مقالات كل العرب

المزونة تبكي ابناءها: حين يصبح الحطام قدرا لتلاميذ الداخل المنسي

شارك

المزونة تبكي أبناءها: حين يصبح الحُطام قدرًا لتلاميذ الداخل المنسي

أ. رجاء السنوسي

“الماء ماعندناش خويا مالقيناش بش نغسلوه”: : عبارة تلخّص وطأة التهميش في قلب تونس المنسية

في صباح دامٍ من أيام أفريل 2025، استيقظت المزونة، إحدى معتمديات سيدي بوزيد، على فاجعة مؤلمة: انهيار جزء من سور المعهد الثانوي بالمنطقة يودي بحياة ثلاثة تلاميذ ويخلّف جرحى، في مشهد أعاد إلى الأذهان مأساة مدرسة “الفرنانة” قبل سنوات، وعشرات الحوادث المشابهة التي مرت بلا محاسبة حقيقية.

الحادثة كانت كافية لهزّ الرأي العام، ليس فقط لحجم الخسائر، بل لأنها جاءت كصفعة مدوية تؤكد أن لا شيء تغيّر في المناطق الداخلية، حيث المدارس ما زالت بنايات مهترئة، والمسؤولية مُوزعة بين تقصير إداري، وميزانيات غائبة، واهتمام مركزي موسمي، لا يتحرك إلا حين يسقط الأبرياء.

كلمات الأهالي: الصدمة التي عرّت الواقع

في تصريح صادم وموجع، قال أحد سكان المزونة: “ما عندناش ماء خويا مالقيناش باش نغسلوه لم تكن تلك مجرد كلمات بل صرخة تنزف منها كل أوجاع التهميش، والبؤس، والنسيان المزونةمثلها مثل مناطق كثيرة في تونس العميقة، تُعاني من غياب الماء، انقطاعات متكررة للكهرباء واخرى انعدام الكهرباء ، بنية تحتية مهترئة، ومرافق عمومية متهالكة… فكيف لا تقع الكوارث؟

الدولة بعد الفاجعة: تضامن وتصريحات… ولكن

عقب الفاجعة، عبّر رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودربالة عن تضامنه مع العائلات، مؤكّدًا ضرورة محاسبة المسؤولين. كما بادر 37 نائبًا بطلب جلسة استماع عاجلة لوزير التربية نور الدين النوري، لمساءلته عن وضعية البنية التحتية للمؤسسات التربوية، والإجراءات المُتخذة لتفادي الكوارث.

بالمقابل، اندلعت احتجاجات شعبية واسعة في المزونة وعدد من مدن سيدي بوزيد والعاصمة، رافقتها حالة غضب عارمة. كما تم تنفيذ إضراب عام في المزونة، أغلقت فيه المؤسسات العمومية أبوابها، في يوم حداد وطني شعبي بامتياز.

العدالة على الخط: إيقافات وتحقيقات

سارعت النيابة العمومية إلى فتح تحقيق في الحادثة، وتم إيقاف مدير المعهد على ذمة التحقيق، بتهم تتعلق بالقتل والجرح عن غير قصد نتيجة الإهمال. لكنّ الشارع يرى أن تحميل المسؤولية لمدير محلي هو مجرّد “كبش فداء”، فالجميع يدرك أن الخلل أكبر، وأعمق، ويتعلق بسياسات مهترئة تجاه الجهات الداخلية منذ عقود.

اقتراحات تحت وطأة الألم: مبادرة برلمانية رمزية

في محاولة للخروج من منطق ردّ الفعل، اقترح عدد من النواب إعلان يوم عمل وطني تُخصّص عائداته لصيانة المؤسسات التربوية، خاصة في المناطق المهمشة. مبادرة رمزية، قد تكون مؤثرة إذا رُبطت بإرادة سياسية حقيقية، لا شعارات مؤقتة مع ان العمل التطوعي قيمة نبيلة، لكنه لا يجب أن يُستخدم كغطاء للتقصير أو وسيلة للضغط المعنوي على الناس. عندما يُستدعى المواطن ليملأ فراغ الدولة، فإننا لا نتحدث عن تطوع، بل عن فشل منظومة. وعندما تصبح المدرسة مشروعًا خيريًا، فإننا أمام دولة تخلّت عن أضعف مواطنيها: الأطفال.
فالوطن ليس شركة مفلسة تُموّل من جيب الموظف، بل عقد اجتماعي تُقابل فيه الحقوق بالواجبات. وإن كانت الدولة تطلب من مواطنيها أن يساهموا في البناء، فعليها أولًا أن تكون قد وضعت حجر الأساس، لا أن تتركهم يحملون المعاول وحدهم.


لماذا لا نتحرك إلا بعد فوات الأوان؟

ما حصل في المزونة ليس مجرد حادث، بل نتيجة حتمية لمسار طويل من الإهمال. لماذا لا تتحرّك الدولة إلا بعد سقوط الضحايا؟ لماذا ننتظر الكوارث لنتذكّر أن هناك مدارس بدون صيانة، وأن جدرانها تتهاوى منذ سنوات؟ لماذا لا يُفعّل دور الرقابة، ولا تُرصَد الميزانيات إلا بعد أن ندفع ثمنًا إنسانيًا باهظًا؟

نريد دولة تحمي أبناءها… قبل أن تُبكي أهاليهم

ما حدث في المزونة يجب ألا يُنسى أو يُختزل في تقارير إدارية ووعود سياسية عابرة هو إنذار جديد لدولة تُصرّ على تجاهل المناطق الداخلية وتعتبر التلميذ في سيدي بوزيد أو القصرين أو جندوبة مواطنًا من درجة ثانية المطلوب اليوم ليس فقط التحقيق، بل تحرك عاجل، عادل، وهيكلي يُعيد لتلك الجهات كرامتها… ولأطفالها الحق في الحياة، لا١ الموت تحت جدار متهالك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى