ثقافتي من المزبلة…وأمور أخرى
أ.أسعد العزّوني
لا أدري لماذا خطر ببالي وضع هذا العنوان “المقزّز” للوهلة الأولى لمقالي هذا، ولماذا أجد نفسي واثقا أنّ حصافة القاريء المعتاد على متابعتي، سوف تتجاوز هذا العنوان، وستكتشف أن “المزبلة” فعلا هي بداية نحت ثقافتي جديا كمن ينحت في الصخر، فعادة ما يبدأ الشباب الغر بقراءة ديوان شعر غزلي أو قصة حب خيالية، لكنني وبمحض الصدفة بدأت بكتاب أممي لم أفهم منه شيئا مع أنني قرأته مرات عديدة.
تعود بي الذاكرة إلى بداية ستينيات القرن المنصرم، عندما أصر المرحوم والدي على إخراجي من المدرسة لرعي أغنامنا العشر بعد ان “حرد” الراعي عبود، ورفض تسريحها مع الأغنام الأخرى كما كان متبعا في قرى فلسطين، وذات يوم كنت أرعى الأغنام بالقرب من معسكر للجيش وتحديدا في منطقة مزبلة المعسكر الغنية بالخبز واللحوم والدهون، يسوقها الله رزقا لحيوانات البرية، وبينما أنا أهمّ بالعودة إلى البيت، لمحت في المزبلة كتابا جديدا بعنوان “حق النقض الفيتو”، ورغم أنني لم أفهم العنوان، لكنني وثبت إلى المزبلة وإلتقطت الكتاب، وسرحت بعيدا رغم صغر سني، وخرجت بنتيجة أن العسكر ممنوع عليهم الخوض في السياسة، وأن صاحب الكتاب خاف من وشاية ما فتخلص منه وألقاه في المزبلة.
قرأت الكتاب مرات عديدة لكنني لم أفهم شيئا من مصطلحاته، ومع ذلك أدّعي أن ثقافتي الجادة بدأت من هذا الكتاب الذي إلتقطه عن المزبلة، وشاء الله أن أعود إلى المدرسة، وأدخل الجامعة، وأذكر أنني إقتنيت مجموعة “المنتمي واللامنتمي” للفيلسوف كولن ولسون، وأعترف أن ولسون هذا قد أرهقني كثيرا لأنني لم أفهم مصطلحاته، ومع ذلك إستمريت في قراءة الكتب الجادة مثل “أحجار على رقعة الشطرنج-وليام غاي كار” و “لعبة الأمم -مايلز كوبلاند” الذي إدعى أن السي آي إيه هي التي دبّجت الشتائم المقذعة ضد أمريكا في خطابات عبد الناصر، وكذلك كتب الماسونية وبروتوكولات حكماء صهيون، ومقدمة إبن خلدون، ووثيقة كامبل السرية 1907 التي أعددت عنها مخطوطا جاهزا للنشر لكن قاتل الله الطفر الذي حرمه الله على الراقصات والفنانات، وإبتلانا نحن المثقفين به، ولا أنسى طبعا قراءاتي المتكررة للقرآن الكريم والأناجيل والتوراة المزيفة طبعا، وكذلك القاتل الإقتصادي-جون هوبكنز، والشرق الأوسط الكبير – وهو مشروع تقسيم العالم العربي، طرحته إدارة بوش الصغير بعد عرضه على مجموعة الثماني، ولا يغيبن عن البال أيضا أن قراءة الكتب الممنوعة في العالم العربي مثل كتاب هرمجودن وغيره، قد أسهمت في تعميق وعيي السياسي مبكرا، وهذا ما جعلني أنأى بنفسي عن الأحزاب لأن ما لدي من وعي سياسي غير موجود عندهم.
أما في موضوع الوعي الثقافي فقد تتلمذت على أيدي كتاب أمريكا الجنوبية والإتحاد السوفييتي، وكنت أجد نفسي محلقا في الأجواء أرافق الكاتب وهو يدخل الأزقة ويخرج منها، ولذلك فإنني وفي حال بقيت متسمرا على الكنبة وأنا أقرأ، فإنني أرمي الكتاب حتى لو كان ثمنه غال.
كاتب من الأردن