إعلاميون عراقيون تلاحقهم الخضراء بشبكتها!!
جلال النداوي
قبل سنوات قليلة بدأت السلطات العراقية ومخابراتها بالتنسيق مع شبكة الإعلام الحكومية وفق خطة ممنهجة حملة لإسكات واستئصال الأصوات الإعلامية التي تعمل تحديدا في المجال التلفزيوني والتي عرفت بأنتقادها للسياسات الحكومية وفضح فسادها وجرائمها، وقد بدأت هذه الحملة سيئة الصيت منذ فترة حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، إلا أنها تجلت بوضوح منذ أكثر من ثلاث سنوات، وذلك باستخدام وسائل الترغيب بدفع الأموال، أو التهديد باستخدام القوة والضغط على القنوات التلفزيونية والتي أدت بالتالي إلى غلق العديد منها ووقف بث برامج تلفزيونية مهمة لها تأثيرها في الشارع العراقي.
كانت البداية مع إحدى الأقنية العراقية التي تبث من مصر حيث أغلقت أكثر من مرة لتعود وتستأنف بثها من جديد، حتى تم إغلاقها نهائيا في المرة الأخيرة.. وكما هو معرف لدى المشاهد العراقي فأن هذه القناة كانت تقوم عبر برامجها التلفزيونية بفضح كل ما يجري في الكواليس الحكومية، وكان ابرز أربع من هذه البرامج تلك التي قدمها إعلاميين معروفين ومع غلق القناة توقفت هذه البرامج التي كان لها وقعها على جمهور المشاهدين وتأثيرها في الرأي العام.
وبمحاذاة العمل على غلق تلك الفضائية كانت تترافق معها خطوات مماثلة لغلق قناة أخرى والتي كانت تبث من مصر أيضاً، حيث تم غلقها أكثر من مرة حتى عادت واستأنفت بثها مرة أخرى من تركيا ومازالت تبث حتى الآن، ويبدو أنها الناجية الوحيدة من معركة السلطات الحكومية مع الأعلام الوطني الحر.
في وقت سابق اتجهت أنظار السلطات صوب القنوات العراقية العاملة في الأردن حيث تم إرسال وفد من شبكة الإعلام الحكومية التقى فيها المسؤولين في هيئة الإعلام الأردنية لحثهم على منع عدد من مقدمي البرامج التلفزيونية المثيرة للجدل ووقف بث قنوات اخرى، إلا ان المسؤولين في الهيئة الأردنية رفضوا هذه المطالب انطلاقا من مبدأ حرية الأعلام في الأردن، لكن الأمر لم ينتهي عند هذا الحد، فقد لفقت السلطات العراقية تهمة لقناة تبث من الأردن والتي كان يقدم منها إعلامي معروف برنامجا يتعرض فيه بالنقد الشديد للحكومة والطبقة السياسية في العراق ويفضح ممارساتهم وفسادهم وجرائمهم، ما دعا إلى غلق القناة نهائيا.
وفي ذات الوقت تحركت هذه الجهات سرا للضغط على مالكي القنوات وكانت الاتصالات الهاتفية الساخنة تأتيهم من مصادر القرار في المنطقة الخضراء أوعلى شكل مخاطبات رسمية صادرة من شبكة الأعلام الحكومية (بدفع من جهاز المخابرات والأجهزة الأمنية في بغداد) تقضي بوقف بعض البرامج السياسية التي تحظى بمتابعة كبيرة من قبل العراقيين، مثلما فرضت عليهم منع مقدمي هذه البرامج من الظهور على الشاشة وانهاء برامجهم، وبسبب ضعف بعض مالكي القنوات أمام المبالغ التي يسيل لها لعابهم ولاسيما أنهم دائمو الشكوى من الضائقات المالية التي يتذرعون بها على الدوام أمام المنتسبين، أو بسبب منافع شخصية تربطهم بالحكومة، تكون سكاكين المنطقة الخضراء قد وصلت إلى رقاب هؤلاء الإعلاميين لتستأصلهم من عملهم الإعلامي الوطني الذي التزموا به دفاعا عن الشعب العراقي.
وعلى هذا الأساس نجد ان عدداً آخر غير قليل من الإعلاميين الذين يحظون باحترام ومتابعة المشاهدين العراقيين شملتهم قرارات الاستئصال بشكل هادئ، اضطر البعض إلى طلب اللجوء في أوروبا بعد أن لاحقته ثم تم إنهاء خدمات إعلامي آخر في قناة كان يعمل فيها وباشر في العمل بقناة أخرى ومازالت شبكة الأعلام الحكومية المتهمة بالفساد تلاحقهم بكتبها الرسمية التهديدية حتى الآن حسب معلوماتنا الخاصة، ثم أتى الدور على إعلامي ثالث الذي تمت مداهمته بكتاب رسمي صادر من الشبكة، بعد أن التزم كحال بقية زملاءه بصوت يبث هموم الوطن.
أن المتتبع أوالمراقب للساحة الأعلامية التلفزيونية العراقية سيجد في عملية مسح بسيطة ان العمل التلفزيوني الكاشف لجرائم الفساد الحكومي والاضطهاد والظلم قد اختفى من الشاشة، إلا من بعض القنوات التي تقوم فقط بعملية نقل جزئي لما يدور في العراق دون ان يكون لها أو لبرامجها وإعلامييها أي دور في التعليق على حقيقة ما يجري وفضحه. وأخيرا لابد أن نقول أن كان للباطل جولة فأن للحق جولات.