كش عبد!!
أ. إيمان الشافعي
أدورانا في الحياة كقطع الشطرنج تماما، بعضنا يختار قطعته والآخر يترك القطع تختاره؟!
دوما نتساءل لماذا تختلف تصرفات وردة فعل كلاً منا حيال ذات الموقف؟! هل فقط المرجعية للتربية والخلفية الثقافية؟ نعم كل هذا مؤثر ولكن المفاجأة التي استخلصتها بعد رحلة بحث في طبيعة البشر الأكثر تعقيداً، أننا ومنذ الطفولة تتكشف شخصياتنا، والمدقق لردود أفعالنا يمكنه أن يعرف هل هذا الطفل تتوفر فيه سمات الشهامة والدم الحر أم يجنح للميوعة والتخاذل وهذا بالطبع يفيد عند اختيار واحد من ابناءنا لإعداده لمنصب قيادي فلنبدأ منذ الطفولة.
القيادي
ولنا في رسول الله (ص) أسوة حسنة وخالد ابن الوليد وغيرهم من قادة المسلمين الشباب الذين تكشفت شخصياتهم الحرة القيادية منذ الطفولة ولتعودوا لقصص القيادين على مستوى العالم لتعرفوا كيف تكشفت سماتهم الحرة منذ الطفولة.
مستعبدون منذ نعومة أظافرهم وملوك
في أحد الملاجئ رضيع يبلغ من العمر عاما سقطت منه رضعته فانحنى والتقطها، فيما طفل آخر سقطت رضعته فقام ببكاء شديد حتى يساعده أحدهم، الأول تصرف بإباء إنحنى ليرتفع باستقلاله، والآخر تصرف بتبعية وتواكل.
خرجت لأتجول بالحديقة فوجدت طفلا آخر سقط من فوق الأرجوحة دون أن يقترب منه أحداً، فبكى بشدة وعندما جاءت المشرفة اتهم زميله بأنه المتسبب في ما حدث له، في ذات الوقت كان زميله يمد يده إليه ليساعده، وحتى بعد اتهامه له استمر في المساعدة ولم يبرر خطأ لم يرتكبه وظل صامتا، الأول ألصق تهمة لصديقه لم يرتكبها بنذالة، والثاني قدم يد المساعدة ورفض التبرير بترفع فهو ملك.
من هذا المثال الذي تربى فيه الأطفال بعيدا عن الأهل وتأثيرهم في عمر الفطرة، يتضح أن ما نعاني منه من تصرفات هؤلاء المستعبدون ما هو إلا إمتدادا لتكوين شخصي بدأ منذ نعومة أظافرهم.
سياسة العصا والجزر
الأحرار لا يمكن إخضاعهم بمنصب أو مال ولا تخويفهم بالسجن أو الحرمان، ومصطلح العصا والجزرة الذي يعرفه السياسيون جيداً، بمعنى أن تلوح دولة قوية لأخرى أضعف بمكاسب محددة في حال قدمت لها فروض التبعية وإن لم تستجب ستعاني فرض العقوبات والتنكيل، هنا يتجلى مدي تمسك الشعوب بالحرية التي تحتاج لتضحيات كبرى أو الخنوع ،وكمثال تلك الدول التي نجحت ثورات شعوبها تعي جيداً معنى الحرية والتي تتجلى أولى مبادئها في الدفاع عن رأي الآخر المختلف معي، أما تلك االمتعصبة المتشبثة بجهلها لم تحصل على الحرية التي لا تعيها من الأساس لذلك أطلق عليهم الساسة شعوب لم تتعلم الديموقراطية بعد، والحقيقة الأكثر فظاظة هم عبيد ويستمتعون بعبوديتهم.
الديموقراطية والعنصرية
هؤلاء محترفي الخنوع تجدهم عنصريون لأبعد حد لا يدافعون عن الحق أبداً وإنما يتشدقون بحق من يتسق في الحياة مع انتماءاتهم.
محجبة طالعت الجريدة لتجد جريمة تحرش بمتبرجة: هذا ما تستحقه!
لو كانت حرة لدافعت عن الحق بغض النظر عن أي اعتبار، فالتحرش جريمة تحرمها الأديان ويعاقب عليها القانون.
انتمي لفيصل سياسي معين وتم السجن مدى الحياة ظلما لفصيل الآخر بفرحة عارمة: هكذا يكون التنكيل بهم ليتهم يموتون لنستريح منهم.
الحر سيدافع عن حقهم في الحياة وممارسة قناعاتهم ويسعى لرفع الظلم عنهم، العبد سينكل بهم.
العصفورة.. منافقون مع سبق الإصرار
لسنا ملائكة وأحيانا نضطر للكذب لنداري حقيقة قد تنقص من قدرنا وتارة للنفاق الذي يساعدنا في حال شعورنا بالخوف من خسارة وظيفة مثلا، وبالرغم من لا أخلاقية الوسيلة إلا أن لها هدف على الأقل، وجاءت تحت طائلة الاضطرار، ولكننا في المجمل نتحرى الصدق ونتجنب النفاق ونمقته، ولكن ماذا عمن يحترفون الكذب بلا هدف ويتحرونه ويتملقون دونما ضغط بل هذا أصبح أسلوب حياة؟!
يتملق رئيسه للترقيه وصديقه للتقرب ووالده للحصول على حبه بل ويشي بأخوه حتى يتسبب في بغض والده له.
فمن منا لم ير في عمله شخصية العصفورة؟
هو ليس فقط شخص ينقل الكلام وأحياناً يختلقه بل هو عبد يتلذذ بممارسة طقوس عبوديته.
