الخامس من نيسان.. يوم تبكي فيه الطفولة.. و غزة تنشد الحياة بين الرماد

الخامس من نيسان … يومٌ تبكي فيه الطفولة.. وغزة تُنْشِدُ الحياة بين الرماد
د. تهاني رفعت بشارات
في كلِّ ربيعٍ من ربيع الأحزان، عندما يُطلُّ الخامس من نيسان على أرض فلسطين، تنسج الطبيعة قصة ألمٍ تتخللها آمالٌ عابرة بين أنقاض الأحلام. في هذا اليوم، الذي كان يُفترض أن يكون عيد فرحٍ للبراءة، تتبدد ألوان البسمة من وجوه أطفال غزة، ويتحول أنين الرياح إلى مرثيةٍ تنوح على أوتار قلوبٍ جُرِحت بقسوة الزمن.
كزهورٍ شاردة تحاول أن تنبت بين الصخور المتصدعة، يحاول أطفال فلسطين، رغم عواصف الدمار، أن يجدوا بصيص أملٍ في دروبٍ معتمة. هم كطيورٍ حُرمت من سماء الحرية، تُسلب منهم حقوق الحياة بوحشيةٍ لا تعرف الرحمة. في قطاع غزة، حيث تختلط دموع الخريف بأنين الشتاء، تُحْكَى على جدران الدمار قصصُ مآسٍ أُصيب فيها الأطفال بصدمةٍ تجعل من كل يومٍ معركةً للبقاء.
إذْ تُمحى أحلام الطفولة تحت وطأة القصف، وتُسوَّى المنازل إلى حطامٍ، يصبح صوت انفجارات غزة كوترٍ حزينٍ يعزف لحن الفراق على أوتار القلوب. وفي كل زاويةٍ من زوايا القطاع، ثمة قصةٌ لأطفالٍ فقدوا بساط الأمان، وأصبح مستقبلهم مرآةً تعكس دمارًا لا يُحتمل.
أطفال غزة، الذين يعيشون في دوامة العنف، يشبهون نجوم الليل التي تسطع رغم الظلام الدامس. نجومٌ تتوهج بصمودٍ لا ينضب، حتى مع أنفاس الموت التي تلوح من وراء الغيوم السوداء. لقد صارت حياتهم قصيدةً تُكتَب بحبر الألم على صفحات الزمن، قصيدةً تتردد أصداؤها في كل أركان الوطن، بينما تهمس أصوات اليونيسف بالأمل، وتناشد العالمَ أن يمدَّ لهم يد العون لحماية حقوقهم في التعليم، والرعاية الصحية، والسلام النفسي.
وفي خضم هذه المأساة، ترفع المؤسسات الحقوقية صوتها عاليًا، مُطالبةً بتجريم الإبادة الجماعية التي تُرتكب بحق شعبٍ أعزل، وأطفاله الذين نُقشت على وجوههم آثار الجوع، والخوف، والحرمان من أبسط مقومات الحياة. فغزة لم تعد سوى ساحة معركةٍ يُصارع فيها الأطفال بين جراح الماضي وأحلام المستقبل، بين قسوة الحاضر وغيوم الغد.
مشهد أطفال غزة وهم يحزمون حقائبهم في صباح يومٍ كان يجب أن يكون يوم فرحٍ وبراءة، صار لوحةً تروي بألمٍ قسوة الحرب، وتكشف عن صمود قلوبٍ صغيرةٍ تواجه العاصفة. إنها صرخةٌ إلى الضمير العالمي: أن ينظر إلى هذه المعاناة بعين الرحمة، وأن يحوِّل الكلام إلى فعلٍ يُنقذ أرواحًا، والوعود إلى واقعٍ يُعيد لهؤلاء الأطفال حقوقهم المسلوبة.
في كل نبضة قلبٍ تحمل ألم غزة، ثمة صرخة براءة تُذكّر العالم بواقعٍ مريرٍ يحتاج إلى تغيير. فلنجعل من هذا اليوم وقفةً لإعادة البسمة إلى شفاه الأطفال، ولنعمل معًا كي يزهر غدٌ يحمل لهم وعدًا جديدًا بالحياة، بعيدًا عن ظلال الرصاص والدمار.
فالأطفال لا يستحقون أن يكونوا ضحايا الحروب.. بل زهورًا تُزهِر في حدائق السلام.