حكرًا على أحد، وأن العظمة تُصنع بالصبر والتحدي. اليوم، اسمه يُذكر بإجلال في أرقى المحافل الطبية، لا لأنه وُلد عبقريًا، بل لأنه رفض أن يكون أسيرًا لحكم الآخرين عليه.
رسالة لكل من يسعى إلى المجد
إلى كل من مر بتجربة إحباط، إلى كل من واجه رفضًا قاسيًا، إلى كل من قيل له يومًا إنه لا يصلح، تذكر أن الناجحين هم الذين لم يسمحوا لأحكام الآخرين بأن تحدد مصيرهم. لا تستسلم عند أول عقبة، ولا تتوقف عند أول هزيمة. النجاح ليس لمن يبدأ بقوة، بل لمن يستمر رغم كل شيء.
فالسماء تتسع للجميع، والقمم مفتوحة لمن يستحقها، والإنجاز الحقيقي ليس في أن تصل وحيدًا، بل أن تصل وأنت تحمل معك قصة تستحق أن تُروى.