التأليه ولعق الأحذية
هذه الشعوب التي تأله حكامها، وهذه البيوت التي تأله فرداً من أفرادها تجعل الكون يدور في فلكه بل ويذهبون لأكثر من ذلك هم أفراد تقبل أيادي كل من هم أقوى منه بمنصب أو مال أو سمات شخصية، ويصل بهم المرض إن لم يجدوا من يمارسون له فروض الولاء والطاعة إن مات عنهم هذا الإله أو خرج من حياتهم لأي سبب سرعان ما تجدهم يبحثون عن غيره ليمارسوا طقسهم الأزلي بلعق حذائه، هؤلاء هم من يحكمهم حاكم فاشل مستعبد، ويقودهم أسريا المتنطعون، هي المرأة التي تسمح لزوجها باستعبادها، والرجل الذي يرضى بما يهين رجولته، والأم والأب اللذين يألهون أحد أبنائهم بالتمييزعن باقي أخواته ولا يجدون منه غير رد الجميل الذي يستحقون بالإهانة التي تزيدهم سعيا في إرضاءه ومكافأته!!
أحب سجاني
المستعبدون يشعرون بالخوف والفزع إن رحل سجانهم ولا بد لهم من البحث عن بديل، فإن كانوا شعوبا وجدوا أنفسهم بدون حاكم إله شعروا بالخوف من الاختيار وجنحوا لاختيار سجان بديل وإن كانت امرأة مات زوجها قامعها بحثت عن آخر يعنفها ،وتصل لدرجة إحياء هذه الشخصية في الابن كامتداد، هكذا تعتقد وهكذا نسمع بعض الرجال يقولون أن النساء خلقت لتُجلَد، نعم هناك البعض كذلك، هم من تجري في عروقهن دماء العبيد ومن يستعبدوهم من الرجال يبادلوهم ذات الدماء في الأوردة، فالحر إن وجد من يدفعه لاستعباده يقومَه ويصلحه لا يتماهى معه.
الصوت الخفيض
صوت الحق دوما منخفض، لذلك تجد أشخاصا عندما تجادلهم بالحجة والمنطق يستكرهوك على رفع صوتك وإن حادثتهم بالذوق يدفعونك لتكون حاداً معهم، إن كنت حراً ستعاني مرارة التعامل مع هؤلاء ومرارة أخرى أكبر وأشد فجعا أنهم لن يكترثون لك وسيدينون بالولاء والحب لمن يعنفهم ويتعامل معهم بجحود وإجحاف ،كلما كان صوتك مرتفعا ولسانك سليطا كلما اكتسبت ودهم ،وهذا إجابة على سؤال كثيراً ما يتردد.
ـ أنا أكثر من في العمل إنجازاً والتزاما وحقي مهدر؟
ـ لم تمارس طقوسهم من تملق وكذب فأنت لست منهم، فيجب أن تقمع حتى تستلم وتصبح مثلهم أو تنسحب هكذا هم لا يحبون أن يكون بينهم من لا يشبههم
ـ أنا أكثر أفراد عائلتي أدبا وحرصا على شعور الآخرين وتفانيا في إسعادهم ويدينون بالولاء لمن يسئ لهم ويجرح مشاعرهم بل ويتنكرون لي؟!
ـ لا عجب هم عبيد يشعرون بالدونية أمام الأحرار فيلفظوهم.
ـ أنا أم ربيت أولادي في الصغر وضحيت من أجلهم وفي الكبر أهانوني لماذا؟!
ـ ببساطة أنتِ لم تربي أحراراً سيدتي وإنما أخرجتي لنا عبيداً راجعي ما لقنتيهم إياه.
مثالية مفرطة
عندما تناقش منهم أحداً سيتهمونك بالمثالية وبضرورة نزولك لأرض الواقع الذي يتمثل فيهم لتتصرف مثلهم.
مثال: رجل يتشاجر مع فتاة ليل في الشارع الجميع يشاهدون ويعبرون، تقدمت أنت كرجل حر للدفاع عنها، قال الجمع أنها لا تستحق: أتعرف على ماذا كانوا يتفقون؟ وتشدق آخرون عن جنونك وتهورك، واخترق الصفوف أحدهم بفجاجة: وماذا لو ضُرِبت بسببها إنها مجرد داعرة!؟
أنا لا أتفق معها، لكنها إنسانة لا يحق لأحد إيذائها، نعم اختلف معها لكن واجبي كإنسان حر أن أدافع عنها تعظيما للإنسانية التي ننتمي لها جميعا.
الإجابة جاهزة ومعلبة: أنت تعاني مثالية مفرطة وتعيش في برج عاجي.
بعد هذا النقر الحثيث على أبواب نفوسنا، والطرح في اختزال، فالموضوع أعمق بكثير أن يناقش في مقال واحد، نستخلص حقيقة فجة ومؤلمة
أنت وأنا إما أحراراً أو عبيداً، أنت الآن تستطيع أن ترى من أنت بينهم، وأين تريد أن تكون!!
وهل أنت شجاعا بدرجة كافية، تجعلك تهدد هذا العبد الذي بداخلك والذي لم يخلقك الله لتكونه وتخرج الملك ليقود باقي معركة حياتك؟! وتكون خليفة الله في الأرض كما أراد لك؟!
ولكل الأحرا: لا تبتأسون مما تعانون، هذه ضريبة يدفعها الملوك الحقيقيون وليس ملوك السلطة أو المال.
صحفية وأديبة مصرية